الحملة العسكرية الإسرائيلية تحت مسمى الاختطاف..-رشيد قويدر
2014-06-26
جاءت عملية اختفاء المستوطنين الثلاثة، بمثابة فرصة لحكومة نتنياهو العنصرية المتطرفة لتسابق نفسها نحو أهداف سياسية وأمنية، والتغطية على إِحراجها أمام الرأي العام الغربي، في ظل مقاطعات المؤسسات المدنية والأكاديمية الغربية للاستيطان في الضفة الفلسطينية، وتوقف المفاوضات مع السلطة، وفي ظل رفضها الإفراج عن الدفعة الأخيرة من الأسرى، التي جرى الاتفاق عليها ببداية المفاوضات، وفي الوقت الذي يواصل به أسرى الحرية إضرابهم عن الطعام، وانتهاكاتها الصريحة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية المتعلقة بالأسرى والمعتقلين تحت الاحتلال، وهذا ما أكدته تصريحات نتنياهو بعد كل اجتماع للجنة الوزارية المصغرة.. على امتداد إِعلانه للحرب..
كما جاءَت في الوقت الذي يقود به نتنياهو بذاته، حملة إعلامية منسقة مع كبريات الفضائيات الدولية، ضد الرئيس أبو مازن، بسبب حكومة الوحدة الفلسطينية ومحاولاته لاستعادة حركة حماس إلى الوحدة الوطنية، ووصل ما انقطع بين قطاع غزة والضفة الفلسطينية، فـَ "إسرائيل هي ضحية الإرهاب"، وتحميل المسؤولية للحكومة الفلسطينية الجديدة، وبأساليب وقحة فجة تُبعد الصبغة العنصرية عن إسرائيل الراهنة وعدوانها المستمر وعنصريتها، واستغلالها لأدق التفاصيل لمواصلة عدوانها على الشعب والأرض هما تحت نير الاحتلال.
وتحت شعار البحث عن المستوطنين الثلاثة، جرت حملة عسكرية همجية بمشاركة تسعة ألوية من جيشها معززة بالدروع والدبابات، وسلاح الجو وقوات المظليين واستخباراتها العسكرية، وعلى امتداد مساحة الضفة الغربية ومدنها وحواضرها وقراها، هذا فضلاً عن الغارات الجوية على قطاع غزة، فالحملة العسكرية عدوان جديد على شعب وأرض هما محتلان أصلاً ومحاصران عمليا.. حرب سافرة بكامل مواصفاتها وصنوفها الجوية والبّرية والبحرية، فهل كانت هذه الحرب وما زالت منذ انطلقت (17 يوماً حتى الآن)، هي للبحث عن المستوطنين المفقودين؟!.. أَم وهي ذريعة وتحمل معها أهدافاً أخرى..!
سبق لإسرائيل أن أَدلت بدلوها بموضوعة "المصالحة الفلسطينية" بأنها خطراً عليها (!!)، ووجهت لحركة حماس؛ ومن اليوم الأول للاختطاف تهمة الخطف، مستبقة تشكيل لجانها المعتادة "حول التقصير الأمني والاستخباراتي" ولعموم مؤسساتها التي على هذه الشاكلة.. أو البراهين اللازمة للاتهام، وأصيبت حكومة نتنياهو بالهستيريا، وعملت في اقتحاماتها للمنازل الفلسطينية على زيادة معاناة شعب تحت الاحتلال؛ قلب البيوت رأساً على عقب، مداهمات ليلية وإذلال للأطفال، بما فيهم طلاب المدارس الابتدائية إِثر عودتهم من المدارس، واعتقال الأطفال، ومواصلة اعتقال الأسرى الذين شملتهم اتفاقات سابقة، ومنهم القائد البطل سامر العيساوي، وهكذا يدلل على منهجية وصلف وغرور مقرون بغريزة الكراهية والعنصرية، كما يدلل على الحماقة والقلق.. مواصلة تهديد السلطة الفلسطينية ورئيسها أبو مازن بالويل والثبور وبما أتيح لها من عقوبات، علماً أن عقوباتها المتواصلة لم تتوقف، وقد استبقت حادثة الاختفاء للمستوطنين، وعلى عموم الفلسطينيين تحت الاحتلال البغيض، وهذا في سياق منهجيته في الاقتلاع وهي متواصلة ولم تتوقف في عموم مساحات الأرض والإنسان الفلسطيني..
