:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/52193

وعد بلفور في القانون الدولي

2020-12-09

1. انتهاك بريطانيا للقانون الدولي

تعد اتفاقية سايكس بيكو اتفاقية دولية باطلة كونها تخالف القانون الدولي في حق الشعوب بتقرير مصيرها استنادا لما نصت عليه المادة 53 من اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية وكما نص الاعلان العالمي لحقوق الانسان بالاضافة للعديد من قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة 637/7 في 16/12/1951، وكذلك مقدمة الفصل الاول من ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية الصادر بقرار من الجمعية العامة للامم المتحدة بتاريخ 12/12/1974.

وقد اصدرت الجمعية العامة قرار رقم 1514/15 في 14/12/1961 الذي تضمن اعلان منح الاستقلال للشعوب والبلدان التي تحت الاستعمار، كون هذا الحق على التماس مباشر مع الحقوق الاخرى عند الشعوب، فإذا انتهك حق تقرير المصير لا يمكن ممارسة اي حق في ممتلكاته سواء كانت خاصة او عامة، ولا يمكن لهذا الشعب ممارسة اي حق من حقوقه الطبيعية، وهذا ما يعد انتهاكا كاملا لكافة حقوق الانسان.

وبذلك تكون قد خالفت بريطانيا قواعد القانون الدولي بعقد اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور كميثاق الامم المتحدة واتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية وبما ان اتفاقية سايكس بيكو هي اتفاقية سرية ومازال اثرها الى اليوم ومازالت الشعوب العربية تكتوي بنار التجزئة فهي تسري عليها المعاهدات والاتفاقيات المذكورة وان ورد بعضها بعد الانتداب.

فقد قامت بريطانيا بتقسيم فلسطين الى 13 لواء على خلاف ما كان في الدولة العثمانية، ويشكل هذا الفعل خرقا لاتفاقية لاهاي 1907، التي نظمت القواعد التي تحكم سلوك الاحتلال في ادارة اقليم محتل، وتقضي هذه الاتفاقية على ان دولة الاحتلال يجب ان تعين ادارة عسكرية لتقوم بإدارة الاقليم وفق الوضعية التي كانت قبل الاحتلال.

وفي 1/11/1918 اصدرت الحكومة البريطانية قانونا يخول الادارة العسكرية حق التصرف في الاموال غير المنقولة في القدس سواء بالبيع او بالرهن، وفي 18/11/1998 صدر منشور بشأن المعاملات للاراضي مع الابقاء على القوانين العثمانية التي تساعد استيلاء على الاراضي الفلسطينية بما يخالف المادة 17 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان واي تصرف يؤدي الى عدم احترام الملكية يعد مخالفا للمادة 55 من اتفاقية لاهاي 1907، والمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على عدم جواز الاستيلاء على اموال السكان المدنيين او التعرض لاملاكهم بطريقة غير مشروعة بعد ان ذكرت في فقرتها الثانية عن حظر سلب الاراضي.

وبما ان فلسطين بين عام 1917 و1922 كانت تخضع لسلطة الاحتلال البريطاني فتنطبق عليها قواعد اتفاقية لاهاي 1899 و1907 واللوائح المنظمة لها.

تجاوزت سلطات الاحتلال البريطانية الصلاحيات التي منحها اياها الاحتلال الحربي وتدخلت في مرافق الحياة اليومية للمواطنين، وكان تصرفها كتصرف صاحب السيادة حيث تجاوزت حدودها في مجال الادارة والتشريع استنادا للمادة 56 من لائحة لاهاي كون جرائم التدمير والتحقير المتعمد بالنسبة للمتلكات هي جرائم ممنوعة ويجب ملاحقتها، والملاحقة تعني اعادة هذه الممتلكات والتعويض عنها، وقد نصت المادة 3 من اتفاقية لاهاي الرابعة عام 1907 على هذه المسؤوليات، اذ قررت ان مخالفة نصوص لائحة لاهاي الملحقة بالاتفاقية يترتب عليها دفع التعويض حيث يجب تشكيل لجنة دولية لحصر هذه الخسائر والاضرار التي قامت بها بريطانيا خلال فترة الاحتلال وتقدير التعويضات اللازمة.

