إتفاقية أوسلو في ضوء القانون الدولي
إتفاقية أوسلو في ضوء القانون الدولي
مقدمة عامة
نصت إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969 في المادة (2/1/أ) على تعريف المعاهدة الدولية بأنها "إتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة، ويخضع للقانون الدولي سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر وأي كانت النتيجة التي تطلق عليه"، وتنقسم المعاهدات الدولية إلى قسمين وهما المعاهدات الشارعة وهي المعاهدات التي تبرم بين عدد كبير من الدول لتخدم مصالحها، وتكون الغاية منها وضع قواعد جديدة وإحترامها، كما تتعلق بشأن دولي عام يهم المجتمع الدولي بأسره، والقسم الثاني هي المعاهدات الخاصة أو العقدية، ولا تلزم سوى أطرافها، ويتعين إلتزامها بالأحكام الشكلية والموضوعية في القانون الدولي، وعلى وجه الخصوص القواعد الآمرة بالقانون الدولي.
وقد أعطى ميثاق الأمم المتحدة للقرارات الدولية أهمية بالغة، بإعتبارها صادرة من إرادة المجتمع الدولي، وفي مقدمتها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، والتي عادة ما تكون بشكل توصيات ملزمة في حين وغير ملزمة في حين آخر.
حيث كفل ميثاق الأمم المتحدة سلطة إصدار قرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتكون هذه القرارات ملزمة في :
1- قرار قبول العضوية أو وقف العضوية أو الفصل من أي هيئة دولية وذلك بناء على المادة 4 و5 و6 من الميثاق.
2- عند إتخاذ قرارات تحت بند "الإتحاد من أجل السلام".
3- عند إصدارها قرارات في إطار إستخلافها لعصبة الأمم فيما يتعلق بنظام الوصاية.
4- عندما يكون القرار عرفا دوليا، ومن القواعد الآمرة في القانون الدولي، وتكرر أكثر من مرة.
بينما إختلف فقهاء القانون الدولي في مدى إلزامية قرارات مجلس الأمن، ولكن أجمعوا عندما يكون القرار منبثق بناء على قاعدة آمرة في القانون الدولي.
إن القاعدة الآمرة في القانون الدولي، تقوم على فكرة النظام العام الدولي في الأمم المتحدة، وعلى الآداب العامة الدولية، حيث عرفت إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969 في المادة 53 بأنها القاعدة المقبولة والمعترف بها من الجماعة الدولية التي لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تغييرها إلا بقاعدة لاحقة من قواعد القانون الدولي العامة، وعادة ما تكون متعلقة بالمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة.
ولابد لأي تسوية أن تخضع لمبدأ سمو ميثاق الأمم المتحدة، وقواعد تسوية النزاعات الدولية التي وضعت 14 إتفاقية أبرمت في لاهاي بين عامي 1899 و1907، على أن تكون هذه التسويات لا تؤدي إلى تهديد السلم والأمن الدوليين وتشمل: المفاوضات، التحقيق، الوساطة، التوفيق، التحكيم، القضاء، الإتفاقيات الإقليمية، واللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الدولية.
وقد إشترط القانون الدولي مجموعة قراعد شكلية لإبرام إتفاقية أو معاهدة تتعلق بمبدأ العلنية (المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة) ، التوقيع (المادة 7 من إتفاقية فيينا 1969)، التصديق (المادة 14 من إتفاقية فيينا 1969)، الإيداع (المادة 16 من ذات الإتفاقية).
ومن القواعد والمبادئ التي تحدد إطار الإتفاقية هي حرية الشعوب في إختيار ممثليها، وقاعدة التكافؤ بين الأطراف، ومبدأ نسبية الأثر الملزم للمعاهدات، بينما تعتبر الإتفاقية باطلة إذا كانت تتعارض مع قاعدة آمرة في القانون الدولي (المادة 53 من إتفاقية فيينا 1969).
وتحدد الإتفاقيات مبدأ عدم التنازل عن أي مكون أساسي من العناصر الأساسية للدولة كالإقليم، إلا إذا تم تقديم ضمانات للطرف الآخر بناء على التراضي شرط أن يكون بإستفتاء شعبي، أو عن طريق التبادل، أو أن يكون التنازل لا يتعلق بأي قاعدة آمرة في القانون الدولي، وقد أكدت على ذلك إتفاقية جنيف الرابعة في المادة 8 "لا يجوز للأشخاص المحميين بأي حال، أن يتخلوا جزئيا أو كليا عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الإتفاقية أو الإتفاقيات الخاصة...".
التكييف القانوني لإتفاقية أوسلو
تعتبر إتفاقية أوسلو من الأمور المحورية والأساسية التي طرأت على القضية الفلسطينية، التي حولت مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والتي كانت تختلف عن آليات تسوية النزاعات الدولية والإقليمية، إذ ولأول مرة بموجب هذه الإتفاقية، تم إعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل "كدولة" من جهة، وإعتراف "إسرائيل" بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
لذلك، كان لابد من عرض الوضع القانوني لكل من "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية أثناء توقيع إتفاقية أوسلو في 13 أيلول 1993، فبالنسبة "لإسرائيل" تم قبول عضويتها بالأمم المتحدة بقرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة (273) بتاريخ 11/05/1949، وقد إقترن قبول "إسرائيل" في الأمم المتحدة بشرطين إضافيين عن باقي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وهما القبول بقرار التقسيم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وما يتعلق به كقرار العودة 194، وأن توقع "إسرائيل" تعهدا بالأحكام المنشئة للإتحاد الإقتصادي الفلسطيني.