باختصار إن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، مُصابة بالعمى الإيديولوجي، ولا يمكن لجلاوزتها أن يفهموا أن الاحتلال إلى زوال آجلاً أم عاجلاً، مهما بلغت قسوة إجراءاتهم؛ فهي محفز للمقاومة لكل مَنْ يعاني من هذا الهول والجرائم، فضلاً عن دروس التاريخ، فلا يوجد شعب يقبل بسرقة أرضه وأملاكه وهوائه ومائه، ثم لا يقاوم، وأن المقاومة ستأتيه من حيث لا يحتسب حساباً.. ومن حيث لا يعلم، خاصةً عندما تتورط في حملة عسكرية ضد شعب هو أصلاً تحت الاحتلال، بل؛ إن المستعمرة الاستيطانية التي انطلقوا منها هي ذاتها تحت سيطرة جيش الاحتلال وأمنه، ويلفت الانتباه ملاحظة أنه قد نشب خلاف كبير مع الجيش الإسرائيلي على توزيع الموازنات، وعلى امتداد شهر، سبق وأن أعلن يعلون وزير الحرب ومن ثم قائد الجيش أنه لن يقوم بتدريبات الاحتياط المرسومة لعام 2014، وأعلن فقدان الجاهزية بهذا الجانب، وفي ليلةٍ وضحاها أُغدقت عليه الملايين بسبب الحملة.. كل هذه التناقضات ينبغي النظر لها بعيون مفتوحة.. فضلاً عن تكاليف الحملة ذاتها..
في غمرة هذه الغطرسة الهستيرية الإسرائيلية، هدد وزير الخارجية ليبرمان بطرد روبرت سيري منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط، بإدعاء توسطه لدى السلطة الفلسطينية بدفع رواتب الموظفين في قطاع غزة، ومن الواضح أَن سيرى في الحقيقة لم يقم بذلك، فهي ليست من مهماته، لكن حكومة عُتاة العنصرية التي تخاف من تطاولها على كل المحرمات القانونية الدولية، وانتهاكها للمعايير الأخلاقية الإنسانية، والتي تطول عقوباتها قادة الاحتلال، هو الدافع لهذا التهديد، ولأن سيرى الذي لا يروق لهم، باتوا يخشون من تقاريره، وهذا بحد ذاته إرهاباً على الأمم المتحدة ذاتها من خلال ممثليها، مثلما عانى ريتشارد فولك بهذا الجانب، فهي محاولة لإسكاته قبل رفع تقريره عن الممارسات الفاشية للاحتلال، وهو أسلوب سبق وأن مارسته إسرائيل والعنصريات السابقة التي تلاشت في هذا العالم، باستباق "النوايا"..، وتحدي ضميرها الأممي بالويل والثبور.. وهذا بالذات، ما يدفع فلسطينياً إلى الانضمام إِلى المعاهدات والمواثيق الدولية كافةً، لحماية الشعب الفلسطيني من المظاهر الفاشية للاحتلال، كما أَن محاولات إسرائيل لإعادة الانقسام بين غزة والضفة ينبغي أن تبوء بالفشل...
والمطلوب أيضاً وقف التنسيق الأمني معها من قبل أجهزة السلطة، لأن هذا التنسيق بات يشكل خسارة صافية لمصالح الشعب الفلسطيني، فالاحتلال يتغطى به لمزيد من البطش والإذلال للشعب الفلسطيني واعتقال نخبه وكوادره المختلفة، ويربط ذلك أيضاً بنزيف الدم الفلسطيني بفعل الهجمة العدوانية، واستغلال ذلك في مزيدٍ من الفرقة بدلاً من الوحدة في مواجهة الاحتلال، الوحدة والبرنامج الذي صاغه المجلس المركزي لمنظمة التحرير، في دورته الأخيرة.. وبنداً بنداً.. ونصاً وروحاً..
إن ما يجري الآن في فلسطين تحت الاحتلال والحصار، هو أبعد كثيراً من البحث عن ثلاثة مستوطنين، خرجوا من مستوطنتهم التي هي تحت سلطة الاحتلال وجيشها.. بل وكامل الضفة الفلسطينية ذاتها... فهي الواقعة تحت نير الاحتلال.. الذي بدأ يغوص بحماقاته من حيث يحتسب أو لا يحتسب.. فهل يُطلب من شعب تحت السبي العنصري اليومي بالصمت..(!)
الأمر الأخير أن الولايات المتحدة ذاتها، وكما هي العادة سارعت إلى إعلان تأييدها لإسرائيل، في انحيازها المطلق لعدوانها على شعب تحت الاحتلال، فواشنطن لم يؤثر بها حتى إنسانياً إضراب المعتقلين الفلسطينيين عن الطعام، ودخوله منطقة الخطر على الحياة، وهم اليوم يتعرضون لأبشع عمليات التنكيل على يد أطباء الاحتلال، وأكثر من خمسة آلاف أسير يتعرضون لصنوف العذاب اليومي، لم نسمع من واشنطن مجرد إشارة لذلك.. لكنها مع المستوطنين الثلاثة تؤيد إجراءات إسرائيل العدوانية، وهي أكثر من يعرف أن هؤلاء المستوطنين؛ يقيمون على أرض محتلة، بشهادة قرارات الشرعية الدولية كافة.. وهذا في مفارقات الموقف الأميركي وضياع أكثر من عقدين وراء مفاوضات تشرف عليها أميركا بذاتها..
لأن واشنطن اليوم تراهن على إسرائيل في عموم الخرائط المقترحة والمفتوحة على مصراعيها في نطاق منطقة الشرق الأوسط.. ونحو ضبط مفاعيل التدهور الحاصل في حسابات واشنطن.. والسؤال أيضاً موجه للنظام الرسمي العربي.. فماذا أنتم فاعلون..!