قام نظام الانتداب على المادة 22 من ميثاق عصبة الامم، وهو ما يعد من قواعد القانون الدولي المكتوبة التي تنظم صك الانتداب، وبالتالي وفر القانون الدولي حقوقا للدولة المنتدبة وترتب على المجتمع الدولي توفيرها ويعد انتهاكها امرا مرفوضا.

فقد اصدرت محكمة العدل الدولية قرارا استشاريا يرفض ضم الاقاليم الموضوعة تحت الاحتلال الى سلطة الانتداب في جنوب افريقيا عام 1950، كون المادة 22 من عصبة الامم اعتبرت الانتداب وسيلة لتمكين الشعوب لممارسة سيادتها بنفسها، وليس احتلالها ومصادرة حق تقرير مصيرها، بل ان مسؤولية الدولة المنتدبة ان تضمن عدم التمييز بين رعايا اية دولة من الدول الداخلة عصبة الامم ورعايا الدول المنتدبة في الامور المتعلقة بالضرائب والتجارة والوظائف كما نصت المادة 18 من صك الانتداب.

وهذا ما انتهكته بريطانيا على ارض الواقع حيث كان التمييز واضحا بين ابناء الشعب الفلسطيني ومن هم قادمون من الخارج كما ورد في جريدة فلسطين 01/04/1927 تحت عنوان الوظائف والموظفين: لقد ازداد عدد الموظفين الغرباء عن فلسطين حتى اصبح متساويا لابنائها ويتولون الوظائف الكبرى.

تشير المادة 15 من صك الانتداب مسؤولية بريطانيا كدولة منتدبة على المحافظة على الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بغض النظر عن الجنس او الدين، فإقامة وطن قوم لليهود يتناقض مع مبدأ المساواة بين جميع سكان فلسطين لانه يعني تخصيص فئة دينيةعن الفئة الاخرى بامتيازات دون غيرها وحرمان الفئة الاخرى من حقوقهم الطبيعية.

لقد انهت بريطانيا انتدابها على فلسطين بشكل مفاجئ للعرب ولاعضاء المجتمع الدولي في 26 ايلول 1947، دون تحقيق الهدف الذي رسمته لها المادة 22 من ميثاق عصبة الامم. وتخليها عن انتدابها بهذه الطريقة امر يضيف على عدم المشروعية القانونية طبقا للقانون الدولي للاسباب التالية:

1- لم تأخذ بريطانيا الموافقة من المجتمع الدولي المتمثل بهيئة الامم المتحدة التي حلت محل عصبة الامم والتي اشترطت على نظام الانتداب موافقتها قبل اي تعديل يحصل.

2- اخلال بريطانيا بالتزاماتها الدولية المقررة في صك الانتداب لصالح العرب، فلم تنشئ بريطانيا حكومة وطنية تتولى ادارة فلسطين من اجل الوصول لمرحلة الحكم الذاتي والوصول الى الاستقلال.

3- تسليم بريطانيا للحركة الصهيونية مخالف لصك الانتداب بعدما تعمدت منح الاستقلال وتحرير بلادهم.

4- ان تخلي بريطانيا عن انتدابها لفلسطين وتمكين اليهود منها هو خرق لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها حيث كانم يتوجب على الانتداب البريطاني ان يمكن الشعب الفلسطيني ليصل للاستقلال وليس للقرار 181 لسنة 1947.

2. انتهاك بريطانيا لحقوق الشعب الفلسطيني

لم يتعرض ميثاق عصبة الامم في المادة 22 الى صاحب الحق في السيادة خلال فترة الانتداب رغم اختلاف الفقهاء القانونيين الدوليين، فقد كان الرأي الراجح للفقهاء القانونيين هو الاحتفاظ بالسيادة للشعوب تحت الانتداب ولا يجوز نقل السيادة للدولة صاحبة الانتداب او الى عصبة الامم وهو ما كان رأي فان ريس(فقيه قانوني).