ومن هنا كان لابد من إبراز مصطلحين مهمين وهما شرعية "إسرائيل" كدولة التي تتعلق من حيث الشكل (إقليم، شعب، سيادة، والاعتراف) ومشروعية "إسرائيل" فيما يتعلق بموضوع الشرعية، وقد ثبت أن هناك شرعية من مبدأ قانوني لمنح "إسرائيل" صفة الدولة، ولكن لا توجد مشروعية لحيازة "إسرائيل" أرض فلسطين وممارسة السيادة عليها.
إذا، فقيام "إسرائيل" كدولة، هو مخالف لقواعد آمرة في القانون الدولي، وما يتعلق بها كبطلان قرار التقسيم، وتجاوز الجمعية العامة للأمم المتحدة من إختصاصها، ولكن بسبب وجود الشرعية القانونية، فلها الحق القانوني بعقد إتفاقيات ومعاهدات، تتعلق بالإقليم الممنوح لها بموجب قرار التقسيم 181، ولكن بسبب خرق "إسرائيل" إلى الآن شرطي قبولها في الأمم المتحدة المتعلقين بقرار 181 و194، فيمكن الطعن بشرعيتها، ولكن لم يحصل ذلك إلى الآن للأسف.
أما منظمة التحرير الفلسطينية، فتعتبر حركة تحرر وطني، ولا تتمتع بالشخصية القانونية الدولية في القانون الدولي التقليدي، لكن إتسع هذا المجال بعد إتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة ثلاثة قرارات تعترف من خلالها بالتمثيل القانوني لحركات التحرر الوطني وهي (167 عام 1980، 104 عام 1982، 76 عام 1986)، وبناء على ما جاء في مؤتمر القمة العربية المنعقد في القاهرة بتاريخ 13-16/01/1964، تم الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ودعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة للمشاركة في مداولاتها التي تخص القضية الفلسطينية ومنحتها حق المشاركة كعضو مراقب تحت إشراف الأمم المتحدة بموجب قرار 3237 في 22/11/1974، إضافة إلى ذلك، تم إعلان دولة فلسطين في الدورة (19) الغير عادية للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر عام 1988، وإعترف بها ما يزيد عن 100 دولة.
لذا، تعد إتفاقية أوسلو إتفاقية دولية بين شخصين من أشخاص القانون الدولي وإن لم توقع بإسم دولة فلسطين، بإعتبار أن منظمة التحرير الفلسطينية هي حركة تحرر وطني، ولكن هل إتفاقية أوسلو هي إتفاقية هدنة، أم إتفاقية مقدمات سلام، أم إتفاقية سلام بموجب القانون الدولي؟
تعرف إتفاقية الهدنة بأنها إتفاق يعقد ما بين المتحاربين بغرض وقف القتال مؤقتا، ومن الممكن أن تتضمن نقاط سياسية لا فقط عسكرية، لذلك فيمكن القول أن من خصائص إتفاقية الهدنة الواردة في أوسلو، إيقاف الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين (ديباجة إعلان المبادئ في 13 ايلول 1993، ديباجة إتفاقية طابا 28/09/1995 المادة 15/01)، والحفاظ على حقوق وإلتزامات المتحاربين (المادة 5/4 من إعلان المبادئ في 13/09/1993، المادة 31/6 من إتفاقية طابا 28/09/1995)، لكن لم تشترط أوسلو ضرورة التصديق لدى السلطات المختصة للطرفين لإدخال الإتفاقية حيز التنفيذ، وهناك إلتباسات في تاريخ التنفيذ، حيث نصت إتفاقية طابا عام 1995 على حيز التنفيذ يوم توقيع الإتفاقية (المادة 31/01)، ونصت إتفاقية إعلان المبادئ عام 1993 على حيز التنفيذ بعد شهر من تاريخ توقيع الإتفاقية (المادة 17/1)، ومذكرة التفاهم في 23/10/1998 نصت أن تصبح الإتفاقية حيز التنفيذ بعد 10 أيام من التوقيع، اما إتفاق شرم الشيخ في 04/09/1999 فنص على أنها تسري بعد أسبوع من التوقيع.
أما مقدمات السلام فهي إتفاقية سلام مبدئية، تتضمن الأسس والمبادئ الرئيسية التي إتفق عليها الأطراف لتتنازول إتفاقية أو معاهدة سلام تنص على التسوية النهائية، وهي تتمتع بطبيعة مؤقتة، حسب الظروف المحيطة بالإتفاقية، وترك التفاصيل للمفاوضات النهائية، ولا تبرم بنية التطبيق الفوري، وتعتبر مرحلة إنتقالية لا تدخل حيز التنفيذ الا من خلال ما تتضمنه معاهدة السلام النهائية، وإذا فشلت المفاوضات فإنها تفقد مشروعيتها وتعتبر بطبيعة الأمر الواقع لاغية، لذلك هناك غموض حول إعتبار إتفاقية أوسلو إتفاقية مقدمة سلام بسبب طابعها المؤقت أولا، وتمهيدا لمعاهدة سلام نهائية ثانيا.
