قضية نقل السفارة الاميركية الى القدس، وانسحاب اميركا من بروتوكول اتفاقية فيينا
تقدمت الحكومة الفلسطينية بشكوى الى محكمة العدل الدولية في 28 ايلول 2018 ضد الولايات المتحدة الاميركية لنقل سفارتها الى القدس، وذلك بعد ان انضمت فلسطين الى اتفاقية فيينا في 2 نيسان 2014 والبروتوكول الاختياري في 22 آذار 2018 وبناء على البروتوكول الاختياري لاتفاقية فيينا في المادة الاولى منها التي تنص على الزامية تسوية المنازعات وذلك عن طريق محكمة العدل الدولية، تقدمت فلسطين بهذه الشكوى.
على اثر هذه الشكوى، انسحبت الولايات المتحدة الاميركية من البروتوكول الاختياري لاتفاقية فيينا مع البقاء في اتفاقية فيينا، في 3 تشرين الاول 2018 اي بعد الشكوى المقدمة ضدها بخمسة ايام، وقد اعلن مستشار الامن القومي جو بولتن ان الانسحاب من هذه الاتفاقية هو لمنع الفلسطينيين من مقاضاة الحكومة الاميركية امام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
واستخداما للحجة ذاتها التي قدمتها دولة الاحتلال الاسرائيلية ان فلسطين ليست دولة لتقدم ادعاء في المحكمة الجنائية الدولية، استخدمت الولايات المتحدة الاميركية الحجة ذاتها في محكمة العدل الدولية للافلات من مقاضاة الحكومة الاميركية.
وفي مسألة اذا كانت فلسطين دولة ام لا، فهناك نظريتان، الاولى وهي النظرية الكاشفة التي اعدتها اتفاقية مونتيفيديو، والتي تعتبر ان الكيان يصبح دولة عندما تتوافر فيه 3 شروط وهي الارض والشعب والسيادة، اما النظرية المنشئة فقد اضافت لهذه الشروط شرط رابع وهو الاعتراف.
لقد اعترفت 137 دولة بفلسطين خلافا للولايات المتحدة الاميركية و 56 دولة اخرى، وقد تم قبولها كدولة غير كاملة العضوية في الجمعية العامة للامم المتحدة، ولكن هل الدولة غير كاملة العضوية ليست دولة؟ بالطبع لا، وابرز دليل على ذلك سويسرا التي كانت دولة غير كاملة العضوية والتي حصلت فيها اهم الاتفاقيات الدولية والتي تشكل عرفا دوليا كاتفاقيات جنيف، وكانت تعترف بها جميع الدول، وذلك لانها كانت تفضل ان تبقى محايدة، وبعد الاستفتاء الذي حصل بسويسرا، اصبحت دولة كاملة العضوية عام 2002، رغم ذلك كانت تعامل كدولة من جميع الاطراف، وكذلك ينبغي ان تكون حالة فلسطين.
فالشروط الاربعة تتوافر في فلسطين اذا اردنا تطبيق النظريتين، فالارض والشعب يتوافران، اما مسألة السيادة فنجيب كما اجابت المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية ان فلسطين بعد الخلافة العثمانية كان لها سيادة، علقت سيادتها على مر الزمن ولم تلغ، ومازالت معلقة بفعل تقصير المجتمع الدولي، اما من ناحية الاعتراف فهناك 137 دولة تعترف بها، وهذا كاف لتكون دولة.
ومن هنا، ليس لكل دولة الحق في تحديد عاصمتها ولا حتى التشريعات والقوانين، فلا يمكن احترامها او الاعتراف بها الا اذا كانت مبنية على القانون الدولي، وبناء على المادة 27 من اتفاقية فيينا لا يحق لدولة ان تتذرع بقانون داخلي كي تبرر اخلالها بالالتزام الدولي، وكذلك في المادة 1 من اتفاقية لاهاي عام 1930، ولما اصدرت اسرائيل في 30/7/1980 القانون الاساس واعتبرت ان القدس عاصمة لها لم تنقل اي دولة سفارتها من تل ابيب الى القدس، تنفيذا لقرار مجلس الامن 478.
هناك اعتراف اميركي طبقا للقانون الدولي ان القدس الشرقية هي ارض محتلة، بناء على قرار الجمعية العامة 23/69 في 25/11/2014، وقرار مجلس الامن 2334 في 23/12/2016.
في القانون الدولي، المسؤؤولية الدولية بالمادة 16 تنص على ان تكون الدولة التي تعاون او تساعد دولة اخرى على ارتكاب فعل غير مشروع دوليا من جانب الاخيرة مسؤولة عن ذلك دوليا اذا كانت تعلم بالظروف المحيطة بالفعل غير المشروع واذا كان الفعل غير المشروع دوليا لو ارتكبته تلك الدولة.
اما في اعلان مبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقا لميثاق الامم المتحدة في 24/10/1970، ان اكتساب اراض نتيجة للتهديد او لاستخدام القوة لا يمكن الاعتراف بها قانونيا.
ان هذه القضية قضية الزامية للولايات المتحدة الاميركية وليست استشارية كقضية الجدار الفصل العنصري في محكمة العدل الدولية، وان انسحبت من البروتوكول الاختياري لاتفاقية فيينا، الا انها كانت موقعة عليه اثناء انتهاك القانون الدولي، ويجب ان تقاضى امام محكمة العدل الدولية، خصوصا ان انتهاكها لم يكن للبروتوكول الاختياري لاتفاقية فيينا بل للعديد من القوانين الدولية كإعلان مبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية والتعاون بين الدول الذي اعدته محكمة العدل الدولية عرفا دوليا.
ان انسحاب الولايات المتحدة الاميركية دليل على ارباكها امام المجتمع الدولي، ودليل على انتهاكها الواضح للقانون الدولي، وهذا الامر يجب ان يتم الاضاءة عليه،وما يدل على ذلك انها لم تقم باحترام محكمة العدل الدولية عندما طلبت منها تقديم مذكرتها في 15 تشرين الاول 2019، فلم تقدمها بينما قدمتها الحكومة الفلسطينية منفردة. ومن هنا يجب على الدولة الفلسطينية عدم الانسحاب من هذه الشكوى، لانها اذا انسحبت منها لا تستطيع ان تقدم اي شكوى اخرى في محكمة العدل الدولية.