ان مهام دولة الانتداب هو تحقيق الاستقلال للاقاليم تحت الانتداب وهو محكم بمبدأين عدم ضم الاقاليم ومبدأ رفاهية الشعوب كأمانة مقدسة في عنق الشعوب المتقدمة بإشراف دولي لتحقيق الاستقلال.

وهذا ما اكدته محكمة العدل العليا في الانتداب على جنوب افريقيا برأيها الاستشاري الصادر في 11/01/1950، وقد اشار الفقيه القانوني رايت ان السيادة على الارض تحت الانتداب تقود للسكان الاصليين، ومن هنا مجرد انفصال فلسطين عن الدولة العثمانية اصبحت دولة مستقلة وعلى دولة الانتداب تأهيلها، لكن بريطانيا لم تحرم الشعب الفلسطيني من السيادة فقط بل من ممارسته ايضا كون الاستقلال والسيادة مترادفين في القانون الدولي.

ان السيادة تعني للشعب المنتدب التمتع باستقلاله كما نصت المادة 3 من صك الانتداب، وكما نصت التقارير العديدة الصادرة في هذا الشأن والمرسلة الى الحكومة البريطانية التي تؤكد على ضرورة توسيع الدوائر الاستقلالية استنادا الى نص المادة 3 من صك الانتداب، لكن بريطانيا لم تعط اهمية لهذه التقارير بل كان تركيزها على تطبيق الشق الخاص بإقامة الوطن القومي لليهود.

من حق الشعب الخاضع تحت الانتداب ان يتمتع بحكم ذاتي الى حين وصوله لمرحلة يستطيع فيها تقرير مصيره مع المحافظة على حقوق السكان المدنية والدينية كما جاء في المادة 2 من صك الانتداب، بما يتناقض ذلك مع المساواة بين جميع السكان ما اقدمت به بريطانيا من ناحية اعطاء وطن قومي لليهود وتعيين كبار الموظفين اليهود والبريطانيين الذي يعد انتهاكا للمادة 11 من صك الانتداب.

ففي عام 1929 انشأت بريطانيا دستورا لفلسطين وعرض على عصبة الامم، واصبح ساري المفعول في العام نفسه، لكن جاء الدستور مثبتا لما جاء في وعد بلفور وصك الانتداب، وقد استمر العمل به لعام 1933، بهدف تحويل المزيد من الاراضي الاميرية الى اراض حكومية، وقد صدر هذا الدستور اثناء المسح الطبوغرافي الذي تم على اساس قانون 1918 لتسهيل عملية الاستعمار الصهيوني.

اصدر هربت صموئيل اول مندوب سام لفلسطين قانون الاراضي رقم 39 تحت اشراف يهودي يدعى تورمان تيتوتشن، وكان هذا القانون يشرف على مراقبة المعاملات بخصوص الاراضي وكيفية التصرف بها، وتشير المادة 6 من هذا القانون ان من يريد شراء الارض يجب ان تكون لاغراض زراعية ويجب ان لا تزيد عن 2300 دونم، اما المادة 2 فإنها تعطي للمندوب السامي سلطات استثنائية في السماح بعملية انتقال ملكية الاراضي بما لا يتوافق مع المادة 6.

وفي 11/10/1920، اصدر صموئيل قانون الاراضي المحلولة اي منع اي شخص وضع يده على اي ارض قبل صدور هذا القانون، وفي 1926 اصدرت حكومة الانتداب مرسوم نزع ملكية الاراضي ويحمل رقم 28 بغرض بيع الاراضي او الاستيلاء عليها من قبل الصهاينة حيث تم استيلاء معظم الاراضي بهذه الطريقة.

لم تكتف حكومة الانتداب بقانون نزع الملكية عام 1926 بل اصدرت بتاريخ 30/05/1928 قانون تسوية حقوق ملكية الاراضي بعد ان كان رسوم التسجيل 5% من حق الاراض والذي يفوق قيمة دخل الفلاح بعدما فرضت عليه الضرائب من قبل البنك الزراعي وتراكمت ديونه بينما شراء الارض تم بأبخس الاثمان وهو قرشين للدونم الواحد.