بينما معاهدة السلام هي عبارة عن وثيقة يفرضها الطرف المنتصر على الطرف المهزوم في الحرب، وتفتقد الصفة التبادلية بين الأطراف، وهي تعقد بين الدول والجماعات المسلحة بشرط أن يعترف بها القانون الدولي بصفة المحارب، وتتميز بإنهاء حالة الحرب وإعادة السلام، وتغير جوهري في العلاقات بين الأطراف، وهذا ما تميزت به إتفاقية أوسلو نسبيا، فيما يتعلق بإنهاء حالة الحرب، والإنتقال إلى التسوية السلمية، بدءا من المفاوضات ثم التوفيق، بعد ذلك التحكيم، وقد جعلت سقف الحدود الفلسطينية في المفاوضات هي الأراضي الفلسطينية المحتلة في 4 حزيران 1967، على أن تكون مرجعية المفاوضات قرارات مجلس الأمن 242 و338.
بناء على ما تقدم، فإن إتفاقية أوسلو هي معاهدة دولية متعلقة بالسلام بوجه عام، فيها من خصائص إتفاقية الهدنة، وإتفاقية مقدمات السلام، وخصائص إتفاقية سلام أيضا، ما يجعل هذه الإتفاقية هي إتفاقية من نوع خاص من مقدمات السلام، وتعتبر لاغية وفقا لقواعد القانون الدولي إذا فشلت المفاوضات.
الإعتراف المتبادل
في الإطار النظري للقانون الدولي، هناك نظريتان أساسيتان فيما يتعلق بإعتراف الدول ببعضها البعض، الأولى هي النظرية المنشئة، التي تنص على حرية الدولة في الإعتراف أو من عدمه، لما يتضمن قيام الدولة من ثلاثة عناصر أساسية وهي إقليم، شعب، وسيادة، والرابع هو الإعتراف، والنظرية الثانية وهي النظرية المقررة، تعتبر أن الإعتراف هو مجرد تقرير لأمر واقع وتكييف قانوني لحقيقة واقعة.
كما أن الإعتراف نوعان، الإعتراف الصريح والإعتراف الضمني، ولكن الإشكالية تكمن فيما يتعلق بالحكومات التي تكون داخل إقليم الدولة والحكومات التي تكون في المنفى، حيث أن الإعتراف بالحكومات الجديدة التي تكون نتيجة إنقلاب أو ثورة، يجعل الإعتراف بها مسألة سياسية بصرف النظر عن دستوريتها وغير دستوريتها، أما الإعتراف بحكومات المنفى التي تباشر عملها من خارج إقليم الدولة، فتفتقد فعالية الإعتراف، غير أن الصورة الجديدة للإعتراف، إرتبطت بحق الشعوب في تقرير مصيرها، أي الإعتراف بحركات التحرر الوطنية، ما جعل وضعها القانوني مختلف تماما، بسبب إرادة المجتمع الدولي، المترتب عليه الإعتراف بها وحقها الأصيل في ممارسة الكفاح المسلح من أجل تقرير المصير ودحض الإستعمار.
لقد وضعت الحكومة الإسرائيلية عدة شروط لإعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بها، وهي أن تقر منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة "إسرائيل" في الوجود بسلام، وضمن حدود آمنة، وأن تقبل بقراري مجلس الأمن 242 و338، وأن تحارب الإرهاب وتكافحه، ولكن هذه التعهدات تضمنت مخالفات قانونية منها:
1- ورد في رسالة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في 09/09/1993، بأن منظمة التحرير تلتزم بعملية السلام في الشرق الأوسط بحل سلمي للصراع بين الجانبين، وتعلن أن كل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة سوف يتم حلها عن طريق المفاوضات، وهذا الإلتزام يخالف المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص في الفقرة الأولى على عرض حفظ السلم والأمن الدوليين عن طريق المفاوضات، التحقيق، الوساطة، التوفيق، التحكيم، والتسوية القضائية، في حين إقتصرت رسالة عرفات على وسيلة المفاوضات فقط.
2- تنازل منظمة التحرير الفلسطينية عن حق الكفاح المسلح يعد خروجا عن القانون الدولي الذي يجعل الكفاح المسلح من وسائل حق تقرير المصير، وتحديدا لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على الدفاع عن النفس إذا إعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة.
3- إلغاء فقرات من ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية هو تعدي على صلاحيات المجلس الوطني الفلسطيني.
على الرغم من كل هذا العيب في الإرادة، جاء إعتراف "إسرائيل" بمنظمة التحرير الفلسطينية ناقص ومشروط، حيث إعترفت الحكومة الإسرائيلية بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني، وتم حذف ما كان يعرف بالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهو ما يعد إعترافا ناقصا عن إعتراف المجتمع الدولي، ولكن لم يتم الإعتراف بدولة فلسطين، ولا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وبذلك فلا تستطيع منظمة التحرير الفلسطينية إلزام "إسرائيل" بالإعتراف بدولة فلسطين بموجب الإتفاقية بناء على قراري 242 و338، الأغرب من ذلك، أنه جاء الإعتراف بكيانين غير محددين، نتيجة عدم ترسيم الحدود، فتكون منظمة التحرير الفلسطينية أعطت كل شيء لإسرائيل، ولم تأخذ سوى حقوق عينية على شاكلة حكم إداري ذاتي أقل من الدولة والسيادة ومن الإستقلال، وحتى أقل من تقرير المصير.
