:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/49

من هو راعي الجفرا ؟.. ع المجيانا

2013-03-02

من لم يعشق جفرا؟؟ سؤال ردده الشاعر الفلسطيني عزالدين مناصرة؟استيقظنا ذات يوم لنعرف بأن عشاق جفرا لا يعرفونها؟ بأنها كغيرها وقعت فريسة فخ ؟الشعار؟؟ضاعت بين أوراق السياسة

والقرارت الدولية ؟وتاهت في أروقة مجلس الأمن ؟جفرا؟إحدى الأرقام في صفحة

اللجوء القديمة؟فلم يعرفها أحد؟ومات عاشقها؟فهل نشنق أنفسنا؟؟ونشرب كأس السم العاري؟ ؟!

قصة الـ؟جفرا؟ هي حكاية من عشرات الحكايات التي صنعت وبلورت التراث الفلسطيني, والتي تركت بصمتها في الحياة الثقافية الفلسطينية. هذه القصة التي بقيت طي الكتمان منذ عشرات السنين



وقد روى "أحمد عزيز" بلهجته الفلسطينية الجميلة تجربته في وقعة "البروه" وذكرها الحاج عبدالمجيد العلي في كتابه عن قرية كويكات، يقول "أحمد عزيز" : (( شاركت في وقعة البروه سنة 1936. وكان عمري 18 سنة. كان الشيخ عارف حمدان وأبو زعرورة مطوقين في تمرة. وأجانا الخبر أنهم مطوقين.فزعنا. وصلنا إلى الليات، مرقت مصفحة، ضربنا عليها، لمصفحة أعطت خبر للطيارات في تمرة، أجوا الطيارات ورحنا انزلنا على البروه: طيارات تروح وطيارات تيجي: يرموا أزانات علينا وانحشرنا كان معي كتاب قيادي إنه لما تيجي طياره علي لازم أركي على صخرة أو زتونة أعبطها ولا أعمل ولا حركة. في وقعة البروه كنت لابس أواعي الثوار، إنأسرنا في البروه وفي البيوت هناك كانوا يعلقوا على الحيطان أطباق قش، قمت شلحت الأواعي وخبيتها تحت أطباق القش إللي على الحيط. ولمن دخل الإنجليز ما شافوا علي لبس الثوار. أهل البيت كانوا جابوا لي منديل حرير وفستان حرير ولبستها وقعدت بين البنات)).

ويبدو أن الإنجليز سرعان ما كشفوا أمره، يكمل راعي الجفرا : (( أخذونا الإنجليز في السيارة وكان في السيارة وجوه طمره وكانت القيادة عندهم : الشيخ عارف، أبوعلي زعرورة، صالح سليمان، عبدالسلام الحاج، أنزلونا في حيفا وبعدين في عكا. قال المحامي إنه كان ضايع لي جمل ورحت أدور عليه، حكموني 3 أشهر وكل ما تخلص يمددوها.ظليت سنة في المعتقل (منع جرايم) وبعدين طلعت وحملت البارودة، وكان أبو محمود من صفوريه والشيخ سلمان أبوعلي وأبوعلي النجار)).

بعد انتهاء الإنتداب البريطاني وخروج قواته بدأت القوات الصهيونية بالاعتداء على المدن والقرى العربية. وكان رجال القرية يقومون بالحراسة بما لديهم من بنادق وعددها حوالي 50 بندقية ،ورشاش (برنغن) واحد. وقد نقم الجيش الصهيوني على أهل القرية بسبب مشاركتهم بمعركة الكابري عام 1947، وقامت قوة منه بأول هجوم على القرية في ليلة 19 كانون الثاني 1948 فصدهم الأهالي ، وليلة 7 شباط قاموا بهجوم آخر وصدهم أهل القرية مرة أخرى. ولم يصب أي من أهل القرية بأذى، ولم يقم الجيش الصهيوني بأي اعتداء بعد ذلك.

