:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/431

الإبرة الفلسـطينيـة في مواجهـة الاحتلال والاغتصاب!!

2013-04-23

إن الدارس المتخصص المتفحص بعين خبيرة لتلك الخطوط المتقاطعـة والرسومات المختلفـة على أي ثوب من أثواب المرأة الفلسـطينيـة، سـيكتشـف أن تلك الرسـومات وهاتيك الخطوط مسـتمدة من مثيلاتها المحفورة في الجدران الصخريـة الفلسـطينيـة التي تم اكتشـافها في كهوف أجدادنا العرب الكنعانيين؛ فالثوب الفلسـطيني ضارب في جذوره وصولاً إلى آلاف السـنين.

ومما يُلفت الانتباه في معظم أثواب النسـاء الفلسـطينيات، تلك النجمـة الثُمانيـة، وهي النجمـة الكنعانيـة المشـهورة المحفورة أصلاً في مختلف كهوف "أريحا" في فلسـطين، ويُقدر تاريخ حفر تلك النجمـة بنحو 4500 سـنـة، وقد عثرت عليها الباحثـة الألمانيـة (كاتلين كانون)، مما يُشـير إلى أصالـة تلك الأزياء وعراقتها وارتباطها بالثوب الفلسـطيني الأول في فلسـطين.

لقد أدرك الصهاينـة المحتلون خطورة التطريز وأعمال "الكنفـة"؛ إذ أن الإبرة التي تُطرز الثوب الفلسـطيني بيدٍ فلسـطينيـةٍ خبيرةٍ تُخيف الآن الصهاينـة أكثر من أي شـيء آخر... لذلك يقوم الصهاينـة وباسـتمرار بمنع توفير المواد الأوليـة المتعلقـة بصناعـة الأزياء الشـعبيـة وغيرها من الصناعات الشـعبيـة لا سـيما ما لـه صلـة بأعمال الإبرة والتطريز. ويفرضون على تلك المواد الأوليـة ضرائب باهظـة جداً، ويُضيقون الخناق على دروب الإبرة الفلسـطينيـة، ويُحاولون منع تصدير نتاج أشـغال الإبرة لأنهم يعرفون أن لا تاريخ لهم في هذه الأرض، ولا علاقـة تربطهم بها، ويُدركون في قرارة أنفسـهم أنهم ليسـوا من نبت هذه الأرض الطيبـة التي لا تُنبت إلا طيباً... إن إحساسهم العميق بالغربـة دفعهم إلى فعل ما فعلوه وما يُمكن أن يفعلوه في قادم الأيام والسـنين.

لقد سـرقوا أرضنا واقتعلوا شـعبنا ويُريدون أن يسـرقوا تاريخنا وحضارتنا وتراثنا، وبالتالي هويتنا كي يُغيبونا عن الوجود.

ادعى الصهاينـة أن بعض الأكلات الشعبية الفلسطينية هي أكلات "إسرائيلية"، مثل "الفلافل" و"الحُمص" و"المقلوبـة" و"المسـخن"...!!! ومؤخراً قام مصمم "إسـرائيلي" بتقليد الكوفيـة العربيـة الفلسـطينيـة (الحطَّـة)، لكنـه عمد إلى تغيير لونها لتُصبح بالأزرق والأبيض مع النجمـة السُـداسـيـة، ونشـرتها صحيفـة (جويـش كرونيكل) التي تصدر في لندن، ومصمم هذه الكوفيـة المزورة هو اليهودي (موشـيـه هاريل).

ويتحدث الصهاينـة في كتاباتهم بوقاحـة لا مثيل لها عن ما يُسـمى "اللباس اليهودي الأصيل"؛ فنقرأ مثلاً: أن هذا اللباس هو (الدمايـة أو الديمايـة) ونحن نعرف أن الدمايـة العربيـة الفلسـطينيـة تضرب جذورها في أعماق التاريخ العربي الكنعاني...