إن مسألة الإعتراف هي أمر غير قابل للرجوع عنه، بموجب المادة 6 من إتفاقية "مونتيفيديو" لعام 1933، ولكن يمكن التراجع عنه في حال إنتهاك أحد الطرفين التعهدات في رسالة الإعتراف، ومن هنا، نجد من خلال إتفاقية أوسلو، أن إسرائيل لم تلزم نفسها بالمفاوضات مع منظمة التحرير، إنما فقط ببدء المفاوضات دون تحديد الأهداف، ولا الإطار، ولا الأساس والمبدأ الذي يجب إعتماده.
إتفاقية أوسلو بين التوقيع والتصديق والإيداع
تثير مسألة التوقيع على إتفاقية أوسلو ثلاث قضايا أساسية وهي اللاتكافؤ في الخبرة بين الموقعين، مباشرة توقيع الوفد الفلسطيني من غير تفويض، ومخالفة الموقعين الفلسطينيين للقانون.
فالنقطة الأولى التي تتمثل بلا تكافؤ الخبرة بين الموقعين، هي أن الوفد الإسرائيلي قد أعد نفسه جيدا من خلال المفاوضات السرية التي حصلت، بهدف تهيئة الطرف الفلسطيني وإعداده نفسيا لما تريد، ثم إثارة مخاوفه، بعد ذلك إثارة آماله، وصولا إلى الإختراق، حيث نجحت إسرائيل في إملاء شروطها على الوفد الفلسطيني المفاوض من خلال إبعاد القضية الفلسطينية عن الشرعية الدولية، فلا مؤتمر دولي أو قانون دولي بدون القرار 242 و338، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وأن الإنسحاب سيكون غير كامل أي أقل من حدود الرابع من حزيران عام 1967، وربطه بمسألة التعاون والتنسيق الأمني، كما تميز الوفد الإسرائيلي بإتقانه للغة الإنكليزية الجيدة المختصة بلغة التفاوض، وكان معه جميع الوثائق والخرائط التي تمتلك دقة عالية، أما الوفد الفلسطيني المفاوض لم يعط أهمية قانونية للإتفاق، ولم يشركوا أي قانوني متخصص بشؤون المفاوضات أو الإتفاقيات بدواعي السرية، كما أنهم لم يكونوا يتقنون اللغة الإنكليزية.
أما النقطة الثانية والأهم، هي أن الوفد الفلسطيني الموقع على إعلان مبادئ إتفاقية أوسلو لم يصدر له تفويض للتوقيع كما ينص القانون الدولي، بل كان التفويض مختصا بمفاوضات مدريد، ما أدى إلى بروز إنتهاكات قانونية بارزة على صعيد القانون الفلسطيني وبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية وعلى صعيد القانون الدولي.
ومن حيث التصديق، فلم تشترط إتفاقية أوسلو التصديق عليها من قبل الجانبين، بل أقر إعلان المبادئ في 13/09/1993 في المادة 17 بدخول حيز التنفيذ بعد شهر واحد من التوقيع، ولم يشترط التصديق، ولكن صادقت الكنيست الإسرائيلي على إتفاقية أوسلو، بعد إلغاء قانون منع الإتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية في 06/08/1986، أما بالنسبة للطرف الفلسطيني، فقد ألتزم ياسر عرفات في رسالة الإعتراف الموقعة في تونس 09/09/1993، بالحصول على موافقة من المجلس الوطني الفلسطيني فيما يتعلق بالبرنامج الوطني والتعديلات التي تعهد بتعديلها.
أما من حيث الإيداع، فهناك فرضيتان، الأولى أنه قد تم إيداع الإتفاقية، ولكننا لم نحصل أو نطلع على وثائق رسمية تؤكد ذلك، حيث نكتفي بالإعتماد على بعض إخطارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والفرضية الثانية هي عدم الإيداع، بإعتبارها إتفاقية داخلية وإعتراف بالأمر الواقع فقط، وما يرجح فرضية عدم إيداعها، هو عدم إشتراط الإتفاقية للتصديق والإيداع كما تنص المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، ما يعني ذلك أن إسرائيل حصلت على نتائج الإيداع الذي لم يحصل على الأرجح، وحرمت الطرف الفلسطيني من آثاره.