وفي عام 1928 فرضت مجموعة من الضرائب على الاراضي والمنتجات الزراعية والمواشي وحجز ما يملكه الفلاح لعدم استيفاء هذه الضرائب، فإن اصدار بريطانيا لهذه القوانين تسهل انتقال ملكية الاراضي لليهود لكن تخالف نص المادة 11 من صك الانتداب كما انها تعد اعتداء على كرامة الانسان بشكل يتنافى مع كافة المواثيق والاعراف الدولية كما نصت المادة 17 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتخالف المادتين 46 و48 من اتفاقية لاهاي.

وفي عام 1925 اصدرت الحكومة البريطانية مرسوم التجنيس واشترط هذا المرسوم للحصول على الجنسية الفلسطينية ان يكون الشخص مقيم في فلسطين وان يكون حاملا لبطاقات التعريف العثمانية كونهم كانوا رعايا للدولة العثمانية، وهنا تمتع الشعب الفلسطيني بجنسيته بفترة ما بين معاهدة لوزان واصدار هذا المرسوم، وفي 25 آب 1925 اصبح جميع الشعب الفلسطيني بشتى اعراقهم ودياناتهم يعرفون بالشعب الفلسطيني، لكن اعطى هذا المرسوم لكل يهودي حق اكتساب الجنسية الفلسطينية لقاء شروط بسيطة وسهلة، وهي ان يكون اليهودي في فلسطين لمدة سنتين متتاليتين واذا اقل يدفع مبلغ مالي وهو 10 قروش للحصول على الجنسية، بينما الفلسطيني الذي هو في الخارج كان يجب عليه ان يرجع الى فلسطين ويمضي سنتين متتاليتين واغلب الفلسطينيين المهاجرين لم يعلموا بهذا المرسوم فحرموا من هذا الحق وصودرت اراضيهم وهذا ما يعد مخالفا للمادة 34 من معاهدة لوزان التي كانت بريطانيا احد اطرافها والمادة 45 من اتفاقية لاهاي 1907.

خاتمة:

وبناء على ما تم ذكره اعلاه:

عند إطلاق الوعد بناء على مبدأ المفعول الزمني للقانون Tempus Regit Factum الذي كرّس في قانون المعاهدات (اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 23 أيار 1969) الذي نص في المادة 28 على أنّه:

"ما لم يظهر من المعاهدة قصد مغاير أو يثبت خلاف ذلك بطريقة أخرى، لا تلزم نصوص المعاهدة طرفاً فيها بشأن أي تصرف أو واقعة تمت أو أية حالة انتهى وجودها قبل تاريخ دخول المعاهدة حيز التنفيذ بالنسبة لذلك الطرف".

لكن هل يحق لدولة كانت تحت الانتداب أن تداعي بعد أن تحررت؟

هذا ما أجابت عليه محكمة العدل الدولية بالإيجاب في قرارها في قضية استراليا وناورو

حيث ورد ردّاً على ادّعاء أستراليا:

22- استنادا إلى الدفع الثالث الذي أدلت به أستراليا، فإن ادعاء ناورو "غير مقبول على أساس أنه منذ أن أنهت الأمم المتحدة الوصاية، لا يمكن للمحكمة أن تسمع ادعاءات بحدوث انتهاكات اتفاق الوصاية ".

30- عندما رفعت الجمعية العامة، بناء على توصية مجلس الوصاية، الوصاية على ناورو بالاتفاق مع السلطة القائمة بالإدارة، كان من المعروف جيدا أن الاختلافات في الرأي لا تزال قائمة بين مجلس الحكم المحلي في ناورو، والسلطة القائمة بالإدارة حول إعادة تأهيل أراضي الفوسفات التي كانت تستثمر قبل 1 تموز / يوليه 1967. ولذلك، وعلى الرغم من أن قرار الجمعية العامة 2347 (د -22) لم يحفظ صراحة الحقوق التي قد تكون لدى ناورو في هذا الصدد، فإنه لا يمكن للمحكمة أن تعدّ ذلك القرار بمثابة إبراء quitus للسلطة القائمة بالإدارة فيما يتعلق بهذه الحقوق. وترى المحكمة أن الحقوق التي قد تكون لناورو فيما يتعلق باستصلاح الأراضي ظلت سليمة. ونظرا للظروف الخاصة للقضية، يجب بالتالي رفض الدفع الثالث الذي أدلت به أستراليا.

