عن المقدسات وخطاب في غير مكانه-معتصم حمادة
2014-06-28
هل تشكل عملية اختفاء المستوطنين الثلاثة و«ردود الفعل» الإسرائيلية فرصة
لنسأل أنفسنا أية إستراتيجية نعتمد في مواجهة الاحتلال ؟
لو سلمنا جدلاً أن المستوطنين الثلاثة الذين اختفوا في الضفة الفلسطينية بصورة غامضة قد تمّ اختطافهم على يد مقاومين فلسطينيين، فإننا لا نعتقد أن الخاطفين أرادوا بعملهم هذا أن يدمروا الحالة أو السلطة الفلسطينية، أو أن يوفروا الذرائع لحكومة نتنياهو لتشن حملة اعتقادات ضد الأسرى المحررين، وضد صف واسع من قيادات العمل الوطني في أنحاء الضفة، بقدر ما أرادوا أن يجعلوا من عملية الخطف هذه (على فرض أنها وقعت فعلاً) مقدمة لعملية تبادل، يتم بموجبها إطلاق دفعات جديدة من الأسرى في سجون الاحتلال والوقائع اليومية، في الضفة الفلسطينية، وفي القدس، تؤكد أن سياسة القمع على يد سلطات الاحتلال لم تكن بحاجة إلى أية ذرائع، كي تتواصل على قدم وساق، إن في قتل الأطفال والشبان، في الشوارع، أو في شنّ حملات الاعتقال. فالقتل، يمارسه جيش الاحتلال، قبل اختفاء المستوطنين الثلاثة، وبعده، ولا نعتقد أنه له صلة بعملية الخطف المفترضة، لأن ضباط الاحتلال يدركون جيداً أن هذا القتل ليس هو السبيل الصحيح، أو الوسيلة الناجحة، للعثور على المستوطنين الثلاثة. كما يدركون جيداً مدى استعداد الشعب الفلسطيني، في خوض التحديات، بما في ذلك التصدي لإجراءات الاحتلال بإرادة جماعية صلبة ومتينة، خاصة إذا ما توفرت لهذا الشعب الأجواء السياسية المناسبة والفاعلة على المستوى القيادي الأول، وجعلت من واقعة اختفاء ثلاثة مستوطنين، فرصة جديدة، لخوض حملة دبلوماسية وسياسية، وإعلامية، ناهضة، ضد ممارسات الجيش الإسرائيلي الفاشي.
في هذا السياق، نرى أنه كان من الخطأ بمكان، الذهاب إلى اجتماع مجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية، والادلاء بالتصريحات التي تم الادلاء بها، بما في ذلك اتهام «منفذي عملية الخطف» على أنهم أرادوا تدمير السلطة الفلسطينية، بقدر ما كان يفترض أن تضع القيادة الفلسطينية، بين أيدي المجتمعين، نتائج أعمال المجلس المركزي الفلسطيني، التي رسمت اتجاهات العمل السياسية المناسبة، لما بعد فشل «مفاوضات كيري»، وفشل إطلاقه إطار الاتفاق البديل، بما في ذلك انتهاك إسرائيل لمبادئ العملية التفاوضية وأسسها، وخاصة تمنعها عن إطلاق الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى، والطلب، في هذا الإطار، من الدول الإسلامية، وضع إمكانياتها السياسية والدبلوماسية والإعلامية، والمادية أيضاً، في خدمة الإستراتيجية الفلسطينية كما أقرها المجلس المركزي، وإخراج العملية السياسية من أزمتها، وتحريرها من القيود الأمريكية والإسرائيلية، وإطلاقها نحو المؤسسات الدولية، بما في ذلك إسناد الحالة الفلسطينية في الانتساب، باسم دولة فلسطين، إلى باقي الوكالات والاتفاقات والبروتوكولات الدولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، ومحكمة لاهاي.
كان يفترض، بدلاً من شن حملة ضد المقاومة الفلسطينية، التي باتت، وفق قناعات صف عريض من أبناء الشعب الفلسطيني، البديل الرئيس للعملية التفاوضية الفاشلة، أن تنظم الحملة ضد سلطات الاحتلال، وبدلاً من توعد المقاومين الذين يفترض أنهم خطفوا المستوطنين الثلاثة، توعد سلطات الاحتلال، وفضح ممارساتها، والإعلان عن النوايا الجدية لاستحضار قادتها العسكريين والسياسيين، مجرمي الحرب، أمام العدالة الدولية. وبدلاً من الدفاع عن المستوطنين باعتبارهم «بشراً مثلنا»، كان يفترض أن يطرح السؤال التالي: ماذا يفعل المستوطنون، والجنود الإسرائيليون فوق أرض دولتنا، وأي انتهاك يمارسون لسيادة دولة فلسطين، ولماذا لا يحملون عصاهم ويرحلون عن أرض دولتنا، التزاماً منهم بقرارات الشرعية الدولية. الكل يدرك جيداً أن المستوطنين ليسوا سياحاً يجوبون أنحاء الضفة الفلسطينية للتعرف على ملامحها، بل هم غزاة، يحتلون أرضنا، ويطردون أصحابها منها، ويقتلون زرعها، ويدمرون مواسمها بالمياه العادمة، ويزرعون الحرائق في بياراتنا، ويمارسون أبشع أنواع الانتهاك لحرمة الأرض الفلسطينية المقدسة. أما القول بأن التعاون الأمني مع إسرائيل هو أمر مقدس، فلا نعقتد أنه مقدس، ولو للحظة، في أعين فلسطيني واحد، وأن هذا التوصيف ألحق الأذى المعنوي والسياسي بالحالة الفلسطينية ولا بد من موقف جديد يقود إلى التراجع عنه.
كان يفترض، بتقديرنا، قبل الذهاب إلى مجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية، الذهاب إلى اللجنة التنفيذية في م. ت. ف. باعتبارها القيادة السياسية للشعب الفلسطيني، وباعتبارها مرجعيته الأعلى، والمسؤولة عن إدارة شؤونه، لتقف أمام مسؤولياتها إزاء الحدث الذي اجتاح الضفة. فإذا كانت اللجنة التنفيذية لا تدعى في مثل هذه الظروف، فمتى يا ترى يتم دعوتها، وإذا كانت لا تتحمل مسؤولياتها في مثل هذه الظروف، فمتى يا ترى تتحمل هذه المسؤولية. إن سياسة تغييب اللجنة التنفيذية، وتعطيل دورها في اللحظات الحاسمة، لصالح المطبخ المصغر الذي أحلّ نفسه مكانها في اتخاذ القرارات السياسية المهمة، لا تخدم سياسة الشراكة الوطنية، ولا تعزز من الدور التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولا تعزز كونها جبهة وطنية متحدة لعموم الشعب، بقدر ما تضعف هذا الموقع في أعين الشارع الفلسطيني، وتمعن في تحويلها إلى مجرد هيئة استشارية، ومنتدى لتبادل الآراء، مع احتفاظ الفرد الواحد بصلاحية اتخاذ القرار، في إطار سياسة وإستراتيجية ما زالتا موضع خلاف كبير في الحالة الفلسطينية.
لقد شكلت الهجمة الإسرائيلية فرصة مهمة لمتابعة الهجوم الدبلوماسي ضد الاحتلال الإسرائيلي، عبر استكمال خطوات الانتساب إلى مؤسسات الأمم المتحدة ووكالاتها وبروتوكولاتها المختلفة، كما شكلت فرصة مهمة، لتجاوز السقف الأمريكي الذي تحاول واشنطن أن تبقي القضية الفلسطينية وإمكانية حلها، تحت هيمنته.
إن مواصلة الرهان على الدور الأمريكي، بتقديرنا، لم تعد يشكل سياسة صائبة، هذا الأمر هو واحد من استخلاصات واستنتاجات النقاش الذي شهده المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الأخيرة. وآن الأوان للعودة إلى هذه الاستنتاجات والتوجهات والالتزام بها.
ليست المشكلة في أن ثلاثة مستوطنين قد اختفوا في الضفة الفلسطينية بصورة غامضة. لب المشكلة في وجود الاحتلال نفسه، ووجود الاستيطان نفسه، ولب المشكلة في رفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الانسحاب من أرضنا المحتلة، لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس. إن لب المشكلة يكمن كذلك في إمعان الجانب الإسرائيلي في البحث عن الذرائع والحجج لتبرير احتلاله للأرض، وتمديد هذا الاحتلال، والحفاظ على وجوده ليس باعتباره احتلالاً، ينتهك السيادة الفلسطينية، وقرارات الشرعية الدولية، بل باعتباره ضرورة أمنية في إطار الحديث عن الحدود الإسرائيلية الأمنية، كما تفسرها تل أبيب، وليس كما تفسرها قرارات الشرعية الدولية.
فهل تشكل عملية اختفاء المستوطنين الثلاثة فرصة لنحري مراجعة تحت السؤال التالي: أية إستراتيجية سياسية نعتمد في مواجهة الاحتلال ؟! ...
وهل تشكل هذه العملية فرصة لنعيد السؤال الكبير: ما هي وظيفة أجهزتنا الأمنية، التعاون مع سلطات الاحتلال، أم حماية الشعب الفلسطيني وصون أمنه ضد ممارسات الاحتلال ؟