:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/3943

مناورة إسرائيلية للعودة إلى «كيري»-إياد مسعود

2014-08-24

فاجأ الجانب الإسرائيلي، الوفد الفلسطيني الموحد إلى المفاوضات غير المباشرة في القاهرة، برفضه إطلاق سراح أسرى عملية شاليت الذين أعيد اعتقالهم إثر اختفاء المستوطنين الثلاثة في الضفة الفلسطينية، في 12/6/2014، ووجدوا مقتولين في إحدى قرى الخليل. وبقبولها، في الوقت نفسه، بإطلاق سراح الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى، تنفيذاً للأسس العملية التفاوضية، مع السلطة الفلسطينية، والتي انتهت إلى الفشل في 29/4/2014. وكانت إسرائيل قد علقت المفاوضات قبل موعدها، وعطلت إطلاق سراح هذه الدفعة، بذريعة انتهاك الجانب الفلسطيني لأسس العملية التفاوضية وانتسابه، باسم دولة فلسطين، إلى عدد من المنظمات الدولية؛ كالموافقة على اتفاقية حقوق الطفل، وحقوق النساء وعدم التمييز العنصري، وغير ذلك من الاتفاقيات والمعاهدات التي لم تؤثر إطلاقاً على سير العمليات التفاوضية الثنائية بين الجانبين، والتي كان الهدف من الانتساب إليها تعزيز الموقع الدولي لدولة فلسطين من خلال استكمال عضويتها في المجتمع الدولي.
امتناع إسرائيل عن إطلاق الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى أدى إلى الوصول بالعملية التفاوضية إلى الطريق المسدود. وقد أصرت إسرائيل، آنذاك، على تحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية إفشال المفاوضات، وأكدت على ضرورة انسحاب فلسطين من المنظمات الدولية التي انتسبت إليها، كشرط لاستئناف المفاوضات، وهو ما رفضه بشدة الجانب الفلسطيني.
ما الذي يدعو إسرائيل، الآن، لتغيير موقفها، وتفضيل إطلاق سراح الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى، والتخلي عن شرطها انسحاب فلسطين من المنظمات التي انتسبت إليها؟.
نعتقد، وصف عريض من المراقبين، أن وراء هذا الموقف مناورة إسرائيل متعددة الأهداف، لعل أهمها:
1 ـ الرغبة الإسرائيلية الجامحة في تجاوز الصيغة التفاوضية الحالية، والعودة إلى الصيغة السابقة، وإفشال الصيغة الحالية، والتأكيد أن الصيغة الفضلى هي الصيغة السابقة.
فالصيغة الحالية تتم مع وفد من الحركة الوطنية الفلسطينية تتمثل فيه التيارات الرئيسية للحالة الوطنية الفلسطينية؛ وبشكل خاص، الفصائل الفلسطينية المقاتلة في الحالة الفلسطينية وهي الجبهتان الديمقراطية والشعبية لتحرير فلسطين، من داخل م. ت. ف. وحركتا الجهاد وحماس من خارجها. وهي المرة الأولى التي تقف فيها إسرائيل متفاوضة مع هذا التشكيل الفلسطيني، بصيغته الحالية، مما يضعها أمام تجربة جديدة، يكون فيها القرار الفلسطيني أكثر تماسكاً وأكثر صلابة، لأنه محصلة تشاور وتوافق وطني فلسطيني، ما يغلق أمامها إمكانية اللعب على حبال الخلافات الفلسطينية الداخلية في مناوراتها التفاوضية السابقة. إسرائيل، بالصيغة التفاوضية الحالية تجد نفسها أمام وحدة فلسطينية متماسكة، تبدو معها الأمور شديدة الصعوبة، خلافاً لما كانت عليه الأمور في جولات تفاوضية سابقة.
2 ـ تجد إسرائيل نفسها أمام ورقة عمل فلسطينية، موحدة، وأمام جدول أعمال فلسطيني واضح ومحدد، يفرض عليها تناول الأمور الملموسة، ويضع حداً للعبة الاختلاف على جدول الأعمال، مثل لعبة هل نبدأ بالحدود أم بالأمن، أم بالحدود والأمن معاً. الورقة الفلسطينية وضعت الجانب الإسرائيلي أمام استحقاقات تحتاج إلى إجابات واضحة ومحددة، ما أحرج الوفد الإسرائيلي المفاوض، لذلك تراه في تنقلات مكوكية بين القاهرة وتل أبيب لإجراء مشاورات مع قيادته في القضايا الملموسة، بعد أن عجز كبار القادة العسكريين والمستشارين السياسيين في الوفد الإسرائيلي عن حسم الأمر، دون التشاور مع حكومة تل أبيب.