من هنا كان لا بد من العودة إلى سنة 1915، تاريخ مراسلات مكماهون-حسين

بناءً على حالة القانون في ذلك الوقت، فقد ارتكبت عصبة الأمم مخالفة أساسية القانون الدولي، كما ارتكب السيد بلفور والحكومة البريطانيةعدداً من الخروق لهذا القانون:

مخالفة عصبة الأمم

هذه المخالفة تجعل انتداب بريطانيا على فلسطين باطلاً، وهي تتمثل بتجاوز العصبة صك الانتداب نفسه. فقد جاء في المادة 22 § 3: "أنه "يجب أن يكون لرغبات هذه الشعوب (التي كانت تحت حكم السلطنة العثمانية) المقام الأول في اختيار الدولة المنتدبة"

وقد رأينا أن سكان فلسطين رفضوا الانتداب البريطاني، ومع ذلك فقد فرض عليهم بالقوة.

أما السيد بلفور والحكومة البريطانية فقد ارتكباعدداً من الجرائم الدولية الكبرى في فلسطين بطريقة مباشرة، كما تسبّبا بعدد من الجرائم الأخرى في فلسطين ومحيطها،

I- الارتكابات المباشرة

تتمثل الارتكابات المباشرة بما يأتي:

1. وهب أرضاً لا يملكها إلى من ليس له أي صلة قانونية بها.

2. عدم احترام مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين" Pacta Sunt Servenda تجاه العرب وفلسطين

3. عدم احترام قوانين الاحتلال الحربي في اتفاقية لاهاي لسنة 1907

4. خرق ميثاق عصبة الأمم.

أولاً: وهب أرض من قبل من لا يملكها لمن لا حقوق لها فيها

فقد بينا أعلاه أنه ليس لليهود من غير السكان الأصليين في فلسطين أي حقوق تاريخية في فلسطين. ثم أن البريطانيين لا يملكون الحق في وهب أي قطعة من فلسطين لأي كان، بل عليهم فقط، كما سنرى، بناء على اتفاقية لاهاي لسنة 1907 أن يحافظوا عليها لصالح سكانها.

ثانياً عدم الالتزام بالعهود والتنفيذ بحسن النية

تبين لنا أن بريطانيا حنثت بوعودها للعرب خاصة في قضية فلسطين، فبعد أن تعهدت للشريف حسين باستقلال بعض البلاد العربية ومن ضمنها فلسطين، عادت واتفقت مع فرنسا على اقتسام المشرق العربي، بحيث كانت فلسطين من حصتها. ثم أعطت وعد بلفور الذي ستترجمه بمنح أرض من فلسطين لليهود الصهاينة ليقيموا دولة التي شغلت في الأساس 78% من مساحة فلسطين التاريخية، ثم توسعت باختلال كامل فلسطين، علماً أن تنفيذ العهود المعطاة مبدأ أخلاقي وقانوني متفق عليه منذ أقدم العصور، فلا يجوز أن يعطى كلام من طرف إلى طرف آخر ثم يتنكر معطي الكلام لكلامه، كما أنه لا يجوز أن يفسر أي طرف كلامه بما يخرجه عن روح الموضوع ومقاصده بل الواجب التنفيذ والتفسير بحسن النية. وهذا أمر لا يخالف فيه أحد، وقد كرس من ضمن ما كرس به أحكام وقرارات ومنها قرار لمحكمة التحكيم الدولي سنة 1910 سبق كل الوعود البريطانية وقضى بما يأتي:

§ ج-هناك "مبدأ في القانون الدولي يقضي بأنه يجب أن تنفذ الالتزامات التعاقدية بحسن نية كاملة، وبالتالي باستبعاد الحق الإرادي بالتشريع بشأن موضوع معاهدة ما، وبالحد من ممارسة الدول سيادتها بواسطة هذه المعاهدة تجاه هذا الموضوع، في الأعمال المتفقة مع المعاهدة.

