تقرير:؛المبادرة الفرنسية .. أهدافها وخلفيات رفض نتانياهو
2015-06-28
حسين عطوي -طرحت المبادرة الفرنسية التي أعلن عنها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، خلال جولته في المنطقة، لاستئناف المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية، الأسئلة بشأن توقيتها والأهداف المراد تحقيقها منها، لا سيما وأن هذه المبادرة لم تحظ بموافقة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، فيما لاقت ترحيب السلطة الفلسطينية.
المبادرة كما طرحت تنص على الآتي:
ــ العودة إلى حدود عام 1967 بين «إسرائيل» والدولة الفلسطينية المستقبلية، وأن تكون القدس عاصمة للدولتين.
ـــ تحديد مدة عامين حدا أقصى أمام المفاوضات للتوصل إلى اتفاق نهائي.
ـــ مواكبة دولية لعملية السلام، مع ترك المفاوضات لـ «إسرائيل» والفلسطينيين.
ـــ المبادرة ليست لصنع السلام ولكن دفع هذه الأطراف نفسها لتصنع السلام.
ـــ رعاية المفاوضات من قبل مجموعة دعم دولية تضم دولا عربية والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي.
ـــ وأرفق الاعلان عن المبادرة بتحذير فابيوس من أن استمرار الجمود يهدد «بتأجيج» الصراع، وحث الجانبين على العودة إلى المفاوضات سريعا.
غير أن اعتراض نتانياهو على المبادرة لم يكن على محتواها، وإنما على رفض «أي محاولات لفرض إملاءات دولية على «إسرائيل»، في ما يخص ملف السلام الفلسطيني - الإسرائيلي. وأن المقترحات الدولية المطروحة لا تلبي احتياجات «إسرائيل» الأمنية.
لكن الوزير الفرنسي سارع إلى الرد من رام الله مؤكداً انه «من غير الوارد فرض أي حل لن يقبل به أحد، وعلينا أن نضمن أمن «إسرائيل» وفي الوقت نفسه منح الفلسطينيين حق أن يكون لديهم دولة».
الأهداف الحقيقية للمبادرة الفرنسية:
الواضح من خلال بنود المبادرة أن الدعوة لاستئناف المفاوضات قد خلت من أي شروط مسبقة والحرص على عدم فرض أي املاءات دولية على «إسرائيل»، وهو ما يشكل تلبية للموقف الإسرائيلي الذي يرفض وقف الاستيطان في القدس والضفة الغربية، وأي تدخل دولي مباشر في المفاوضات، وبالمقابل تحدثت المبادرة بعبارات فضفاضة بما خص الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ففي حين تجاهلت بالكامل موضوع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وكرست الاحتلال الإسرائيلي للقدس من خلال دعوتها إلى جعل المدينة المقدسة عاصمة للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، فإنها لم تشر إلى مضمون الدولة الفلسطينية ما إذا كانت ذات سيادة أم مقيدة ومكبلة بالشروط الإسرائيلية التي تفرغها من أي محتوى سيادي.
في ضوء ذلك فان المبادرة عبارة عن صيغة فضفاضة تستهدف توفير الغطاء الدولي لاستئناف المفاوضات، في سياق محاولة غربية قامت بها فرنسا لأجل تحقيق جملة من الأهداف التي تصب كلها في خدمة «إسرائيل» على حساب الفلسطينيين وحقوقهم التاريخية في أرضهم ووطنهم، ويمكن تلخيص هذه الأهداف بالآتي:
الهدف الأول: احتواء حالة الغضب الفلسطينية من تصاعد الهجوم الاستيطاني الإسرائيلي والمصحوب بالقمع والإذلال اليومي على حواجز الاحتلال وسياسات التمييز العنصري، وبالتالي العمل على تنفيس حالة الاحتقان في الشارع الفلسطيني، والحيلولة دون انفجار الوضع في ظل تقارير عديدة باتت تتحدث عن احتمالات اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة بدأت مؤشراتها الأولى تظهر من خلال المواجهات المستمرة في القدس المحتلة وقلنديا، وتزايد عمليات المقاومة الشعبية ضد الجنود والمستوطنين الصهاينة.
