مقاطعة البضائع الإسرائيلية: هبّة مؤقتة أو نمط حياة -ريما كتانة نزال
2014-08-10
كنت في المتجر حين وجهت السيدة سؤالها إلى مالكه عن سبب استمراره في ترويج الخضار والفواكه الإسرائيلية.. فأجابها باختصار: إن الأمر عائد للمستهلك وخياراته، أنت حرّة والزبون حرّ، لكن السيدة العنيدة استأنفت حديثها قائلة بصوت مرتفع: عليك دور تقوم به وموقف تعبِّر عنه.
حاليا يتضح ان الوضع مختلف، حيث تشهد الساحة حالة نهوض شعبي واضح المعالم، وتشير إلى مُعطيات جديدة دخلت على العوامل المحركة للشارع، قامت بإشراك قوى جديدة ووضعتها في حالة الاشتباك مع الاحتلال بأشكال مختلفة. فقد دخلت "غزة" كل بيت فلسطيني وحركت وجدانه وضميره وأطلقت مبادراته المختلفة، كما جددت حملات مقاطعة نفسها وأضافت أشكالاً وآليات ووسائل جديدة بمواصفات حداثية وجاذبة مكنتها من الوصول إلى وعي المواطن ومخاطبة عقله وقلبه، على خلفية الحرب الصهيونية المجنونة على قطاع غزة، والتي خلقت معها مناخاً ثورياً طوَّر الحالة الجماهيرية وزج قطاعات مختلفة في مفاعيل الحرية.
نشهد حالياً موجة جديدة من موجات مقاطعة البضائع الإسرائيلية، بمواصفات مختلفة نوعياً عن الحملات المنظمة في مراحل سابقة، حيث تتميز بتعدد أشكالها والمبادرين إلى تنظيمها، ويتم قيادتها من نشطاء ميدانيين على شكل مجموعات شبابية ونسائية وغيرها، مع استمرار القوى السياسية في استنهاض الحملات السابقة وتجديد نفسها وآلياتها وإطلاق شعاراتها بأساليب مختلفة ووفق طرائق وأنشطة تخاطب بشكل مباشر المستهلك، مع إيلاء التاجر جهداً مميزاً، يعتمد على مخاطبة الضمير والقناعات. الجديد والمميز في المبادرات الجديدة، قيام بعض أصحاب المتاجر والسوبرماركت بإطلاق المبادرات وإعلان عدد كبير عن وقف تعاملهم مع البضائع الإسرائيلية وتنظيف رفوفهم منها.
رغم أهمية استخدام المقاطعة كسلاح مشهر بيد الشعوب، إلا أنها لم تتحول في الواقع الفلسطيني إلى خط نضالي مقاوم ولم ترسخ كقيمة مضافة إلى ثقافة المجتمع وعاداته الأصيلة. فبقيت موسمية ومتقطعة، تسير على وقع الانتفاضات الكبيرة، يرتفع صوتها مع تصاعدها، وينخفض على وقع تراجعها، وكأنها انتفاضة أو هبة مؤقتة وعارضة ترتبط بحماسة عارضة مرتبطة بالحالة العامة، وليس ضد احتلال يتواصل منذ عشرات السنين.
التعامل مع المقاطعة على نمط مرافقة الانتفاضات وفي مواسم الهبّات مَنَعَ ثباتها واستقرارها في الحياة الفلسطينية، وحال دون تحولها إلى وعي مكثف يؤدي إلى اعتمادها كسلوك مقاوم وأسلوب حياة تحت الاحتلال، كما منع اندماجها وتأصيلها في الوعي الجمعي القاعدي. ليس هذا فحسب، بل مثلت عملية المقاطعة كإحدى القضايا المختلَف عليها، من أجل إزاحة المسؤولية عن الذات وقذفها باتجاه الغير، بدءاً من مسؤولية السلطة عن اتفاقياتها، ومسؤولية التاجر عن تعاقداته، ومسؤولية المنتوج المحلي وجودته، بما وضع العصي في دواليب مسارها الطبيعي، خالقاً منظومة من التبريرات التي من شأنها ترك المقاطعة أو رهن نجاحها إلى إزالة العوامل والكوابح الموضوعية التي تعيقها. ليس هذا فقط، بل نمت على جوانب الحياة حالة من اللامبالاة وأنماط من الاستهلاك الباذخ الشاذ عن الحالة الفلسطينية تحت الاحتلال.
