:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/5516

غاية تركيا ليس إنهاء إيران بل صياغة نظام إقليمي جديد

2015-05-17

نظم معهد فلسطين للدارسات الاستراتيجية لقاءاً سياسياً بعنوان " تركيا وإيران ... الفرص والمهددات" واستضاف المعهد خلال اللقاء الباحث والمتخصص في الشأن التركي الدكتور سعيد الحاج من تركيا عبر برنامج Skype وأدار اللقاء الأستاذ عبد الرحمن صالحة منسق معهد فلسطين بحضور نخبة من الباحثين والأكاديميين.
وقد ناقش اللقاء ثلاثة محاور تمثل الأول منها، تحديد مسار العلاقات التركية الإيرانية، والثاني معرفة النظرة التركية المستقبلية لواقع الإقليم بينما المحور الثالث تحديد الموقف التركي والإيراني تجاه القضية الفلسطينية، وقد خرج اللقاء على النحو التالي: -
تركيا وإيران دولتين قويتين متجاورتين لكل منها مشروع إقليمي طموح ذات نفوذ يسعى إلى التمدد وفرض مكانة كبيرة في الإقليم ويسعى لدور عالمي أحياناً، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى حدوث تنافس كبير بينها في كثير من الملفات والقضايا وقد أدى هذا التنافس إلى الدخول في منعطف العناد والصراع المحموم من أجل التودد والحصول إلى الدور الإقليمي.
إن أبرز ما يميز العلاقات التركية الإيرانية بأنها خالية من الصراع الحدودي أو الجغرافي بين الدولتين فالحدود بينهما هانئة وهادئة وهذا له دلالات كبيرة جداً.
_ المنظور النظري لتركيا _
حزب العدالة والتنمية من الناحية النظرية يرفض الحروب الإقليمية وخاصة الحروب النابعة عن أسباب طائفية ومذهبية ويرى الحزب أن أهم شيء ممكن أن يقدمه إلى هذا الإقليم أنه ينأى بنفسه عن هذه الحروب والصراعات وخصوصاً مع دولة مثل " إيران"، حيث يمتاز الصراع معها بالسخونة والقوة والنتيجة سوف تؤدي إلى تدمير المنطقة وحدوث كارثة.
حزب العدالة والتنمية يشرع في تطبيق نظريات أحمد داود أوغلو التي تنص على تصفير المشاكل مع كل دول الجوار والشروع في التواصل الاقتصادي والثقافي وهذا ما عمل عليه العدالة والتنمية طيلة الفترة السابقة التي سبقت الربيع العربي.
_ العلاقات الاقتصادية بين البلدين _
الملف الأساس بين تركيا وإيران هو الملف الاقتصادي والتجاري واليد العليا في هذا الملف لإيران وليس لتركيا، لأن تركيا رغم قوتها الاقتصادية التي حققتها طيلة السنوات الماضية، ألا أنها دولة مفتقرة لطاقة فهي تعتمد على النفط والغاز تحديداً من روسيا وإيران لذلك السقوف السياسية التركية خاصة فيما يتعلق بالملف السوري لم تترجم إلى لمسات واقعية عملية على أرض الواقع.
وتدرك تركيا أنها في حال قامت بمهاجمة روسيا أو إيران يعني ذلك توقف شريان الطاقة عنها وتعطل الميزان التجاري بين تركيا وإيران الذي يصل إلى 18مليون دولار.
تركيا عندما تحسب الخلافات مع إيران تضع العلاقات التجارية نصب الاعين بدليل زيارة أردوغان لطهران الأخيرة التي سبقها تهجم تركي على إيران تمثل هذا التهجم بوصف سياسية إيران بالمذهبية والطائفية، كما دعت تركيا إيران إلى الانسحاب من سوريا والعراق، لكن خلال زيارة أردوغان لطهران قام أردوغان بتوقيع ثمانية اتفاقيات اقتصادية مع طهران، لأن الاقتصاد بين طهران وأنقرة هو الذي يدير السياسية وليس العكس.
_ المنظور العملي لتركيا وإيران ونقاط الابتزاز _
من الناحية العملية تركيا رغم أنها قوة اقتصادية وسياسية في الإقليم مازالت تفتقد للأذرع العسكرية المتقدمة والأذرع الخشنة مثلما تمتلكها إيران التي تمتلك المليشيات والأذرع والحلفاء في الإقليم خاصة في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن، وبالتالي تركيا مازالت معتمدة حتى اليوم على القوة الناعمة وعلى العلاقات التجارية وعلى التواصل الثقافي وعلى المساعدات والإغاثات والعمق التاريخي، ولذلك تركيا مفتقرة لقوة التأثير حتى على المستوى المواجهة الغير مباشرة ليست قوية ومنيعة أما التدخل الإيراني.