الهدف الثاني: الالتفاف على تنامي المقاطعة الأوروبية غير الرسمية لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس والجولان السوري واتساعها لتشمل الجامعات الأمر الذي اقلق الحكومة الإسرائيلية.
الهدف الثالث: إعادة تلميع صورة «إسرائيل» على الصعيد الدولي لإجهاض التقرير الدولي الصادر عن مجلس حقوق الإنسان والذي يتهم الجيش الإسرائيلي بارتكاب المجازر قي قطاع غزة، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير.
الهدف الرابع: توفير الظروف المواتية لمواصلة «إسرائيل» سياساتها في قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وفرض الأمر الواقع على الأرض في ظل المفاوضات التي ستجري من دون شروط مسبقة، والتوصل إلى اتفاق نهائي يحقق لـ » إسرائيل«مجمل أهدافها، ومعروف أن «إسرائيل» قامت بأكبر عملية استيطان بعد احتلال فلسطين عام 1948، في ظل اتفاق أوسلو المشؤوم والمفاوضات التي استمرت لأكثر من عشرين عاما، مما دفع بالمراقبين إلى وصف المفاوضات بالملهاة للجانب الفلسطيني.
أسباب الرفض الإسرائيلي للمبادرة:
لكن ما هي الاسباب التي دفعت نتانياهو إلى رفض المبادرة،على الرغم من أنها تصب بشكل واضح في صالح الموقف الإسرائيلي على حساب الجانب الفلسطيني؟.
الواضح أن الاسباب تكمن في الأمور التالية:
الأمر الأول: إن نتانياهو لا يريد أن يكون هناك سابقة بان تجري المفاوضات تحت أي أشراف أو رعاية دولية، تجنبا لأية قيود أو التزامات، وهو يحرص بان يكون الوسيط فقط محصورا بالراعي الأميركي الذي كان دوما منحازا إلى جانب وجهة النظر الإسرائيلية، ويترك الجانب الفلسطيني عرضة للضغط الإسرائيلي، بل انه طالما مارس الضغط على المفاوض الفلسطيني كي يستجيب للإملاءات الإسرائيلية.
الأمر الثاني: ليس في أجندة نتانياهو وحكومته اليمينية المتشددة أولوية إجراء مفاوضات والتوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية حول قضايا الوضع النهائي، وإنما الأولوية هي لاستغلال ظروف الفوضى في الدول العربية وغياب العرب عن ما تتعرض له القضية الفلسطينية من مخاطر، لأجل تحقيق الحلم الإسرائيلي باستكمال عملية تهويد القدس المحتلة لتكون عاصمة موحدة للدولة اليهودية.
الأمر الثالث: إن نتانياهو لا يريد مفاوضات تفضي إلى إقامة دولة فلسطينية، وإنما يريد إعلان الدولة اليهودية على كامل أرض فلسطين التاريخية، وتحويل الفلسطينيين في أرضهم إلى مجرد أقلية تحظى بالحكم الذاتي في كنف هذه الدولة. وهذا الأمر لا يتحقق إلا عبر فرض الأمر الواقع.
هذه الدوافع هي التي كانت وراء خلاف نتانياهو مع ادراة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي كانت تريد استئناف المفاوضات والتوصل إلى تسوية نهائية في ظل هذه الظروف التي تخدم «إسرائيل» والتي قد لا تتكرر ومن الممكن أن تتغير في غير مصلحة «إسرائيل»، ولهذا فانا ما رفض أن يعطيه نتانياهو لحليفه الأميركي لن يوافق على منحه للفرنسي، الذي يسعى إلى نفس الغاية وهي مصلحة «إسرائيل».
وفي الحالتين فان السلطة الفلسطينية ليست سوى متلقفة للمبادرات ودائما تسارع إلى الموافقة عليها على الرغم من أنها لا تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، ويترتب عليها خفضاً مستمراً في سقف موقفها، تحت شعار أن الجانب الإسرائيلي سيرفضها فلماذا تقدم على رفضها وتتحمل هي مسؤولية فشلها.