:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/5258

مخيم اليرموك يعتصر ما تبقى من حياة

2015-04-19

ريما كتانة نزال
كما في كل الحكايات لا بد من مقدمة عن أبطالها الرئيسيين وشخوصها الثانويين. وفي حكاية «اليرموك»، يحتكر المخيم البطولة الحصرية للحكاية، بوجود مؤدين لا حصر لهم يؤدون أدواراً هامشية ذات طاقة منخفضة تهبط بمستوى الحكاية.
مخيم اليرموك ينام متأهباً، ينتظر شيئاً ما دون تقدير لطبيعة ما ينتظر، المخيم ينام خلف الأبواب جاهزا للخروج، فلم يعد يحتاج إلى التأنق بملابس النوم.
المخيم يرثي نفسه، دموعه غير كافية لبلوغ وجعه، لقد رسم الزمن شكلا جديدًا للخراب، وكلحت ألوان الدهان، وتغيرت الشوارع ما بين أكوام الأسمنت مع الوقت، لقد اختفت مشاهد وأضيفت مشاهد، لكن المخيم لا يزال على أهبة الاستعداد لتلبية دعوات لا أحد يخمن ما هي، والمخيم، إن أمهلته القذائف، يلملم ما تبقى منه باحثا عن أشلاء يدفنها، وإن رفع عنه حظر التجول، يخرج لتوزيع الدماء والذنوب على الطوائف والقبائل، وفي الغالب، يصفن منتظرا موعده مع الموت الأخير.
ما تبقى من أبطال المخيم، منهمك في اعتصار ما تبقى من حياة، دون رهان على المفاجآت السعيدة، انهم الأبطال الذين يصلحون لكل الأدوار، أبطال الانتصار على الجوع وأبطال الانكسار منه، أبطال المخيم الزاهدون في الحياة، قرروا ترك التباكي والتباهي على الانتصارات والانكسارات، وصمموا الاستمرار في حراكهم بين الفرص المتاحة بين أنماط الموت جوعا وغرقا وانفجاراً، فلم تعد تعني لهم الانتصارات الوهمية لمحترفي الزعامة، ولا الانكسارات المعتادة، واعتبروا بأن مسؤوليتهم تنحصر في اختيار زاوية الموت والتقاط الصورة الأخيرة.
ما تبقى من سكان المخيم، يزجون وقتهم في استذكار الدلال الذي مضى والتمهيد لابتلاع المذلات، إنهم يتنقلون في الأمكنة التي شهدت عزّا مستحقاً في الزمان والمكان، يودعون بعضهم كل يوم ومن ثم ينصرفون لحفلات الندب لحاضرهم وماضيهم، ولا يفوتهم استقبال وفود المعزين بين الأطلال.
المخيم يخاطب نفسه مغادرا قبل فوات الأوان: لا بد لي ألا أنسى أخذ ضلوعي وجوعي ودمائي، المخيم يحذر من تبقى من ساكنيه: لا تنسوا تسجيل شهاداتكم بأننا تُركنا وحدنا، وبأن دماءنا ما زالت مطلوبة لكل من يعبر رصيفنا، ولا يزال هناك من يريد وطء شرف مخيم قد تدمر وغادر أهله على مهل.
وقبل أن يُسْدلَ الستار، يدخل المؤدون المخيم وهو خال وفي شبه الظلام، يظهرون بكل تنوعهم دون مناظر أو ديكور، فيتفاجؤون بأن صندوق الملقن ليس في مكانه المعتاد، ينسى المؤدون أدوارهم ونصوصهم، ويبدؤون بالاعتذار بلغة الجسد، اعتذروا من القبور والساحات والجدران والشوارع، وسارعوا إلى تحية عظام المشاهدين، وعندما أضيئت الأنوار كان المخرج يبحث عن مؤلف نص جديد وعن مواهب جديدة يقدمها.