السؤال الدائر حالياً في المدينة، حول ما الذي سيجعل موجة أو هبة المقاطعة الحالية تصل إلى غاياتها، وما المطلوب لترسيخ ركائزها في الوعي الجمعي الفلسطيني لتتأصل في السلوك والوعي والثقافة. والجواب السهل الممتنع لا نجده إلا في نزع النمط الموسمي من سياق التعامل معها، وفي اتباع خطة للوصول إلى جعلها راسخة في الوعي الجمعي كنمط حياة وضمان وصولها عبر جميع الآليات إلى كل بيت في المدينة والمخيم والريف.
ونجده في مخاطبة جميع المكونات الاجتماعية من خلال قطاعاتها الجماهيرية، من نساء وشباب مدارس ومهنيين وعمال وتجار ومعلمين، على أن يضع كل قطاع خطته وأنشطته المناسبة للقطاع المستهدف. ونجده من خلال توظيف الإعلام والوسائل الإعلامية والدعاوية التي تخاطب العقل والوجدان في خدمة نشر ثقافة المقاطعة وأسانيدها ولغتها الخاصة وتجارب الشعوب، ونجده أيضا في الرقي بجودة المنتوج المحلي، وفي الانقلاب التاريخي المأمول على صعيد تطويع موازنات الدولة لجعلها تعتمد محددات اقتصاد الصمود، ودعم المزارع وإعادته إلى أرضه لزراعتها وتحقيق الاكتفاء الغذائي.
وضع خطة وطنية شعبية للمقاطعة، تنطلق من برنامج مقاومة الاحتلال وتعزيز الصمود وتغيير أنماط السلوك الاستهلاكي للمجتمع، لا بد من وضعها ضمن منظورها القيمي المقاوم، وتحويل المقاطعة إلى وعي وقيمة ونمط حياة بغض النظر عن المدّ والجزر في الحالة الجماهيرية، فلا يعقل ان نكون السوق الثانية لبضائع الاحتلال بعد الولايات المتحدة، ولا يعقل أن نموِّل احتلالنا ونساهم في تغطية فاتورته وندعمه بشكل غير مباشر، ولا يعقل أن تحقق حركة المقاطعة الدولية الانتصارات والاختراقات، بينما المقاطعة المحلية تتعثر وتتقطع .. وكل ذلك لا يتحقق دون فعل منظَّم وبرنامج شامل وأدوات تعمل بهمة ونشاط تصل بفكر المقاطعة لأن يصبح ثقافة فلسطينية نعتز ونفخر بها.
حاليا يتضح ان الوضع مختلف، حيث تشهد الساحة حالة نهوض شعبي واضح المعالم، وتشير إلى مُعطيات جديدة دخلت على العوامل المحركة للشارع، قامت بإشراك قوى جديدة ووضعتها في حالة الاشتباك مع الاحتلال بأشكال مختلفة. فقد دخلت "غزة" كل بيت فلسطيني وحركت وجدانه وضميره وأطلقت مبادراته المختلفة، كما جددت حملات مقاطعة نفسها وأضافت أشكالاً وآليات ووسائل جديدة بمواصفات حداثية وجاذبة مكنتها من الوصول إلى وعي المواطن ومخاطبة عقله وقلبه، على خلفية الحرب الصهيونية المجنونة على قطاع غزة، والتي خلقت معها مناخاً ثورياً طوَّر الحالة الجماهيرية وزج قطاعات مختلفة في مفاعيل الحرية.
نشهد حالياً موجة جديدة من موجات مقاطعة البضائع الإسرائيلية، بمواصفات مختلفة نوعياً عن الحملات المنظمة في مراحل سابقة، حيث تتميز بتعدد أشكالها والمبادرين إلى تنظيمها، ويتم قيادتها من نشطاء ميدانيين على شكل مجموعات شبابية ونسائية وغيرها، مع استمرار القوى السياسية في استنهاض الحملات السابقة وتجديد نفسها وآلياتها وإطلاق شعاراتها بأساليب مختلفة ووفق طرائق وأنشطة تخاطب بشكل مباشر المستهلك، مع إيلاء التاجر جهداً مميزاً، يعتمد على مخاطبة الضمير والقناعات. الجديد والمميز في المبادرات الجديدة، قيام بعض أصحاب المتاجر والسوبرماركت بإطلاق المبادرات وإعلان عدد كبير عن وقف تعاملهم مع البضائع الإسرائيلية وتنظيف رفوفهم منها.