وقد حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراراتها (79 بتاريخ 14/12/1946، وقرار 482 في 12/12/1950)، مجموعة قواعد لإجراء عمليا تسجيل الإتفاقيات والمعاهدات، أهمها دخول الإتفاقية حيز التنفيذ وأن التسجيل بواسطة طرف واحد يعفي الطرف الآخر من القيام بواجب التسجيل، وجرى التأكيد على وجوب التسجيل في المادة 80/01 من إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969، وبما أنه لم تذكر الإتفاقية أي بند أو مادة توجب التسجيل، قمنا ببحث صغير حول مجموعة المعاهدات الدولية المسجلة في الأمم المتحدة عام 1993، ولم نتمكن من الوصول إلى إتفاقية أوسلو، ما يعني أن الإتفاقية لم يتم تسجيلها، أو بحسب بعض آراء القانونيين أنه كان هناك أزمة مالية في المنظمات الدولية، أدى إلى عدم نشر معظم الإتفاقيات الدولية منذ فترة الثمانينيات، وفي إطار البحث توصلنا إلى ثلاثة مستندات من وثائق الأمم المتحدة تنص على إخطار من الطرفين للأمم المتحدة حول إتفاقات بين إسرائيل والفلسطينيين وهي:
1- A/48/486 بتاريخ 11/10/1993، تتضمن إخطارا في رسالة مشتركة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا من خلال مندوبيهما في الأمم المتحدة مرفقة من مندوبي إسرائيل وفلسطين في الأمم المتحدة، يذكر فيه إعلات المبادئ 13/09/1993، وطلب الأطراف الأربعة بأن تكون وثيقة من وثائق الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
2- A/49/180، بتاريخ 20/06/1994 وتتضمن إخطارا من الأطراف الراعيين والطرفين الفلسطيني والإسرائيلي حول توقيع إتفاق القاهرة 04/05/1994، وتم إرفاق الإتفاقية بالوثيقة وطلب الأطراف أيضا إعتبارها من وثائق الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
3- A/51/889 بتاريخ 05/05/1997، وتتضمن إخطارا من الراعيين والطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بتوقيع إتفاقية طابا في 28/09/1995، وتم إرفاق الإتفاقية أيضا بالوثيقة، لإعتبارها من وثائق الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
من هنا، يصعب القول أن إيراد ثلاث إتفاقيات من أوسلو إلى الأمم المتحدة وإعطائها أرقاما كودية هو تسجيل للإتفاقية، بإعتباره إخطارا من الدول الراعية وليس من طرفي الإتفاقية، بل إخطار الدول الراعية للإتفاقية تعترض عليه إسرائيل كي لا تمنح منظمة التحرير الفلسطينية صفة حكومة دولة فلسطين، وكان الإخطار بهدف توفيق القرارات الدولية مع إتفاقيات أوسلو وليس العكس، بما أنها أعطت للفلسطينيين حقا أقل بكثير مما أعطته قرارات الشرعية الدولية.
الإقليم الفلسطيني في إتفاقية أوسلو
صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 في 29/11/1947، ونص على إقتطاع جزء من أرض فلسطين التاريخية لإقامة دولة يهودية وتدويل القدس، وأصبح الإقليم الفلسطيني من حيث المبدأ واضح الحدود والمعالم بناء على قرار التقسيم، إثر إنسحاب سلطات الإنتداب البريطانية، لحين صدور قرار مجلس الأمن 242 بتاريخ 22/10/1967، المرفوض من قبل منظمة التحرير الفلسطينية في البداية، بإعتباره قرار مجرد من قضية اللاجئين الفلسطينيين، ثم القبول بقراري 242 و338، وإقتصار التحدث على الأراضي الفلسطينية بحدود الرابع من حزيران عام 1967، ما يعني ذلك أن هناك نظريتان، الأولى أن الإقليم الفلسطيني في المفهوم الدولي هو أراض محتلة وفقا لقرار التقسيم 181، ويكون إنسحاب قوات الإحتلال الإسرائيلي منه هو إنسحاب كامل، والثانية هي التي تستند إلى تفسير أحادي الجانب لقرار مجلس الأمن 242، ما يكون الإنسحاب منه إنسحابا ناقصا.
وتوضيحا لمبدأ الإنسحاب الكامل وفق القانون الدولي، فإن التقسيم الإجباري للأقاليم هو باطل، وأن قرار التقسيم لا يعني زوال الدولة الفلسطينية بفعل تجزئتها إلى دولتين، وشعبها إلى شعبين، كما هو حال دولة ألمانيا بعد إنفصال ألمانيا الشرقية عنها عام 1949، وإستمرار الدولة الصينية بعد إنفصال "فرموزا"، وكوبا بعد إنفصال شمالها عام 1953، واستمرار دولة باكستان بعد إنفصال بانغلادش عام 1971.
كما أن قرار التقسيم 181 مقيدا بقواعد آمرة في القانون الدولي، على قاعدة عدم جواز إكتساب أراضي الغير بالقوة، وقاعدة عدم جواز التوسع الإقليمي، وقد نص القرار 181 في المادة 39 على أن يعتبر مجلس الأمن كل محاولة لتغيير التسوية التي ينطوي عليها هذا القرار بالقوة تهديدا للسلام أو خرقا له، أو عملا عدوانيا، أما فيما يتعلق بمبدأ الإنسحاب الكامل في إتفاقيات الهدنة العربية – الإسرائيلية، فإن ذلك مؤقتا وليست ترسيما للحدود، وذلك بدليل ما ورد في إتفاقية الهدنة المصرية – الإسرائيلية بالمادة 4/3، والمادة 5، والمادة 2/2 من إتفاقية الهدنة الأردنية – الإسرائيلية.