§ ه- أن " مبدأ القانون الدولي العام ... يقضي بأنه يجب أن تنفذ الالتزامات الاتفاقية بحسن نية كاملة... وأنه "يتحصل من المعاهدة التزام يقيّد بموجبه حق بريطانيا العظمى في ممارسة سيادتها بوضع التنظيمات المقررة وذلك بحسن نية ودون خرق للمعاهدة".

ثالثاً: خرق واجبات القائم بالاحتلال الحربي في البلد المحتل:

الإتفاقية الخاصة بقوانين وأعراف الحرب االبرية والملحق بها: الأنظمة الخاصة بقوانبن واعراف الحرب البرية. لاهاي 18 تشرين الأول/أكتوبر 1907

م 55: لا تعد الدولة القائمة بالاحتلال نفسها إلاّ مديراً administrateur ومنتفعاً من الأبنية العامّة والأموال غير المنقولة والغابات والاستثمارات الزراعية التابعة للدولة العدوة والموجودة في البلد المحتلّ. وعليها أن تحافظ على أرض هذه الممتلكات وتديرها وفقاً لقواعد الانتفاع.

كما على الدولة القائهة بالاحتلال حماية السكان المدنيين أنفسهم وممتلكاتهم. وهذا ما كان يؤكّده الفقه الدولي منذ ما قبل انتداب بريطانيا على فلسطين، إذ ورد في كتاب

WESTLAKE، J. Chapters on the Principles of International Law”" أنه:

"وفقا للإجراءات المشدّدة التي يجري اتخاذها لمنعهم (السكان المسالمين) من مساعدة العدو، يحق لسكان المنطقة المغزوة الحصول على الحماية من أجل حياتهم وشرفهم وحقوقهم الأسرية والدينية ؛ وأيضا من أجل حريتهم...

وفيما يتعلق بممتلكات الأشخاص المسالمين ، يحق لهم التمتع بالحصانة من السلب والنهب. "

رابعاً: خرق ميثاق عصبة الأمم حيث يرد:

المقدمة :

يهم الأطراف السامية المتعاقدة أن

تقيم علاقات دولية علنية على أساس العدل والشرف،

تتقيد بصرامة بأحكام القانون الدولي، المعترف بها الآن كقاعدة للسلوك الفعلي من جانب الحكومات،

تنشر العدالة والاحترام الدقيق لجميع موجباتات المعاهدات في العلاقات المتبادلة بين الشعوب المنظمة،

المادة 22-

1 - تنطبق المبادئ التالية على المستعمرات والأقاليم التي لم تعد، نتيجة للحرب، تحت سيادة الدول التي كانت تحكمها سابقا والتي تسكنها شعوب لا تتمكن بعد من قيادة نفسها في الظروف الصعبة للغاية في العالم الحديث. إن رفاهية هذه الشعوب وتنميتها تشكلان مهمة مقدسة للحضارة، ومن الضروري أن تدرج في هذا الميثاق ضمانات لإنجاز هذه المهمة.

4 - وقد حققت بعض المجتمعات التي كانت تنتمي سابقا إلى الإمبراطورية العثمانية قدرا من النمو بحيث يمكن الاعتراف بوجودها كدول مستقلة بصفة مؤقتة، شريطة أن ترشد إدارتها المشورة والمساعدة التي تقدمها دولة منتدبة حتى اللحظة التي سوف تكون فيها قادرة على إدارة نفسها. ويجب أن تؤخذ رغبات هذه المجتمعات في الاعتبار أولا لاختيار الدولة المنتدبة..

المادة 23.

(ب) تتعهد (الدولة المنتدبة) بضمان المعاملة المنصفة للشعوب الأصلية في الأراضي الخاضعة لإدارتها؛

-IIالارتكابات غير المباشرة

تتمثل هذه الارتكابات بالتسبب بما يـأتي:

1. طرد مئات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم.

2. حروب متعددة بين "إسرائيل"والعرب والفلسطينيين

3. منع عودة ملايين الفلسطينيين إلى أرضهم تنفيذاً لقرارات الأمم المتحدة.