وقبل الهجوم الأخير، جرت عدة اتصالات غير مباشرة من قبل الصهاينة بوجود وجهاء وكبار القرية، يدعونهم إلى البقاء فيها والعيش بأمان. رفض أهالي القرية هذا العرض، وقرروا الدفاع عنها والمقاومة، على أمل أن تنجدهم الجيوش العربية. وبدأت قرى تتساقط وحدة تلو الأخرى في معارك طاحنة ،غير متكافئة. وارتكب الجيش الصهيوني مجازر في المناطق التي احتلوها، وقد تردد بين القرى روايات الناجين بأن القوات الصهيونية بقروا بطون النساء الحوامل ومزقوا الأطفال أمام أمهاتهم.

كانت قرية كويكات وأهلها على موعد مع الموت في ليلة الحادي عشر من شهر يناير عام 1948، والذي صادف أول يوم من شهر رمضان. قامت الكتائب الصهيونية "شيفا" و "كرميلي" بالهجوم على القرية في عملية "ديكيل". وقد دمرت هذه المنظمات الصهيونية المسلحة القرية وشردت أهلها.وفر معظم أهالي هذه القرية مذعورين باتجاه الأراضي اللبنانية. وقد نجحت الجفرا وعائلتها وابن عمها "أحمد عزيز" من الفرار من موت مؤكد، وبدأت بذلك أولى فصول النكبة، والتي لم يتصور أهلها الذين أخبروا بأنهم سيبتعدون لمدة 10 أيام فقط، بأنها ستسمر لـ60 سنة قادمة!

بعد رحلة طويلة وشاقة، وصل معظم لاجئي قرية كويكات إلى بيروت حيث أقاموا في برج البراجنة، ومنهم من لجأؤوا إلى مخيمات أخرى كالراشدية وعين الحلوة ...

وتقول الحاجة (هـ.ح) : (( قالوا لنا أن نخرج من القرية لمدة 10 أيام، وقد صدق الناس هذا الكلام وظنوا أنهم سيرجعون. وشيئا فشيئا مرت الأيام وبدأت الأمم المتحدة بتوزيع أماكن للسكن وكانت ضيقة)).

وقد لجأت الجفرا وعائلتها إلى مخيم برج البراجنة والذي أنشئ في عام 1948، على مساحة 104 دونم، ويقع على الطريق الرئيس المؤدي لمطار بيروت. وعاش أهل المخيم ولا زالوا ظروف معيشية صعبة للغاية في مساحة 500 متر طولا و400 عرضا. ويبلغ عدد اللاجئين فيها اليوم ما يقارب الـ20405 لاجئ.

راعي الجفرا

أما "أحمد عزيز" فقد فرقت النكبة بينه وبين الجفرا إذ لجأ إلى مخيم الراشيدية كما تروي لنا الحاجة، بينما قالت روايات أخرة بأنه لجأ إلى مخيم عين الحلوة. وكان الشاعر المناصرة قد التقى بالشاعر "أحمد عزيز" وكنيته "أبو علي" في مخيم عين الحلوة في أواخر شهر شباط عام 1982.

وعن لقائه بالشاعر "أحمد عزيز"، يقول الشاعر المناصرة في كتابه "الجفرا والمحاورات" : (( لقد التقيت أحمد عزيز علي حسن من أهالي كويكات، في مخيم عين الحلوة، وهو من مواليد 1915 تقريباً، وفق "وثيقة اللاجئين الفلسطينيين" التي تصدرها الحكومة اللبنانية، وأجريت معه مقابلات شخصية، في أواخر شباط(فبراير) عام 1982. على شريطين ..... وأحمد عزيز (كما رأيته) إنسان هادئ ووقور وعلى وجهه مسحة من الأسى والغموض. وخلال الحوار استمر يجيب على الأسئلة دون أن يقاطعنا إلا مرة واحدة للصلاة، وقد غنى معظم النصوص، وهو يمتلك صوتاً حنوناً وجميلاً رغم هذا السن((.