وفي ظل الإلتزام العربي لإتفاقيات الهدنة، إلا أن إسرائيل إخترقتها، إثر الإحتلال الإسرائيلي ما تبقى من الأرض الفلسطينية وسيناء والجولان عام 1967، لحين صدور قرارمجلس الأمن 242 الهادف إلى وقف إطلاق النار، حيث أن هذا القرار كان سليما من الناحية الشكلية أي بصدوره عن سلطة مختصة وهي مجلس الأمن، وفقا لصلاحيتها في ميثاق الأمم المتحدة، لكن هذا القرار لا يلغي قرار التقسيم 181، في ضوء الأسباب التي دعت إلى إصداره، كونه جاء ليعالج آثار العدوان وما حدث في حزيران عام 1967، شرط إلتزامه بمبادئ الميثاق المنصوص عليها في المادة 2 المتمثلة بالمساواة في الحقوق، وحق الشعوب بتقرير مصيرها، وعدم إستخدام القوة في العلاقات الدولية، وتسوية المنازعات بالوسائل السلمية، لكن القرار 242 لا يتضمن مبدأ الإنسحاب الكامل، بل نص على الإنسحاب الناقص، وذلك بناء على عدم ذكر أداة التعريف (أراض عربية) وليس (الأراضي العربية).
كما يشترط بالقانون الدولي أن يكون إقليم الدولة محددا، لممارسة الدولة إختصاصها القانوني وصلاحياتها، حيث أنه عند الحدود تنتهي سيادة الدولة وتبدأ سيادة دولة أخرى، فبالنسبة لإسرائيل فإنها وإن لم تقرر حدودها، وتستند على قرار التقسيم 181 في إعلان إستقلالها وهو شرط لقبول عضويتها في الأمم المتحدة، لكنها تقدم حجة الإنسحاب الناقص بناء على تفسير القرار 242 في تفسير مادة 1/ب المتعلقة بالحدود الآمنة، أي في رأيها أن الحدود الآمنة ليست الحدود الواردة في قرار التقسيم وليست خطوط الهدنة، بل يجب إجراء تعديلات على الحدود، وتذهب للمفاوضات مع الدول العربية بهذا الهدف، وهنا يوجد إختلاف بموقف فقهاء القانون الدولي من حيث ملأ فراغ السيادة من جهة، وجواز إكتساب الإقليم في الحرب الدفاعية من جهة أخرى.
فمن حيث ملأ فراغ السيادة، فتعتبر إسرائيل أن حيازة الضفة الغربية من قبل الأردن وغزة من قبل مصر هي حيازة غير قانونية وأنها كانت من مبدأ القوة، وأنهما كانتا دولتان محتلتين ولا تملكان حق السيادة، لكن لا يوجد في القانون الدولي ما يجعل الإخلال بإتفاقيات الهدنة سبيلا لإكتساب سيادة جديدة عن طريق السيطرة والإستيلاء، كما أن ما قامت به الدول العربية لا تشكل خرقا لنص المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة، لأن تدخلها كان بطلب من الهيئة العربية العليا، وما يؤكد ذلك، أن هذا التدخل لم يكن مدانا من قبل الأمم المتحدة.
أما من حيث إكتساب الإقليم في الحرب الدفاعية، فقد جاء بناء على "الأرض مقابل السلام"، وكان ذلك ليس في إتفاق أوسلو فحسب، بل في إطار الصراع العربي الإسرائيلي وتحديدا في إتفاقية السلام المصرية والأردنية مع الجانب الإسرائيلي، لذلك، لن يكون الإنسحاب الكامل وفق مبدأ التقسيم، بل إنسحابا ناقصا وفق شروط الشرق الأوسط الجديد التي تريده الولايات المتحدة الأميركية ما يعني أن تكون الدولة الفلسطينية منقوصة السيادة ومنزوعة السلاح في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
حق تقرير المصير في إتفاقية أوسلو
يقر القانون الدولي بأن الشعوب هي أصحاب تقرير المصير، وقد إتجه بعض القانونيون بإعتبار حق تقرير المصير هو مبدأ أساسي والبعض الآخر إعتبره حقا قانونيا ومن الحقوق الأساسية للشعوب، ولكن القول الراجح بين فقهاء القانون الدولي بأن تقرير المصير هو حق قانوني تناوله ميثاق الأمم المتحدة في المادة 1/2، والمادة 55، وما جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514، الذي أكد أن حق تقرير المصير من مبادئ القانون الدولي، كما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16/12/1966، العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الإجتماعية والثقافية، حيث ورد بهاتين الإتفاقيتين في المادة الأولى أن للشعوب حق تقرير المصير وربطه بحقوق الإنسان ومطلب قانوني لكل فرد.
لكن ميثاق الأمم المتحدة قد أغفل وسائل ممارسة حق تقرير المصير بمعنى كيف يستطيع الشعب ممارسة حقه بتقرير المصير، ولكن الممارسات العامة تشير بأن تقرير المصير يكون بالإقتراع العام، إما بالإستفتاء وإما بقرار الهيئة الممثلة للشعب، وهما من الأساليب السلمية، بينما هناك أساليب غير سلمية والتي منها الكفاح المسلح.
وقد ورد حق تقرير المصير بإستخدام الكفاح المسلح في وثائق دولية عديدة، منها ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة في المادة 51 التي أجازت الدفاع عن النفس، وكذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2649 الصادر بتاريخ 23/11/1970، ولم تكتف القرارات الدولية بتطبيق الحق بالكفاح المسلح فقط، بل حثت الدول بتقديم الدعم المادي والمعنوي لهذه الشعوب لتقرير مصيرها ونيل إستقلالها.