4. استمرار تعريض ملايين الفلسطينيين للعيش لاجئين خارج أرضهم وفي ظروف معيشية سيئة

5. خلق مجتمع من ملايين البشر ممن لا وطن لهم apatrides

6. خلق عبء على المجتمع الدولي يكلفه مليارات الدولارات سنوياً.

أولاً: التسبب بطرد مئات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم.

يتذرع بعض الناس بما حصل من يبادل سكاني في بعضدول شرقي أوروبا كما في

- اتفاقية التبادل السكاني بين اليونان وبلغاريا عام 1920 في نويّي سور سين في فرنسا

-اتفاقية لوزان عام 1923 بين تركيا واليونان .

-اتفاقية ادرنة 1913 للتبادل السكاني بين بلغاريا وتركيا( المسلمين ) هذه الاتفاقية لم تنفذ.

لكن إذا كانت اتفاقية لوزان :اليونان وتركيا واتفاقيات أخرى كاتفاقية اليونان وبلغاريا أو اتفاقية بلغاريا وتركيا (التي لم تنفذ) وبعض اجتهادات المحكمة الدائمة للعدل الدولي عالجت مسألة التبادل السكاني في بعض المناطق، فهذا التبادل قام على أساس أن السكان في كل من الاتفاقيات هم من المقيمين إقامة طبيعية ولم تفتعل إقامة أفرقاء منهم، أما في فلسطين فاستقدمت أعداد من اليهود لم يكونوا من المقيمين أصلاً، أي أن الحكومة البريطانية خلقت المشكلة وأخذت تبرر التبادل السكاني بين المهاجرين اليهود والعرب الفلسطينيين.. إلا أنه لا تجوز المقارنة ويبقى طرد السكان جريمة في نظر القانون الدولي.

ثانياً: التسبب بأربعة حروب رئيسية بين الفلسطينيين والعرب و"إسرائيل". وحروب وهجمات أخرى

· الحرب الأولى بدأت في 15 أيار 1948 عندما أعلنت العصابات الصهيونية إقامة دولة إسرائيل، وجرت بين عدد من الجيوش العربية والمتطوعين العرب مع جيش الدولة الجديدة. ولكن بريطانيا لم تسمح بهزيمة الإسرائيليين. وانتهت بافاقيات الهدنة بين إسرائيل والدول المحيطة بها.

· الحرب الثانية حصلت عندما هاجمت بريطانيا وفرنسا مصر بسبب تأميم قناة السويس. ودخلتها "إسرائيل" إلى جانب المهاجمين، واحتلت شبه جزيرة سيناء. لكنها انسحبت بعد فشل العدوان. وحلت محل قواتها قوات طوارئ من الأمم المتحدة..

· الحرب الثالثة جرت بعد تنامي دور المقاومة الفلسطينية في الأردن ولبنان وسوريا. فبعد الاستيلاء "الإسرائيلي" على أغلب مساحة فلسطين وعدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة نشأت المقاومة الفلسطينية. وبعد سنتين من انطلاقتها الجديدة، حشدت "إسرائيل" جيشا على الحدود السورية لاجتياحها. فتحركت مصر والأردن، بناء على اتفاق الدفاع المشترك. شنت "إسرائيل" الهجوم على البلدان الثلاثة بغطاء أميركي، واحتلت شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية من الأردن ومرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية.

· الحرب الرابعة، جرت بعد رفض "إسرائيل" الانسحاب من الأراضي التي احتلت سنة 1967، شنت مصر وسوريا في تشرين 1973هجوما لاستعادة أراضيهما، وكانت الحرب الرابعة التي مكنت فيه أميركا "إسرائيل" من الصمود ثم الاختراق. وانتهت الحرب بتحرير بعض الأراضي وبقاء أخرى تحت الاحتلال، واستمرت المفاعيل حتى توقيع اتفاقيات كامب ديفد ووادي عربة، فانسحاب "إسرائيل من سيناء، وأعادت إلى الأردن بعض الأراضي رسمياً، وبقي الجولان السوري وبعض المناطق اللبنانية التي احتلتها "إسرائيل" مع الجولان.

· الحروب على لبنان، وهي حروب واجتياحات متعددة، أهمها سنة 1978 و1982 و2006...