رغم أهمية استخدام المقاطعة كسلاح مشهر بيد الشعوب، إلا أنها لم تتحول في الواقع الفلسطيني إلى خط نضالي مقاوم ولم ترسخ كقيمة مضافة إلى ثقافة المجتمع وعاداته الأصيلة. فبقيت موسمية ومتقطعة، تسير على وقع الانتفاضات الكبيرة، يرتفع صوتها مع تصاعدها، وينخفض على وقع تراجعها، وكأنها انتفاضة أو هبة مؤقتة وعارضة ترتبط بحماسة عارضة مرتبطة بالحالة العامة، وليس ضد احتلال يتواصل منذ عشرات السنين.
التعامل مع المقاطعة على نمط مرافقة الانتفاضات وفي مواسم الهبّات مَنَعَ ثباتها واستقرارها في الحياة الفلسطينية، وحال دون تحولها إلى وعي مكثف يؤدي إلى اعتمادها كسلوك مقاوم وأسلوب حياة تحت الاحتلال، كما منع اندماجها وتأصيلها في الوعي الجمعي القاعدي. ليس هذا فحسب، بل مثلت عملية المقاطعة كإحدى القضايا المختلَف عليها، من أجل إزاحة المسؤولية عن الذات وقذفها باتجاه الغير، بدءاً من مسؤولية السلطة عن اتفاقياتها، ومسؤولية التاجر عن تعاقداته، ومسؤولية المنتوج المحلي وجودته، بما وضع العصي في دواليب مسارها الطبيعي، خالقاً منظومة من التبريرات التي من شأنها ترك المقاطعة أو رهن نجاحها إلى إزالة العوامل والكوابح الموضوعية التي تعيقها. ليس هذا فقط، بل نمت على جوانب الحياة حالة من اللامبالاة وأنماط من الاستهلاك الباذخ الشاذ عن الحالة الفلسطينية تحت الاحتلال.
السؤال الدائر حالياً في المدينة، حول ما الذي سيجعل موجة أو هبة المقاطعة الحالية تصل إلى غاياتها، وما المطلوب لترسيخ ركائزها في الوعي الجمعي الفلسطيني لتتأصل في السلوك والوعي والثقافة. والجواب السهل الممتنع لا نجده إلا في نزع النمط الموسمي من سياق التعامل معها، وفي اتباع خطة للوصول إلى جعلها راسخة في الوعي الجمعي كنمط حياة وضمان وصولها عبر جميع الآليات إلى كل بيت في المدينة والمخيم والريف.
ونجده في مخاطبة جميع المكونات الاجتماعية من خلال قطاعاتها الجماهيرية، من نساء وشباب مدارس ومهنيين وعمال وتجار ومعلمين، على أن يضع كل قطاع خطته وأنشطته المناسبة للقطاع المستهدف. ونجده من خلال توظيف الإعلام والوسائل الإعلامية والدعاوية التي تخاطب العقل والوجدان في خدمة نشر ثقافة المقاطعة وأسانيدها ولغتها الخاصة وتجارب الشعوب، ونجده أيضا في الرقي بجودة المنتوج المحلي، وفي الانقلاب التاريخي المأمول على صعيد تطويع موازنات الدولة لجعلها تعتمد محددات اقتصاد الصمود، ودعم المزارع وإعادته إلى أرضه لزراعتها وتحقيق الاكتفاء الغذائي.
وضع خطة وطنية شعبية للمقاطعة، تنطلق من برنامج مقاومة الاحتلال وتعزيز الصمود وتغيير أنماط السلوك الاستهلاكي للمجتمع، لا بد من وضعها ضمن منظورها القيمي المقاوم، وتحويل المقاطعة إلى وعي وقيمة ونمط حياة بغض النظر عن المدّ والجزر في الحالة الجماهيرية، فلا يعقل ان نكون السوق الثانية لبضائع الاحتلال بعد الولايات المتحدة، ولا يعقل أن نموِّل احتلالنا ونساهم في تغطية فاتورته وندعمه بشكل غير مباشر، ولا يعقل أن تحقق حركة المقاطعة الدولية الانتصارات والاختراقات، بينما المقاطعة المحلية تتعثر وتتقطع .. وكل ذلك لا يتحقق دون فعل منظَّم وبرنامج شامل وأدوات تعمل بهمة ونشاط تصل بفكر المقاطعة لأن يصبح ثقافة فلسطينية نعتز ونفخر بها.