ولكن على الرغم من قرار التقسيم 181، بقي حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره إعتبارا من قرار 2535 الصادر في 10/02/1969، وكانت لأول مرة تتحدث عن "الشعب الفلسطيني"، بشكل واضح، وعن حقوقه غير القابلة للتصرف، ومن الأسس القانونية لتقرير مصير الشعب الفلسطيني هي:
- إعتبار فلسطين دولة من الناحية القانونية، منذ إنسلاخها عن الدولة العثمانية كما نصت المادة 22 في ميثاق عصبة الأمم.
- وبإعتبار الشرط الأول غير مطعون به قانونيا، فإن فلسطين هي بطور التكوين بناء على قرار التقسيم 181.
- تأكيد الجمعية العامة على تصفية الإستعمار بناء على قرار 514 عام 1960، بإعتبارها السلطة الوحيدة صاحبة السيادة ما إذا كان شعب إقليم غير مستقل، لتؤهله لممارسة حقه في تقرير المصير.
ولابد من التأكيد أن حق تقرير المصير لا يسقط بالتقادم، وأن السيادة دائمة وهي أسبق من قيام الدولة، لذلك أقدمت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إنشاء لجنة مختصة لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف وكلفت هذه اللجنة بوضع برنامج تنفيذي ورأت اللجنة في أحد تقاريرها، أن التنفيذ يجب أن يكون بناء على الخطوات التالية:
- وضع مجلس الأمن جدولا زمنيا لإنسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي إحتلتها عام 1967، في موعد غايته عام 1977.
- أنشاء الكيان الفلسطيني بالتعاون مع الأمم المتحدة مباشرة حيث أنه مع الكيان الفلسطيني يتم العمل على تقرير المصير.
لقد أهملت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وسيلة الإستفتاء لتقرير المصير، وركزوا على إقناع المجتمع الدولي بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، لكنهم لم يسقطوا في البداية الحق في الكفاح المسلح الذي تم الإعتراف بمشروعيته أسوة بباقي حركات التحرر الوطنية.
إن حق تقرير المصير هو غير قابل للتصرف، بإعتباره من القواعد الآمرة في القانون الدولي لا يحق لأي طرف تقييده أو منعه، وبذلك فقد أغفل أوسلو عن حق تقرير المصير، ولم تشر إلى حقوق الشعب الفلسطيني وأسقطت خيار الكفاح المسلح كإحدى وسائل تقرير المصير، وتخلت عن وسيلة الإستفتاء وإقتصرت على إنتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية.
حق إستقلال الشعوب في إتفاقية أوسلو
يميز القانون الدولي بين السيادة والإستقلال، فالسيادة هي ركن أساسي لقيام الدولة، أما الإستقلال فيكون بعد قيام الدولة، وقد حرم القانون الدولي والإتفاقيات الدولية ضم أو إحتلال أراضي الغير بالطرق السلمية وغير السلمية دون موافقة الشعب صاحب الأرض.
لقد كانت فلسطين إحدى الولايات العثمانية خاضعة للدولة العثمانية، وبدخول الجيش العربي إلى القدس عام 1917، تم تحرير فلسطين وإعلان فصلها عن الدولة العثمانية، وإستقلالها كدولة عربية مثل باقي الدول التي إستقلت عن الدولة العثمانية، وذلك بموجب معاهدة فرساي بموجب المادة 119، وتمسك العرب بحق الشعب الفلسطيني بالإستقلال، إلى صدور وعد بلفور عام 1917، كتمهيد لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، بعد ذلك فرض الإنتداب البريطاني على أرض فلسطين التاريخية، بحجة إضفاء نوع من الشرعية على السيادة، طبقا لنص المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم.
بقي الشعب الفلسطيني يناضل من أجل دحر الإنتداب البريطاني بهدف نيل إستقلاله كاملا عن أي دولة أخرى، إلى أن صدر قرار التقسيم 181 لتحجيم الأرض الفلسطينية وليس إنكارا للشعب الفلسطيني، ورغم مخالفة القرار 181 للقواعد الآمرة في القانون الدولي إلا أنه أقر بوجود دولة فلسطينية سابقة، على الرغم من تحجيم مساحتها، ولكن المهم هو وجود إقليم الدولة وليس مساحتها.
وبعد إصدار مجلس الأمن قرار 242، ورفضه من قبل منظمة التحرير الفلسطينية ثم القبول به فيما بعد، أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية طرفا دوليا، وقد أنشأت الأمم المتحدة لجنة مختصة لممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3376 بتاريخ 10/11/1975.
وقد أصدر المجلس الوطني الفلسطيني إعلان إستقلال دولة فلسطين بتاريخ 15/11/1988، في الجزائر، وإعلان القدس عاصمة لها، بناء على قرار التقسيم 181، والقبول بقرار 242 و338 كأساس ضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، لحين توقيع إتفاقية أوسلو التي إعترفت بموجبها إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني دون ذكر حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف وإنشاء الدولة الفلسطينية، وبعد أن لوحت منظمة التحرير الفلسطينية بإنشاء الدولة خشية إسرائيل من ذلك، ما يتضح من ذلك النقاط التالية:
- ليس صحيحا القول بأن قرار التقسيم 181 الذي إستند إليه إعلان الإستقلال عام 1988 تجاوزه الزمن كما تدعي إسرائيل.
- هناك بعض ملامح الدولة لم يتم إقرارها إلى الآن وهي برسم المفاوضات النهائية فيما يتعلق بالميناء، المطار...