إنهم يُقيمون المعارض التي يعرضون فيها أزياءنا الشـعبيـة الفلسـطينيـة على أنها "أزياء شـعبيـة يهوديـة"... إنهم يبحثون عن أي شـيء يُمكن أن "يُقنعوا بـه العالم الغربي بأن هذه الأرض هي أرضهم"، ويبحثون عن كل ما من شـأنـه أن يُزيلنا عن الخارطـة ويمحو وجودنا بكل مقوماتـه...

لقد اغتصبوا تراثنا الشـعبي الفلسـطيني وادعوه لأنفسـهم... سـرقوا دبكتنا الشـعبية... اغتصبوا أزياءنا ومأكولاتنا... اغتصبوا الزنانير الفلسـطينيـة والشـالات...

وبُعيد عدوان حزيران 1967م، اسـتكمل الصهاينـة سـرقـة الأرض الفلسـطينيـة فاسـتكملوا خططهم الراميـة إلى سـرقـة تراثنا الشـعبي فلم يتركوا آنيـة فخاريـة في قريـة أو مدينـة وقعت أعينهم عليها، إلا سـرقوها كي يقوموا بعرض قسـم منها في معارض يدعون فيها أنها من الأواني الفخاريـة التاريخيـة التي تعود إلى "تاريخ يهودي قديم"، وباعوا قسـماً كبيراً من هذه الأواني الفلسـطينيـة للسـواح الغربيين كي يُسـهم هؤلاء السـواح بنشـر الأكاذيب الصهيونيـة الباطلـة في بلادهم.

إن التراث الشـعبي الفلسـطيني بكل معطياتـه وجزئياتـه وتفاصيلـه، يصل حاضرنا بماضينا الموغل في القِدم وصولاً إلى الجذور الممتدة حتى عصر أجدادنا العرب الكنعانيين، مما يُثبت أن فلسـطين عربيـة الجذور والامتداد والانتماء والتاريخ والحضارة، وبالتالي يُؤكد على الهويـة الوطنيـة للشـعب الفلسـطيني... وهذا في حد ذاتـه يُشـكل خطراً كبيراً على الوجود الصهيوني في بلادنا.

لذلك نجد الصهاينـة، ومنذ البدايات الأولى لتأسـيـس كيانهم المصطنع فوق أرض فلسـطين، يُحاولون أن يقطعوا هذا الحاضر الفلسـطيني عن ماضيـه السـحيق. وقد اعتمدوا في ذلك أسـاليب ووسـائل عديدة، من سـرقـة للتراث الشـعبي الفلسـطيني وادعاء أنـه "تراث يهودي"، إلى محاولات طمـس هذا التراث... لقد حاولوا وبشـراسـة سـحق تراثنا الشـعبي بل مقوماتـه وعناصره، لأنهم يعرفون ويُدركون تماماً مدى خطورتـه على كيانهم الدخيل...!!!

إن التراث الشـعبي الفلسـطيني يُعتبر بحق إحدى أهم الجبهات في مواجهـة الاحتلال الإحلالي الصهيوني في فلسـطين، وأحد أبرز الخنادق الأماميـة القويـة والمحصنـة في تلك المواجهـة.

إن أقوى سـلاح في تراثنا الشـعبي، بلا مبالغـة هو التطريز لا سـيما على الثوب النسـائي لأنـه يصل حاضرنا بماضينا الكنعاني البعيد، دون انقطاع... فأعمال الإبرة الفلسـطينيـة وخيوطها مسـتمرة في فلسـطين منذ أن كانت المرأة الكنعانيـة تُطرز ثوبها من آلاف السـنين فوق هذه الأرض المباركـة.