وعن كتاب "الجفرا" الذي ألفه يقول "أحمد عزيز" : ((أنا أول واحد ألف كتاب عن الجفرا، طلبوني لإذاعة القدس سنة 1944، عشان أغني، كنت أعرف فخري بن عارف يونس الحسيني من أيام وقعة البروة سنة 1936، وكان عمري 18 سنة، ذهبت عند فخري فأوصلني للإذاعة وهناك التقيت يحيى السعودي. فقال لي إنه سيدفع لي 4 ليرات فلسطيني عن كل ربع ساعة أغنيها في الإذاعة. فقلت له إنني أستطيع أن أغني من أول الجمعة إلى آخر الجمعة، فقال لي: سنعطيك ربع ساعة فقط لكل أسبوع، لأن هناك مغنيين آخرين سيغنون أيضاً كل أسبوع))

((أول ما طلّعت الجفرا كان عمري 25 سنة، بعدين طبعت كتاب الجفرا في مطبعة نعيم فرح في حيفا، وبعدين انطبع في عكا عند أولاد البياع، طبعة عكا كانت صورتي على الجلدة.. أنا انشهرت قبل الإذاعة))

وتاريخ الكتاب يعود إلى ما بين 1940-1941، ونقل عزالدين المناصرة في كتابه (الجفرا والمحاورات) عن الشاعر الفلسطيني سعود الأسدي الذي يعيش في الناصرة: ((...لم أعثر خلال تنقيبي عن كتب الشعر الشعبي عندنا إلا على كتاب لأحمد حسن عبد العزيز من كويكات قضاء عكا، والنسخة بدون تاريخ، وقد طبعت في عكا، إلا أن فترتها تخميناً قد تعود إلى أواخر الثلاثينات)).

وبعد احتلال جزء من الأرض اللبنانية في الجنوب والبقاع، وانطلاق المقاومة اللبنانبة ضد الاحتلال الصهيوني كان لراعي الجفرا عدة أغنيات، وقد اخترنا مطلعا منها نقتبسها مما أورده الحاج عبدالمجيد العلي :

جفرتنا يــالهربـــع نزلت عالمديـنة

صارت تغني وتــقول يحيا الفلسطـيني

تحيا يا إبــن لـبـنان يا ذراعي اليمين

يا شريكي بدرب التحرير ضد الصـهيونية

هات سلاحك والحــقني فردك والســكين

تانزل عافلسـطـــين نعمل عمـــلية

وناخذ معنا الـــقنابل شغل بلاد الصين

ونهجم عاموشي داـيان هجمة عربــية


وقبل أن يبدأ بالعتابا يغني كسرة ميجانا:

ناوي بأرض الخصم يا صاحب أمر

وأسقي لاخصم كاسات من علقم أمر

لمن فدائيينا بتتلقى أمر

بينفذوا ولو كان في آخر دنا

اللازمة : أهلا وسهلا شرفونا احبابنا

أراضي بلادنا لازم أمرها وأسقي الخصم كاسا ما أمرها

فدائينا إذا القائد أمرهــا بتهجم عالخصم هجمة ذياب

ومن المفارقات أن اسم "أبو علي الجفرا" غلب على اسم "أحمد عزيز" بعد فترة ، حتى عرفت زوجته "خديجة الخالد" بـ"أم علي جفرا" مع أنها ليست هي الجفرا!

وقد توفي راعي الجفرا "أحمد عزيز" كما أفادنا الكاتب والصحفي الفلسطيني "ياسر علي" في عام 1987 في منطقة الناعمة، في أثناء حرب "مغدوشة" ،عندما انتقلت حرب المخيامات إلى عين الحلوة، بعد عمر من النضال والإبداع والصبر.

أين هي الجفرا اليوم...؟ وما هي المساعي التي يبذلها المثقفون الفلسطينيون لحفظ هذا التراث... ومناقشة لتأثير هذه الشخصية في التراث الشعبي الفلسطيني وثقافته....

تجميع المادة: عيشة صالح