:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/3894

مخيمات سورية: لا هدف يعلو فوق حق العودة إلى الديار

2014-08-15

منذ بداية الأزمة السورية، والتي نتمنى أن تنتهي بأسرع وقت، كان هناك شبه إجماع شعبي في المخيمات الفلسطينية واختلاف فصائلها على تحييد المخيمات وعدم الزج بها في أتون الصراع الدائر، والمحافظة على أمن واستقرار المخيمات بعيداً عن تداعيات الأزمة. على الرغم من سيطرة المجموعات المسلحة على عدد من المخيمات والتجمعات (اليرموك، سبينة، حندرات، الحسينية، درعا)، فإن هذا لا ينفي صحة الشعارات المرفوعة، والدليل أن كل المقترحات والمبادرات المقدمة من جميع الأطراف لمعالجة أوضاع المخيمات، تنطلق من المسلمات الثلاث: تحييد المخيمات، والمحافظة على أمنها واستقرارها، وخلوها من السلاح والمسلحين، وعودة أبناء المخيمات إلى مخيماتهم التي نزحوا منها قسراً.
اليوم نحن أمام مأساة إنسانية عميقة. هناك ما يزيد عن 300 ألف فلسطيني نزحوا من مساكنهم، يقيمون في منازل مستأجرة أو لدى أقاربهم وما نسبته 9% يعيشون في مآوي أقامتها لهم الأونروا في مدارس، تفتقر إلى الحد الأدنى من الحياة الإنسانية. كل شيء في هذه المآوي مشترك، وتعاني مشكلات جمة. قسم آخر نزح إلى لبنان ومصر والأردن والجزائر وعدد من بلدان أوروبية.
خريطة المخيمات تشير إلى ثلاثة أنواع منها مخيمات ومرت بشكل واسع كمخيمات اليرموك وسبينة ودرعا وحندرات. مخيمات لا زالت تعاني من سقوط القذائف حولها كخان دنون وخان الشيح والنيرب، ومخيمات لا زالت حتى الآن مستقرة وتعاني الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبنيوية والتربوية والنفسية، نتيجة لاكتظاظ السكان ومضاعفة عددهم عدة مرات كمخيم جرمانا واللاذقية وحمص. ونشأت تجمعات فلسطينية جديدة في قدسيا وضاحيتها والكسوة وصحنايا، تضم عشرات الآلاف من النازحين يعانون مشكلات أهمها الغلاء الفاحش بأجور المنازل المستأجرة. وإذا استعرضنا أوضاع بعض المخيمات كاليرموك نلاحظ أنه لاحت بوادر لمعالجة مشكلته بالتوقيع على اتفاق في بداية 2014 بين المجموعات المسلحة والفصائل الفلسطينية، يتضمن خروج المسلحين غير الفلسطينيين منه نهائياً وتموضع المسلحين الآخرين، والفصائل على محيط المخيم، وتسوية أوضاع من يرغب من المسلحين وعودة أهالي المخيم إلى منازلهم وتم الشروع بتنفيذ الاتفاق، لكن في بداية شهر آذار 2014 اقتحمت مجموعات من الجماعات الإسلامية المخيم من جديد لتعود الأمور إلى نقطة الصفر، ويبدو الآن أن الأفق للتوصل إلى اتفاق تواجهه الكثير من الصعوبات الناجمة عن موقف المجموعات المسلحة في المخيم.
أما مخيم سبينة وتجمع الحسينية وما بينهما من مناطق تواجد فلسطيني، فكانت تحت سيطرة المجموعات المسلحة، نزح أهلها من الفلسطينيين الذين يزيد عددهم عن ثمانين ألفاً إلى أصقاع الأرض، وأغلبية سكان هذه المنطقة هم من الفقراء الذين يعملون مياومين أو في المصانع القريبة. هذه المناطق عادت منذ شهور طويلة تحت سيطرة الدولة لكن إلى الآن لا يسمح بعودة السكان إليها على الرغم من مناشدات الأهالي والوفود الكثيرة التي قابلت العديد من المسؤولين. إلى الآن بقيت وعودهم دون تنفيذ. وقس على هذا مخيمات درعا المدمر وحندرات الذي لا زال يقبع تحت سيطرة المسلحين.
واقع صعب يعاني منه أبناء الشعب الفلسطيني، وحجم المعوقات الإغاثية لا يرتقي أبداً إلى مستوى المأساة، فالوكالة، الجهة الرئيسية التي قدمت ولا زالت تقدم المعونات الإغاثية، قدمت إلى الآن وبشكل غير منتظم خمسة دفعات مساعدات مالية وسلات غذائية وفرشات وحرامات على امتداد عمر الأزمة. ومع أن هذه المعونات غير منتظمة لكنها تحل جزءاً يسيراً من المعاناة للنازحين الذين ينتظرونها من أجل دفع أجرة المنازل التي يستأجرونها.
أما منظمة التحرير الفلسطينية فلم تدرج حتى الآن أزمة الفلسطينيين في سوريا على سلم أولوياتها، وإلى الآن لم تتعامل مع معاناة الفلسطينيين كقضية وطنية من الطراز الأول، بل وعلى الرغم من مرور ثلاثة سنوات من عمر الأزمة لا زالت على هامش اهتمام قيادة منظمة التحرير الفلسطينية واللجنة التنفيذية، وعلى مدار الأزمة لم تقدم المنظمة سوى ألف وخمسمائة ليرة سورية للفرد غطت حوالي 80% من الفلسطينيين فقط.
أوضاع الشعب الفلسطيني تزداد سوءً بغياب المرجعية الجدية التي تهتم بحل المشكلات الكثيرة التي نتجت عن الأزمة فآلاف الشهداء سقطوا وعشرات المفقودين اختفوا ودمار واسع حلّ بعدد من المخيمات، نهب واسع للمنازل في كل المخيمات والتجمعات التي نزح سكانها.
بالمقابل يلحظ زيادة واسعة في البطالة وفقدان المعيل، قضايا كبرى تحتاج لمتابعة من أجل السعي لإيجاد حلول سريعة لها وللواقع الأليم الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون، وإن كنا نجزم أن الحل يحتاج لتضافر جهود الجميع والعمل مع الجميع لإنهاء معاناة الفلسطينيين، فعلينا التأكيد أن هذا الشعب الوفي لا عدو له، سوى إسرائيل. ولا هدف عنده إلا النضال المستمر من أجل عودته إلى أرض وطنه
حسين أحمد أبو ناصر