الداخل التركي مكشوف أمام التدخلات الخارجة وتعاني تركيا من أزمات ومشاكل داخلية منها المشكلة الكردية التي تعاني منها على مدرار 40 سنة، والأن في تركيا حركة مسلحة من حزب العمال الكردستاني التي تحول انتزاع دولة أو حكم ذاتي وأصبحوا يطالبون به ونتيجة ذلك قتل 30000 مواطن تركي سقوا ضحايا نتيجة العمل العسكري المسلح و500 مليون دولار من الخسائر الاقتصادية كما أن حزب العمال الكردستاني حزب مخترق وعميل لأكثر من دولة إقليمية ودولية منها إيران وإسرائيل وألمانيا وأمريكا، وبالتالي هذا عامل من العوامل التي من الممكن أن تشغله إيران إذا أرادت، إضافة إلى ذلك يوجد في تركيا نسبة كبيرة من العلويون الذين لا يصوتون لحزب العدالة والتنمية بل يصوتون للمعارضة والعلويون المجودون في تركيا لهم علاقات مع إيران ونظام الأسد وكان من بين العلويون مشاركون في أحداث تفجير داخل تركيا، وبالتالي تخشى تركيا إيران أن تقوم بتفعيل هذه الملفات الداخلية في أي مواجهة مقبلة.
_ هل العلاقات التركية الإيرانية مرشحة للمصالحة أم مرشحة لتفاقم أكثر وحدوث أزمات؟ _
يعتقد الدكتور سعيد الحاج أن العلاقات التركية الإيرانية متأزمة جداً، ولكن لا يعتقد أن هذا التأزم سيقود إلى مواجهة عسكرية بين تركيا وإيران نتيجة الأسباب النظرية والعملية المذكورة وأسباب لها علاقة في المنظومة الدولية والاتفاق النووي الإيراني حول البرنامج النووي الذي يتشكل مع بين إيران والدول العظمى.
_ إيران وتركيا والمواجهة الغير مباشرة _
تركيا مازالت حتى الأن تتجنب المواجهة المباشرة مع إيران، ولكن بدأت منذ فترة وتحديداً بعد التغيير الذي حدث في السعودية وبداية حدوث توافقات بين تركيا والسعودية من الوضح أن تركيا أصبحت تقوم بتفعيل العناصر المحلية في مواجهة إيران من خلال الوسائل الدبلوماسية واستثمار عاصفة الحزم في اليمن لمواجهة إيران والتواصل مع قادرة الفصائل والعشائر في العراق وسوريا وهذا يعني أن تركيا تشاغر إيران بطرق غير مباشرة من خلال الدبلوماسية والسياسية ودعم اللاعبين المحليين تحديداً في سوريا والعراق وهذا الصراع والنزاع مرشح لزيادة أكثر بين البلدين، ولكن بمعزل عن الملف الاقتصادي لأن تركيا هي بوابة النفط والغاز الإيراني إلي أوروبا وستستفيد إيران من تركيا في حال تم رفع الحظر الاقتصادي الدولي عنها.
_ تركيا والبحث عن الزعامة _
تركيا ترى إنها إذا كانت تريد أن يكون لها مكانة في الإقليم والعالم وفقاً لنظريات أحمد داوود أوغلو يجب أن تركز على عمقها الاستراتيجي وفي أولوية العمق الاستراتيجي الدوائر الثلاث القريبة منها برياً وهي الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز.
كما يعتقد أحمد داوود أوغلو أنه كلما زادت تركيا من دورها في الشرق الأوسط زادت مكانتها الإقليمية ودورها في العلاقات الأوربية والغربية والأمريكية وقد عبر عن ذلك أوغلو في إحدى نظرياته الشهيرة والتي تعرف بنظرية " السهم والقوس" حيث قال: " كلما انجذبت تركيا نحو الشرق الأوسط كلما تعمق سهمها في أوربا والغرب".