ثالثاً: منع عودة ملايين الفلسطينيين إلى أرضهم تنفيذاً لقرارات الأمم المتحدة.

فقد صدر عن الأمم المتحدة القرار 194(1948) بتاريخ 11 ديسمبر 1948، الذي قضى بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وتعويض الأضرار، كما وتعويض من لا يريد العودة عن أملاكه حسب القانون الدولي أو قواعد العدالة. فقد ورد في الفقرة 11 منه: إن الجمعية العامة:

- تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.

ولكن "دولة إسرائيل رفضت وما زالت ترفض عودة اللاجئين إلى ديارهم وتعويضهم. فيما تستقدم ملايين اليهود لإسكانهم في أرض هي بالأساس مغتصبة منتزعة من أصحابها بالقوة وبدون وجه حق وفي أرض تصادر اليوم فيما تبقّى من فلسطين بعد اغتصاب القسم الكبر منها، واحتلاله سنة 1973، ما يعد جريمة حرب (نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية: م8/2/أ/7 و8/2/ب/8) وجريمة ضد الإنسانية (م 7/1/د).

رابعاً- استمرار تعريض ملايين الفلسطينيين للعيش لاجئين خارج أرضهم وفي ظروف معيشية سيئة

خامساً- خلق مجتمع من ملايين البشر ممن لا وطن لهم apatrides

سادساً- خلق عبء على المجتمع الدولي يكلفه مليارات الدولارات سنوياً.

فقد أنشأت الأمم المتحدة "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA)، في شهر كانون الأول/ديسمبر 1949، وبدأت عملياتها يوم الأول من مايو/ أيار 1950، وهي تهتم اليوم بحوالي 4.7 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لديها في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، تحاول أن توفر لهم الغذاء والتعليم والصحة وغير ذلك من الضروريات، وتكلف المجتمع الدولي أكثر من مليار دولار سنوياً (حوالي 1.2 بليون دولار أميركي منذ سنة 2009)، وهي مع ذلك تعاني عجزاً يتزايد سنة فسنة، الأمر الذي يؤدي إلى تقليص مستمر في مستوى الخدمات المتدني أصلاً.

مسؤولية الدولة

إن بريطانيا تتحمل المسؤولية عن اغتصاب فلسطين من قبل الصهاينة لأنها مكنتهم من ذلك الاغتصاب بأفعالها كوعد بلفور وتسهيل الهجرة اليهودية، ثم إنشاء فيلق عسكري يهودي ساعد اليهود على الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، أوبامتناعها عن وضع حد لتجاوزات اليهود على أملاك الفلسطينيين، وذلك سنداً للقانون الدولي في ذلك الحين. فقد ورد في قرار معهد القانون الدولي في آب/أوغسطس-أيلول/سبتمبر 1927:

المادة الأولى:

" تكون الدولة مسؤولة عن الخسائر التي تسببها للأجانب بفعل أو امتناع عن فعل مناقض لالتزاماتها الدولية.

هذه المسؤولية كما تترتب على الفعل أو الامتناع من قبل السلطة التشريعية، بما فيها التأسيسية، تترتب على السلطة الإدارية والسلطة القضائية"

التعويض

ترتب المسؤولية المذكورة على الدولة البريطانية التعويض عما تسببت به لفلسطبن وللفلسطينيين مما ذكر أعلاه ومما سيثبته التحقيق وذلك بناء على القانون الدولي وعلى الاجتهاد،

فقد أكد قرار المحكمة الدائمة للعدل الدولي حول مصنع شورزوي، على أن هناك "مبدأ في القانون الدولي (يقضي بأن) خرق التزام ما يفرض الواجب بالتعويض بشكل ملائم. فالتعويض هو المكمل الضروري للإخلال بتنفيذ اتفاق ما دون ضرورة أن يكون الأمر مدوناً في الآتفاق نفسه."

وفي قرار حول القضية نفسها تقول المجكمة: " إن المحكمة تلاحظ أن هناك مبداً في القانون الدولي، بل مفهوم عام في القانون، أن أي خرق لالتزام يحمل الواجب بالتعويض".