- نصوص إتفاقية أوسلو حجبت إعلان الإستقلال وتجاهلت حق الشعب الفلسطيني في الإستقلال.
العودة والتعويض للاجئين في إتفاقية أوسلو
أكدت الإتفاقيات الدولية والمواثيق الدولية لاسيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 13/2 على حق العودة وكذلك العهدد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أشار في مادته 12/2 على أنه لا يجوز حرمان أي أحد من حقه في الدخول إلى بلده، أما التعويض فهو بهدف تقديم ما يمكن بواسطته التغلب على الضرر المادي والمعنوي في حالات السلم والحرب، ويترتب عليه مسؤولية دولية قانونية.
إهتم المجتمع الدولي بقضية اللاجئين الفلسطينيين وتحديدا بالمجموعتين الأولى، اللاجئين عام 1948 والنازحين عام 1967، وقد تناول المجتمع الدولي قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل مبكر ولكن جميع محاولات حلها باءت بالفشل، ولكن يبقى حق اللاجئين قائما على العودة بإعتبارها من القواعد الآمرة في القانون الدولي، وبناء على قرار العودة 194، وما تلاه من قرارات تجاوزت 130 قرارا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وجميعها تنص على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها.
لقد أحيلت قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى آليتين، الأولى المفاوضات المتعددة الأطراف والثانية المفاوضات الثنائية، وفي كل جولة من المفاوضات، كانت المطالب الفلسطينية تشترط تنفيذ القرار 194، فنلاحظ أن مفهوم أوسلو لعودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض كان على الشكل التالي:
- إعتمدت الإتفاقيات التفرقة بين اللاجئين عام 1948 والنازحين عام 1967.
- جرى تشتيت قضية اللاجئين عبر آليتين للتفاوض آلية متعددة الأطراف وآلية ثنائية في المفاوضات النهائية.
- تقييد حق العودة للنازحين عام 1967 دون شرط التعويض بإدارة أطراف خارجية على رأسها إسرائيل ودولتين عربيتين فقدتا أراض فلسطينية كانت تديرها، وليست لديها هموم جدية من الوجود الفلسطيني كمصر والأردن التي ترى معظم اللاجئين مواطنين في أراضيها، خلافا للبنان وسوريا.
- تجاهلت إتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل تحديد الهوية الفلسطينية حيث نصت على تحقيق حل عادل لمشكلة اللاجئين والأشخاص المشردين كما ورد في قرار 242، وليس وفقا للقرار 194 الخاص باللاجئين والقرار 237 الخاص بالنازحين.
- عدم الإتفاق على حدود واضحة المعالم للنطاق الجغرافي الذي يعتبر عاملا مهما في العودة والتعويض.
خاتمة
بعد ما تقدم من تحليلات ومعطيات قانونية يمكن ذكر الإستنتاجات التالية التي وصلت لها الدراسة القانونية لما جاء في إتفاقية أوسلو على النحو التالي:
- كانت إتفاقية أوسلو من الإتفاقيات غير المتكافئة بين الأطراف من حيث الخبرة القانونية والتفويض واللغة...
- إن إتفاقية أوسلو مشوبة بعيب البطلان لأسباب كثيرة أهمها الإكراه بالنسبة للواقع الذي كان يعيشه الطرف الفلسطيني.
- لم يتضح إذا جرى إيداع إتفاقية أوسلو وتسجيلها وفقا لنص المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة.
- تجاوزت إتفاقية أوسلو الأطر القانونية لتسوية القضية الفلسطينية ما يعد إنتهاكا للقواعد الآمرة في القانون الدولي.
- الهدف الرئيسي من إتفاقية أوسلو هو إنشاء سلطة الأمر الواقع بطابع قانوني مشروع رغم الإنتهاكات للقانون الدولي.
- الإقليم الذي جرى الإتفاق عليه غير الوارد في قرار التقسيم 181، وتم تسميته بالمناطق الآمنة والمعترف بها، ولن يكون كامل السيادة بسبب الكثير من القيود الأمنية الإسرائيلية من ناحية نزع السلاح وتقييد العلاقات الخارجية...
- لم تعدد إتفاقية أوسلو الحقوق المدنية والسياسية فيما يتعلق بحق تقرير المصير، والإستقلال، والحقوق غير القابلة للتصرف.
يمكن القول في النهاية، أن الحقوق أسمى من الإتفاقيات، وأن الإتفاقيات لا تعدم الحقوق، بما أن الحقوق الفلسطينية المطالب بها هي من القواعد الآمرة في القانون الدولي وغير قابلة للتصرف، والقول بأن المفاوضات النهائية هي التي ستحدد الحقوق، فهذا أمر مردود، لأنها ستقود إلى التصرف بالحقوق التي هي غير قابلة للتصرف.
لذلك لابد من إعادة إحالة القضية الفلسطينية إلى صاحب الإختصاص الأصيل في حلها، وهي الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعتبار أن من صلاحياتها النظر في بند الإتحاد من أجل السلام، أو على الأقل تصويب مسار المفاوضات بناء على قراراتها التي تنص على حقوق الشعب الفلسطيني بالمتمثلة بقيام الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، وبشكل يتفق مع قواعد الشرعية الدولية.
إعداد: الدائرة القانونية
في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
27/09/2021