:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/57845

الجثامين المحتجزة في القانون الدولي

2021-10-18

الجثامين المحتجزة في القانون الدولي

تحتجز "إسرائيل" جثامين الشهداء الفلسطنيين، ثمانين جثة مازالت في البرادات إضافة إلى 254 في مقابر تطلق عليها "مقابر الأرقام"، بحيث يوضع فوق كل قبر شهيد لوحة معدنية تحمل رقما بدلا عن إسمه، وهذا الرقم هو عبارة عن ملف الأسير لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بهدف إستخدام هذه الملفات كأوراق ضغط للتفاوض مع الجانب الفلسطيني من جهة تبادل الأسرى، وذلك بإيعاز من المحكمة العليا الإسرائيلية، التي منحت القائد العسكري صلاحية إحتجاز هذه الجثامين.

لقد وضع القانون الدولي الإنساني الأسس والمعايير فيما يتعلق برفات من قضي نحبهم في النزاعات المسلحة، ووجوب التعامل مع هذه الرفات بطريقة ملائمة لصون كرامة هؤلاء الشهداء، حيث أوجب القانون الدولي الإنساني إحترام جثث الموتى وحمايتها على النحو المنصوص عليه في إتفاقيات جنيف الأربعة عام 1949، وبروتوكليها الإضافيين عام 1977، وكذلك القانون الدولي العرفي.

تنهتك "إسرائيل" جميع هذه الإتفاقيات المذكورة، فلم تحترم جثث الشهداء التي مازالت تحتجزها، ولم تصن كرامتهم، لأنه من إحترام الميت تطبيق معتقداته الدينية في أصول تشييع جثته وطقوس دفنه، بينما الذي يحصل بخلاف ذلك، فمازالت "إسرائيل" تحنط بعض الجثث للحفاظ على هيكلها رغم حرمة ذلك في الدين الإسلامي، كما أنها لم تصن كرامتهم، بحيث أنها لم تقم بتطبيق وصيتهم التي يجب تطبيقها وتسليمها لأقربائهم، وزادت في إهانتهم عندما لم تضع أسماءهم على القبور، بل إستبدلتها بأرقام لا تعطى إلا للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بهدف حرمان أقربائهم من زيارتهم في المستقبل، أو للتصعيد في تسليم رفاتهم.

توجب إتفاقيات "جنيف الأربعة" أطراف النزاع إتخاذ التدابير اللازمة لمنع سلب جثث الموتى، كما نصت على ذلك المادة 15(1) من إتفاقية جنيف الأولى، والمادة 18(1) من إتفاقية جنيف الثانية، والمادة 16(2) من إتفاقية جنيف الرابعة، إضافة إلى المادة 34(1) من البروتوكول الإضافي الأول والمادة 8 من البروتوكول الإضافي الثاني، وكذلك القاعدة 113 من دراسة القانون الدولي الإنساني العرفي.

إن إحتفاظ "إسرائيل" لجثامين الفلسطينيين هو بحد ذاته سلبا للجثث، بإعتبار أن الجثث المحتجزة لم تكن كلها جثث أسرى الحرب ولا من المعتقلين الإداريين، بل جزء كبير منها كان من المقاتلين وطرف مهم في النزاع المسلح.

كذلك توجب إتفاقيات "جنيف الأربعة" تحديد هوية الجثة والرفات البشرية وبذل أكثر ما بوسعها لفعل كل ما هو يمكن لجمع الوسائل المتاحة لها، من إرسال شهادة وفاة، قوائم بأسماء الموتى، وتحديد هوية المتوفين، بموجب المادة 16(3) من إتفاقية جنيف الأولى، والمادة 19(3) من إتفاقية جنيف الثانية، والمادة 120(2) من إتفاقية جنيف الثالثة والمادتين 129 و138 من إتفاقية جنيف الرابعة، وهذا ما خرقته إسرائيل، بإعتبارها لم تحدد هوية المتوفين ولم ترد أسماء المتوفين على قبورهم، بهدف إخفاء الحقيقة على أقاربهم، وإجراء مفاوضات وهمية، تكسب فيها "إسرائيل" على حساب هؤلاء الشهداء.

كما ينص القانون الدولي الإنساني على وجوب تسهيل عودة رفاة الموتى بناء على طلب الطرف الآخر في النزاع، أو بناء على طلب أقرب الناس إلى المتوفى كما نصت على ذلك المادة 17(3) من إتفاقية جنيف الأولى، والمادة 120(6) من إتفاقية جنيف الثالثة، والمادة 130(2) من إتفاقية جنيف الرابعة، وكذلك القاعدة 114 من دراسة القانون الدولي الإنساني العرفي التي نصت على أطراف النزاع المسلح الدولي، إعادة الأمتعة الشخصية وليس الجثة فقط، بما فيها الوصية، والنقود، وجميع الأشياء التي توجد معه سواء لها قيمة فعلية أو معنوية.

ومن هذا المبدأ، لم تقم "إسرائيل" بتسهيل عودة رفاة الموتى، بل قامت بالتصعيد، وفرضت شروطا قاسية فيما يتعلق بتبادل الأسرى وتحديدا مع قطاع غزة، ووضعت معايير لا يمكن للطرف الفلسطيني القبول بها، حتى أنها لم تطبق وصايا المتوفين، ولم تعد الأمتعة الشخصية لا المادية ولا المعنوية إلى أقربائه، بإعتبار أن لكل أسير ذكريات وصور، وأمتعة تذكره بوطنه وعائلته، وللقضية التي أسر بهدف تحقيقها.

وفي حال النزاع المسلح الدولي، تجري الدولة الحاجزة لجثث الأسرى والمعتقلين المدنيين تحقيقا رسميا حول سبب الوفاة وأماكن الإحتجاز، وعليها أن تتخذ جميع الإجراءات القضائية اللازمة ضد المسؤولين، كما نصت المادة 121 من إتفاقية جنيف الثالية والمادة 131 من إتفاقية جنيف الرابعة.

على الرغم من أن كل عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين توفوا في السجون الإسرائيلية، لم تقم "إسرائيل" بإجراء تحقيق عادل وشفاف حول سبب وفاتهم، بل حتى أنها رفضت التحقيق الدولي التي أقدمت عليه بعض المنظمات الدولية الحقوقية لمعرفة سبب الوفاة.

وأما فيما يتعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنه يقع على عاتق كل دولة تطبيق ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أي ما له علاقة بالحق بالحياة، والكرامة الإنسانية، حظر العقوبة القاسية، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966 (المادة 6) ، وإتفاقية مناهضة التعذيب، وإتفاقية حماية جميع الأشخاص من الإختفاء القسري 2006، بالإضافة إلى الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان 1950 (المادة 2)، والإتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان 1969 (المادة 4).

إن إحتجاز الجثامين ليس إلا جزء من سياسة الفصل العنصري التي تطبقها "إسرائيل" على الشعب الفلسطيني، لتمارس عبر هذه الجثامين الإبتزاز السياسي، كما أن إحتجاز هذه الجثامين تعبر عن مدى إجرام "إسرائيل" وإنتهاكها للمبادئ الإنسانية وللأعراف الدولية، وليس هناك أي مبرر غير ذلك، حيث أن هذه القضية ليست إنتهاكا لحقوق الإنسان بل ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية.

الدائرة القانونية

في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

18/10/2021