3 ـ تتم المفاوضات تحت تهديد السقف الزمني المحدد. كل جولة يرسم لها 72 للوصول إلى الاتفاق، هي المدة المكرسة للتهدئة ووقف القتال. وهو الأمر الذي دأبت إسرائيل على رفضه معتبرة أن تحديد السقف الزمني للمفاوضات كمن يضع مسدساً محشواً في رأس المفاوض الإسرائيلي.
4 ـ تتم المفاوضات في ظل التهديد بالعودة إلى المقاومة المسلحة، ما يضع إسرائيل في حالة تعبئة عسكرية ومجتمعية تلحق الضرر بالاقتصاد الإسرائيلي وبالحالة المعنوية للجبهة الداخلية وسمعة الجيش الإسرائيلي التي بدأت تتآكل. إسرائيل لا تريد على الإطلاق لمثل هذه الصيغة أن تتكرس، بحيث تقف الحالة الفلسطينية في مواجهتها، جدول الأعمال التفاوضي بيد، والصاروخ والبندقية والصاروخ والبندقية باليد الأخرى، لذلك لا غرابة أن يكون الشرط الإسرائيلي الأول للتفاوض في القاهرة، هو وقف إطلاق النار.
5 ـ المفاوضات تتم بشكل غير مباشر، وفي ظل رعاية مصرية، منحازة للجانب الفلسطيني من حيث المبدأ، وليس تحت الرعاية الأميركية المنفردة، والمنحازة للجانب الإسرائيلي. في هذه الصيغة تشعر إسرائيل أنها تتعرض لضغط مزدوج، ضغط المقاومة الفلسطينية، وضغط الجانب المصري. وقد لاحظنا، على سبيل المثال، أن إسرائيل فشلت في طرح مسألة تجريد قطاع غزة من السلاح، لأن «الوسيط» المصري رفض طرق هذا الموضوع بشكل تام. ولو كانت المفاوضات تحت إشراف الأميركيين، لأصبحت مسألة تجريد غزة من السلاح هي العنوان الأول. لقد فقدت إسرائيل، في هذه الصيغة التفاوضية السند الأميركي المباشر، الذي كان يوفر لها ضغوطاً شديدة على الجانب الفلسطيني، ويقيده ويمنع عليه كثيراً من هوامش الحركة والمناورة.
6 ـ المفاوضات
في ظل حديث عن استعداد الجانب الفلسطيني لاستكمال عضوية دولة فلسطين في المؤسسات الدولة التابعة للأمم المتحدة، وفي المقدمة التوقيع على نظام روما، والانتساب لمحكمة الجنايات الدولية، ومحكمة لاهاي. لقد لاحظت إسرائيل أثناء عدوانها على القطاع ارتفاع الأصوات الحقوقية التي أدانت ارتكاب جيش الاحتلال جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين، خاصة مدارس وكالة الغوث ومؤسساتها، التي تحولت إلى ملاجئ للنازحين المدنيين، حولتها إسرائيل إلى مقتلة حصدت المئات من النساء والأطفال والمسنين. إسرائيل تريد قطع الطريق على الجانب الفلسطيني ومنعه من استكمال هذه الخطوة، وهي ترى أن جون كيري، وحده القادر على الضغط على رام الله، من خلال موقعه كوزير خارجية للبيت الأبيض، وبالتالي قدرته على التأثير على الجهات المانحة وتجفيف منابع تمويل السلطة الفلسطينية.
لهذا كله، بتقديرنا، تحاول إسرائيل المماطلة، في المفاوضات الحالية، مؤكدة أن بعض القضايا تعود إلى مفاوضات الحل الدائم، كالمرفأ والمطار، وأن التوقيع على أي شيء يتم الاتفاق عليه يكون مع السلطة الفلسطينية وليس مع الوفد الموحد في القاهرة لأن السلطة، برأي إسرائيل، هي المعنية بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. وهي مناورة جديدة، الهدف منها تعديل الاتفاقات، بالتنفيذ وبالتلكؤ في التنفيذ، إذا كان يصعب على تل أبيب تعديل النص، إذا ما اكتشفت أنه لا يخدم مصالحها.
فهل تنجح تل أبيب في مسعاها ومناوراتها؟