يعود ظهور أزيائنا الشـعبيـة المطرزة في فلسـطين إلى آلاف السـنين قبل الميلاد، وشـهد على ذلك مغارة "الرطبـة" شـمال غربي بحيرة "طبريـة" ومغارات "الطابون" و"السـخول" و"الوادي" و"الوعد" في منطقـة الكرمل قرب حيفا، كما ظهر ذلك في كهف داخل جبل "القفزة" جنوب مدينـة الناصرة، وفي كهف بئر السـبع وسـواها.

إن أقدم زخارفنا ونقوشـنا الكنعانيـة الموجودة على الملابـس الجلديـة، تم العثور عليها في مغارة "أم قطنـة" وفي كهوف منطقـة بئر السـبع عاصمـة الصحراء الفلسـطينيـة / النقب.

لقد كان أجدادنا العرب الكنعانيين يرتدون الملابـس المطرزة، رجالاً ونسـاءً وأطفالاً... ويبدو أن اللباس المطرز اقتصر على المرأة دون الرجل منذ بدايات الفتح الإسـلامي لفلسـطين، إلا في القليل النادر، وذلك من منطلق أن لا يتشـبـه الرجل بالمرأة.

إن من أبرز الأشـكال الكنعانيـة التي اسـتمرت على ثوب المرأة الفلسـطينيـة منذ آلاف السـنين تلك النجمـة الكنعانيـة ذات الرؤوس الثمانيـة التي تعود بجذورها إلى 4500 سـنـة قبل الميلاد، وكانت هذه النجمـة تُمثل "إلـه الخصوبـة" عند الكنعانيين، واعتبرها المهندسـون والفنانون العرب المسـلمون في فلسـطين بعد الفتح الإسـلامي، إحدى ركائز فن الزخرفـة، واسـتمرت نجمتنا الكنعانيـة الثُمانيـة في تطريز أمهاتنا وأخواتنا حتى الآن.

ولعل من أشـهر النجوم ذات الرؤوس الثمانيـة نجمـة "بيت لحم" التي يعرفها نسـاؤنا الآن باسـم "عرق القمر".

وهناك شـكل المثلث الذي يظهر في تطريز الثوب النسـائي الفلسـطيني، ويعود بجذوره إلى ما قبل 5500 سـنـة، حيث اسـتخدمـه أجدادنا الكنعانيون بكثرة، وظلَّ مسـتمراً ومتصلاً في أثوابنا دون انقطاع حتى يومنا هذا في كثير من المناطق الفلسـطينيـة، وسـيظل هكذا إلى يوم الدين!

ولا ننسـى طبعاً ثوب المرأة في مدينـة "بيت لحم" وهو ما يُعرف بـ "الثوب التلحمي" نسـبـة إلى المدينـة، لكنـه اشـتهر باسـم "ثوب الملكـة"، ويعود تاريخ ارتدائـه في بلادنا فلسـطين إلى العصر الكنعاني، لأن هذا الثوب لم يكن ليرتديـه إلا الملكات الكنعانيات حصراً، ومن هنا سـبب التسـميـة "ثوب الملكـة"!

وما من شـك في أن "الثوب الدجاني" في "بيت دجن" وغزة وعسـقلان يعود هو الآخر إلى أيام أجدادنا الكنعانيين وهو يُسـمى بـ "الدجاني" نسـبـة إلى الإلـه الكنعاني "داجون"، وكان الثوب الدجاني في الأصل الكنعاني لباسـاً يُميز كهنـة الإلـه "داجون"، ثم صار الناس يرتدونـه في بلدة "بيت دجن" ثم انتقل إلى بعض مناطق فلسـطين وقُراها.

إن تراثنا الشـعبي هو رائحـة أجدادنا العرب الكنعانيين وبصماتهم التي لا يسـتطيع الزمن محوها، ولا يسـتطيع العدو سـحقها مهما عمل وحاول! ولئن اسـتطاع العدو الصهيوني اقتلاعنا من الأرض، فلن يسـتطيع اقتلاع الأرض منا، ما دامت المرأة الفلسـطينيـة تُطرز ثوبها بإبرة تفقأ عين الغاصب المحتل!!!