لم تكن رؤيا السلام الفلسطينية قط أوضح مما هي الآن-محمود عباس (أبو مازن)
2014-07-09
مرت 26 سنة منذ أن تبنت م.ت.ف حل الدولتين بصورة رسمية. وقد اعترفت فلسطين بقرار تاريخي مؤلم بدولة اسرائيل في حدود ما قبل 1967، وتخلت عن أكثر من 78 بالمئة من مساحة الارض الفلسطينية. واختارت حكومة اسرائيل الحالية بدل انتهاز فرصة السلام هذه أن تستعمل مسيرة السلام مثل ساتر دخان لاستمرار الاستعمار والقمع. لكننا ما زلنا نريد أن نؤمن بأن جيراننا الاسرائيليين لا يتوقعون أن يحيا الشعب الفلسطيني في نظام فصل عنصري. ولن يُقمع بالقوة طموح أمة ترجو السلام والحرية، الى الاستقلال.
إن رؤيا السلام الفلسطينية واضحة ومرتكزة جيدا في مباديء القانون الدولي لأننا نؤمن بأنه لا يمكن احراز سلام عادل قابل للبقاء دون احترام حقوق الجميع، الفلسطينيين والاسرائيليين على السواء. وينبغي بحسب هذه المباديء احترام سيادة الدولتين، فلسطين واسرائيل، بمقتضى خط الحدود الدولية في 1967؛ وينبغي احترام حقوق اللاجئين الفلسطينيين بحسب القرار 194 الذي صدر عن الجمعية العمومية للامم المتحدة.
إن التفاوض وسيلة قوية جدا للسلام، لكن يجب أن يكون له هدف معلن ومعايير معلومة. وليست حكومة اسرائيل أو فيما يتعلق بفلسطين على الأقل، شريكة في تلك الاهداف والمعايير كسائر العالم. وقد حان الوقت ليعترف العالم بحقيقة أن سياسة الحكومة الحالية في اسرائيل لا تلائم حل الدولتين، ويمكن الاستدلال على ذلك من أنه في خلال الاشهر التسعة الاخيرة للمحادثات التي تمت برعاية الولايات المتحدة، دفعت اسرائيل قدما ببناء وحدات سكنية لـ 55 ألف مستوطن جديد في المناطق المحتلة. فهل يدل ذلك على نيتها التوصل الى سلام عادل قائم مع فلسطين؟ يُذكرنا كثيرون من اصدقائنا بالكلمات الحكيمة للرئيس المرحوم كنيدي: "لا نستطيع أن نفاوض اولئك الذين يقولون: ما لي لي وما لك يمكن التفاوض فيه". فالتفاوض سيكون بلا معنى ما استمرت اسرائيل على تعميق الاحتلال وتغيير العامل السكاني في ارضنا بغرض فرض حقائق جديدة على الارض.
حينما حققت فلسطين حقها آخر الامر وطلبت الى الامم المتحدة أن تعترف بها كدولة، لم تكن تلك محاولة للالتفاف على التفاوض السلمي. فهذا الاعتراف من 138 أمة محترمة في العالم فتح لفلسطين نافذة فرص جديدة لتطلب حقوقها وحقوق شعبها ولا سيما بواسطة امكانية المشاركة في مواثيق متعددة الاطراف ومنظمات دولية. وتعرف القيادة الفلسطينية جيدا جملة المواثيق والمنظمات التي تستطيع فلسطين الانضمام إليها اليوم.
نحن نطلب أن يكف المجتمع الدولي عن الاختباء وراء دعوات "تجديد المحادثات"، دون أن يطلب الى اسرائيل أن تفي بالتزاماتها. والمجتمع الدولي مسؤول عن حماية سكاننا العاجزين الذين يعيشون تحت الخوف من المستوطنين والجيش المحتل والحصار المعذِب. وينبغي اتخاذ عمل جازم يضمن ألا يتمتع المستوطنون الاسرائيليون الذين يسكنون على نحو غير قانوني في دولتنا ويستغلون ارضها ومواردها الطبيعية بنفس الخيرات التي يتمتع بها الاسرائيليون الذين يعيشون في اسرائيل. ويجب أن تكون معاملة المجتمع الدولي للحكومة الاسرائيلية متصلة بمقدار احترامها للقانون الدولي ولحقوق الانسان.
حينما عرضت الجامعة العربية خطتها السلمية السخية، وهي مبادرة السلام العربية، ردت اسرائيل بزيادة الاستعمار. ويشمل هذا الاقتراح الذي ما زال نافذا اعترافا كاملا وتطبيعا من قبل الـ 57 دولة الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي وفي الجامعة العربية، في مقابل انسحاب اسرائيل الى خطوط 1967 وحل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين بحسب قرار الامم المتحدة 194. ولن تحظى اسرائيل أبدا باقتراح أفضل للاندماج الاقليمي من مبادرة السلام العربية.
في الوقت الذي يواصل فيه المستوطنون العدوان على بيوت الفلسطينيين وعلى الكنائس والمساجد، ويواصل الأسرى معاناة معاملة سيئة في سجون غير قانونية، وتواصل المستوطنات التوسع في حين يعيش أكثر من نصف أبناء شعبنا مشتتين، وقد تلاشى احتمال التوصل الى حل الدولتين تماما تقريبا بسبب الحكومة الاسرائيلية، ما زال الفلسطينيون الشجعان يؤدون رسالة سلام وعدل الى اسرائيل والعالم كله.
برغم كل محاولات الاسرائيليين اضطرار أبناء شعبنا الى التسليم بواقع الجلاء والفصل العنصري والتمتع بالحصانة من العقاب، ما زلنا نواصل السير نحو الحرية. ونقتبس من قصيدة المرحوم محمود درويش: "هنا نقف وهنا نجلس وهنا نحن دائما الى الأبد/ لنا هدف واحد: أن نكون".
إنني بصفتي رئيس الشعب الفلسطيني ألتزم تماما برؤيا الدولتين والتطبيع والسلام مع جارتنا اسرائيل. وهذا ما دعاني الى الانضمام الى البابا فرنسيس – مع الرئيس بيرس – في صلاة للسلام. يريد أبناء شعبي السلام ولهذا نستمد التشجيع من مؤتمر "هآرتس"، الذي يعبر عن طموح مشابه عند اسرائيليين كثيرين مستعدين بصدق لمصالحة تاريخية. وهذا العلم يقوي تمسك أبناء شعبي بطريق السلام والمصالحة. وهذا هو واجبنا المقدس، اسرائيليين وفلسطينيين على السواء، لأبنائنا.