_ التنمية والحلم التركي _
تدرك تركيا إنها لا يمكن لها ان تنهض وأن يصبح لها مكانة إقليمية إلا ان تقوم بتطبع علاقاتها مع دول الجوار وأن تقوم بإنهاء أو تخفيف المشاكل معها حتى تستطيع أن تصنع تنميتها بمشاركة دول الجوار.
إن التنمية التركية بحاجة إلى شركاء لذلك تركيا بعد أحداث الربيع العربي تركت القوة الناعمة وتركت سياسة تصفير المشاكل وتركت الحياد مع الدول الجوار ودخلت في مواقف تدعم بها ثورات الربيع العربي لأنها راهنت على مستقبل هذه الثورات، حيث راهنت على الثورة المصرية فكانت تركيا أول من زار مصر بعد الثورة ودعمتها اقتصادياً وكان الدعم المقدم على هيئة سندات ومنح وقروض للبنك المركزي المصري، لكن الانقلاب المصري هدم الحلم التركي الذي كان يرى أن تركيا ومصر ستصبحان قوتين إقليميتين ذات مكانة مركزية في المنطقة ومن خلالهما سيتم صياغة وبلورة نظام إقليمي جديد، لكن الحلم التركي التف الآن نحو السعودية بعد عاصفة الحزم لتشكيل تحالف سني في المنطقة يضم تركيا والسعودية وقطر وباكستان وأذربيجان وماليزيا لمواجهة مشروع إيراني.
_ ما هي غاية تركيا؟ _
تركيا لا تريد أن تنهي إيران تماماً أو تدخل معها في مواجهة عسكرية ولكن غاية ما تريده تركيا هو إعادة بلورة وصياغة نظام إقليمي جديد على قواعد لعبة جيدة تكون لتركيا اليد الطولة في هذا النظام
_ القضية الفلسطينية ما بين الموقف التركي والإيراني _
القضية الفلسطينية بالنسبة لإيران وتركيا من القضايا التي تتنفسان عليها بينما الملف السوري والعراقي واليمني والمصري تعتبر من القضايا الخلافية بينمها.
تركيا تقدم نفسها كدولة إقليمية سنية تدعم القضبة الفلسطينية وتتكلم باسم فلسطين وباسم القضايا العربية وباسم كل المظلومين في المنقطة في حين حاولت إيران تأسيس محور ممانعة أو مقاومة تكون هي رائدة المشروع لكن الثورة السورية أدت إلى تهلهل هذا المحور الشيعي.
هناك فرق كبير بين نظرة تركيا من القضية الفلسطينية ونظرة إيران تجاه القضية الفلسطينية حيث هناك فرق كبير في أليات وطرق ووسائل وأساليب التعامل وهذا نابع من منطلق تمرد إيران كما يصنفها الغرب والأمريكان بأنها دولة " مارقة" بينما تركيا هي جزء من النظام الدولي معترفة بسقوف هذا النظام ومقدمة لعضوية الاتحاد الأوروبي وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، وبالتالي تركيا في علاقتها بالقضية الفلسطينية لها حدود وسقوف، حيث تتعامل مع القضية الفلسطينية في إطار الحرية والإمكانية المتاحة لها، بينما إيران ليس لها حدود وسقوف.
تركيا تتعامل مع القضية الفلسطينية بطريقة التدرج في المساحات الرماية و ضمن السقوف والشروط التي تحكم وتحدد موقفها في الإقليم فوجودها في حلف شمال الأطلسي ووجود علاقات تركية مع الولايات المتحدة الامريكية وعضوية الاتحاد الأوروبي والمبادة العربية كلها تحدد شكل ومدى العلاقة بين تركيا والقضية الفلسطينية، وبالتالي حركة حماس والجهاد الإسلامي المصنفتين على قوائم الإرهاب الدولية لا تسطيع تركيا لانفتاح الكامل عليهما، لكن تركيا تسطيع أن تمرر سياساتها وأن تدعم القضية الفلسطينية من خلال دعم القضية الفلسطينية بشكل كامل دون دعم فصيل فلسطيني هذا أوذك فهي تدعم القضية من خلال دعم إنساني وإغاثي.
تدرك إيران أنها لا تتخلى عن حركة حماس التي تعتبر حركة رائدة التي لها سمعتها الطيبة في العالم العربي والإسلامي ولها أدائها الميداني، كما أن إيران تدعم فصائل فلسطينية أخرى لها تواجدها على الساحة الفلسطينية حتى لا تصطدم في طرف فلسطيني واحد يستعصي عليها تمرير سياساتها وقرارتها.