ارباح تركيا من نظامي مبارك ومرسي-مصطفى اللباد
أردوغان يواجه النظام المصري
مثلت كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي جرت قبل أيام قليلة، منعطفاً حاداً في العلاقات المصرية - التركية المتردية بالفعل منذ إطاحة جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر وممثلها في قصر الرئاسة العام الماضي. كان غريباً أن يخصص الرئيس التركي الثقل الأساسي لخطابه للنيل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووصفه الانتفاضة الشعبية المصرية الثانية في حزيران 2013 باعتبارها «انقلاباً عسكرياً»، متجاهلاً عشرات الملايين من المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين لإطاحة حليفته جماعة «الإخوان المسلمين». ذهب الرئيس المصري إلى نيويورك ضمن حملة سياسية - إعلامية منسقة لنيل اعتراف المجتمع الدولي بشرعية نظامه، ونجح بوضوح في الحصول عليه. وتجلى ذلك الاعتراف في اللقاء مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، الراغب بشدة في رص اصطفاف عربي في تحالفه بمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية». أما أردوغان، فقد انحصر هدفه في الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة - على ما يبدو - في التنديد بحملة الرئيس المصري، ناقلاً أسلوبه الشخصي التهجمي إلى المحفل الأهم في السياسة الدولية وعاكساً في الوقت نفسه وضعية تركيا الإقليمية الجديدة.
في سياق الخيارات المصرية بمواجهة أردوغان يجب دوماً الفصل بين الأواصر التاريخية والثقافية التي تجمع بين الشعبين التركي والمصري، وجعلها فوق الخلاف السياسي بين النظامين الحاكمين في القاهرة وأنقره؛ فالحكام زائلون والشعوب باقية. أما في طريقة التعاطي مع مواقف أردوغان، فما زالت المواقف المصرية دون مستوى ما تستطيع أن تفعل في الواقع. يمكن للقاهرة - من بين ما يمكنها أن تفعله - مراجعة ملف العلاقات مع تركيا بما يتسق مع الحقوق والالتزامات الدولية وأواصر الصداقة بين الشعبين التركي والمصري، فتمنع عن عائلة أردوغان شخصياً وليس كل رجال الأعمال الأتراك، ما تتحصل عليه من امتيازات وفوائد على حساب الشعب المصري! تسمح اتفاقية «الرورو» الموقعة بين القاهرة وأنقرة العام 2012 للسفن التركية بالتهرب من رسوم عائدات قناة السويس، عبر رسو السفن التركية القادمة من الموانئ التركية إلى الموانئ المصرية، ومن ثم نقل البضائع براً إلى البحر الأحمر، ما يفقد مصر مليار دولار سنوياً عائدات مرور ضائعة لقناة السويس. والمستفيد الأكبر من هذا الاتفاق على الجانب التركي هي شركات الشحن المملوكة لأحمد براق أردوغان ابن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
تصدّر تركيا ما قيمته عشرون مليار دولار سنوياً إلى دول الخليج العربية، ذهبت تقليدياً إلى هناك عبر الأراضي السورية. ومع قطع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وتردي علاقات أنقرة وبغداد، لم يعد أمام الصادرات التركية سوى طريقين للوصول إلى الخليج هما إسرائيل/الأردن/ البحر الأحمر أو مصر/البحر الأحمر، ومن وقتها وحتى الآن تستعمل تركيا الطريقين وتدفع ثمناً كبيراً لإسرائيل لقاء مرور البضائع التركية. كانت كل سفينة تركية ستدفع في العادة أربعمئة ألف دولار لعبور قناة السويس محملة بالسلع ومئتي ألف للعودة فارغة، ما يعني ستمئة ألف دولار لكل سفينة. بينما تجعل «اتفاقية الرورو» السفن التركية تدفع خمسة عشر ألف دولار فقط للسفينة في الذهاب والعودة، مع استعمال الوقود المصري المدعوم من خزينة الدولة وشبكة الطرق المصرية مجاناً، ما يعني أن السفن المملوكة لعائلة أردوغان تعبر مصر مجاناً تقريباً، ما يجعل الخسائر المصرية والأرباح لآل أردوغان مليار دولار سنوياً. وفي اللحظة التي كتبت فيها هذه السطور، ما زالت سفن الشحن البحري المملوكة لأحمد براق أردوغان تستعمل «اتفاقية الرورو»، لمراكمة أرباحها على حساب قناة السويس التي بناها المصريون بعرقهم ودمهم وأرواحهم. من الطبيعي لأي نظام يتشدق بالديموقراطية أن يتمتع بالشفافية وأن يفصل بين العام والخاص، ويمنع صانع القرار من الاستفادة بقرارات لمصلحته الشخصية كما هي الحال مع المصالح التجارية لأحمد براق أردوغان والسياسات الإقليمية لرجب طيب أردوغان، ولكن تلك قضية الشعب التركي وليس أي أحد آخر. تغيرت المنابر على أردوغان من ميادين تركيا إلى دافوس إلى الأمم المتحدة، وظلت طريقته التهجمية واحدة. لا يعكس ذلك ثباتاً على المبدأ بالضرورة، بل فشلاً في استيعاب المتغيرات الإقليمية التي جعلته رابحاً في بدايات «الربيع العربي»، وخاسراً بوضوح الآن بعد إطاحة جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر وانطلاق الحرب على «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا.