يبرعون في الحرب ويفشلون في السياسة -معتصم حمادة
2014-07-23
لا ندري إذا كان الفلسطينيون قد أصيبوا هم أيضاً بمرض عربي تفشى في صفوف القيادات العربية بعيد حرب تشرين، وهو أنهم يبرعون في الحرب، ويفشلون في السياسة.
لقد قدم الفلسطينيون في القطاع، وعلى يد مختلف الفصائل المقاتلة صوراً باهرة في تصديهم للعدوان الإسرائيلي، ونقل المعركة إلى داخل إسرائيل نفسها، وإرغام ملايين الإسرائيليين على العيش لأيام طويلة في الملاجئ. وهو تطور جديد في العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، ناتج عن تطوير المقاومة لأدواتها وتكتيكاتها وقدراتها القتالية والفنية في الميدان. واستطاعت المقاومة، بثباتها في وجه العدوان، أن تستعيد موقعها المتقدم في الحسابات الفلسطينية والعربية والإقليمية، خاصة أنها حُشرت في الزاوية أصحاب الخيار الوحيد المتمثل في المفاوضات سبيلاً إلى التسوية مع تل أبيب، وأظهرت إمكانية اتباع أساليب أخرى، بما يحقق نتائج أفضل ويتجاوز عدداً من العراقيل، أبزرها التعنت الإسرائيلي وسياسة فرض الوقائع الميدانية.
غير أن ما ظهر، على ضوء الجدل الفلسطيني حول المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في القطاع، أن المقاومة (كفعل وكدور وكتأثير) وقعت بين حدين قاتلين:
· الحد الأول مثله الرئيس محمود عباس، حيث أبرزت تحركاته ميله إلى إخراج المقاومة من السياق السياسي العام للحالة الفلسطينية، وعدم تبنيها كأحد العناصر الفاعلة في صياغة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي. من هنا إصراره الواضح على وقف إطلاق النار، أولاً، وبأي ثمن، وتأجيل البحث في أوضاع القطاع وإعادة بنائه، وفك الحصار عنه، وإعادة الحياة الطبيعية إليه، لوقت لاحق. وهي سياسة من شأنها أن تبعثر ما حققته المقاومة من نتائج، وأن تفرط بقدرتها الضغط على الجانب الإسرائيلي، في أية لحظة لاحقة.
· الحد الثاني ومثلته حركة حماس بشكل بارز، حيث أبرزت مواقفها رغبتها في تجيير المقاومة وفعلها وتأثيرها لصالح أحد المحاور الإقليمية (تركيا، قطر) في مواجهة محور القاهرة ـ جدة، من خلال رفضها المبادرة المصرية، رغم أنها نسخة طبق الأصل عن مبادرة الرئيس السابق مرسي، والتي كانت حماس قبلت بها لوقف حملة «عمود السحاب». وبالتالي تصرفت حماس في هذه النقطة، باعتبارها حركة «إخوانية»، وغلبت انتماءها الإخواني على انتمائها الفلسطيني، وبدلاً من البحث في آليات تصليب المقاومة في غرفة عمليات مشتركة، ذات مرجعية سياسية موحدة، تتخذ القرار على ضوء المصالح الفلسطينية ذهبت منفردة لتخوض حربها السياسية ضد مصر في تصفية حسابات ليست خافية على أحد.
مثل هذا التشتت الفلسطيني في معالجة الآثار السياسية للحرب على غزة، ستكون له بالضرورة نتائجه الضاغطة، في العلاقات الفلسطينية الداخلية، بما في ذلك على إمكانية التقدم بخطوات إضافية لصالح إنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة الداخلية، وفي العلاقات الفلسطينية المصرية، خاصة أن مفتاح القطاع موجود في القاهرة، وليس في أنقرة أو الدوحة، وأن الدخول إلى القطاع لا بد أن يكون عبر معبر رفح، وليس معبر إيرز أو أي معبر آخر