:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/5991

عن الحكومة الفلسطينية.. مرة ثالثة - معتصم حمادة

2015-07-12

كان يفترض أن يقوم وفد من الفصائل الفلسطينية بزيارة قطاع غزة لإجراء مراجعة وتشاور سياسيين مع حركتي حماس والجهاد، كما كان يفترض، بناء لتوجهات اللجنة التنفيذية في م.ت.ف، وكخلاصة لنقاشاتها، دعوة الإطار القيادي المؤقت للاجتماع، ليبحث إعادة تشكيل حكومة فلسطينية جديدة، تشارك فيها الفصائل كافة، داخل م.ت.ف وخارجها، وتتشكل بتوافق الأطراف الفلسطينية، كخطوة ضرورية وملحة، نحو العمل على انهاء الانقسام، ومعالجة قضايا الموظفين العالقة، وإعادة توحيد الإدارات والأجهزة الرسمية، والتحضير لانتخابات رئاسية، وتشريعية كاملة [تشريعي ومجلس وطني]، بموجب قانون التمثيل النسبي الكامل.
مثل هذه التوجهات لم تكن وليدة لحظتها، ولم تهبط فجأة على اللجنة التنفيذية، بل هي خلاصة لنقاشات استمرت أطول مما يجب، وهي نتائج لقاءات سياسية أكدتها الوقائع اليومية، وتطورات الحالة الفلسطينية.
من بين الخلاصات أن حكومة الدكتور الحمدلله، وبعد أكثر من عام على تشكيلها، فشلت في تحقيق الأهداف التي من أجلها ولدت. فقد فشلت في حل قضايا الموظفين، وفي توحيد الإدارات، والمؤسسات بين الضفة والقطاع، كما فشلت في اطلاق ورشة إعادة إعمار ما دمره العدوان في قطاع غزة، وفي فك الحصار عن القطاع، بل وصلت الأمور إلى أخطر من هذا، حين تعمق الانقسام، وبات القطاع على عتبة الانفصال السياسي والإداري عن الضفة، في مشروع بدأت تلوح تباشيره في الأجواء السياسية، يدعو إلى «تهدئة طويلة»، بين إسرائيل وحماس، واجراءات تخفيفية للحصار، كالسماح بممر مائي تحت الرقابة الدولية إلى القطاع، ومعالجة قضايا الإعمار؛ ما يقود إلى ولادة إقليمين منفصلين عن بعضهما البعض، وولادة مشروعين سياسيين، يتنافسان في التدمير الذاتي، والتقرب من الاحتلال والابتعاد أكثر فأكثر عن المشروع الوطني الفلسطيني، وما يقود، في الوقت نفسه، إلى تحقيق أهداف نتنياهو في «حل» للقضية الفلسطينية، وفق المتطلبات الإسرائيلية.
* * *
فجأة، تبخرت كل هذه التقديرات، وبعد حوالي أسبوع أو أكثر بقليل من رسم توجهات اللجنة التنفيذية، ودون أن يتم التشاور مع حماس والجهاد، ودون أن يتم التشاور مع فصائل م.ت.ف، ودون أن يتم حتى «التشاور» مع اللجنة التنفيذية، ومن خلف ظهر هؤلاء كلهم، جرى طي الموضوع، لصالح إجراء تعديلات محددة على الحكومة الحالية طالت أربعة وزراء، وأغلق الملف. وكأن القضية كانت تقنية، ليست إلا، تتعلق بمدى الانسجام بين رئيس الحكومة ووزرائه، ومدى الانسجام بين بعض الوزراء وبعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، أو كأن القضية كانت ارضاء هذا أو ذاك، وادخاله جنة الحكومة ونعيمها.
علماً أن الأجواء السياسية الواضحة والصريحة، كانت تؤشر إلى أن مثل هذه الخطوة، إن هي جرت، سوف تقود إلى تعميق الانقسام، [وتعميق الانقسام هنا تجاوز حدوده الكمية لينتقل إلى صيغة انقسامية جديدة تمهد للانفصال].
فالمسألة لم تكن مسألة من يتولى رئاسة الحكومة، كما أنها لم تكن مسألة من يدخل الوزارة أو يخرج منها. المسألة كانت بالتحديد، تشكيل حكومة جديدة، بدلاً من حكومة الحمدلله الفاشلة، كي تحمل على عاتقها مشروع إعادة توحيد الحالة الفلسطينية، لتتمكن بكل قواها وعناصرها من مواجهة التحديات والاستحقاقات القادمة علينا، إن في صيغة المبادرة الفرنسية، أو في الصيغة الأميركية لاستئناف المفاوضات، أو في السياسات الجديدة الواجب اتباعها، كما قررها المجلس المركزي في دورته الأخيرة، بما في ذلك وقف التنسيق الأمني، وتطوير المقاطعة، ومحاكمة الاستيطان وتدويل قضية الأسرى، وضمان حق اللاجئين في العودة إلى الديار والممتلكات، وصون عروبة القدس ووقف عمليات تهويدها،.. أو في اجهاض المشروع الإسرائيلي، الذي سمسر له توني بلير، مبعوث الرباعية طويلاً لفصل القطاع عن الضفة.
وبالتالي، وعلى قاعدة هذا كله، يتضح أن التعديل الحكومي، خطوة لم تستجب لمستوى المصلحة الوطنية، ولم ترتقِ لمستوى الضرورة الوطنية، وما هي إلا خطوة صغيرة وصغيرة جداً، فضلاً عن كونها لن تنهض بالعمل الحكومي، فهي، من جانب آخر، خطوة خطيرة وخطيرة جداً، سوف توفر الذرائع للتيارات الانقسامية، هنا وهناك، لتتغول أكثر فأكثر، وللأطراف الإقليمية للتدخل أكثر فأكثر في الحالة الفلسطينية والعبث بعناصر القضية الوطنية، وللطرف الإسرائيلي، للاستهتار أكثر فأكثر بالمشروع الوطني الفلسطيني، وللشارع ليغرق نحو المزيد من اليأس من إمكانية خروج الحالة الفلسطينية من دائرة الفراغ والمراوحة في المكان.
* * *
السياسة لا تبنى على الهواجس. ولا تبنى على الأهواء. ولا تبنى على الرغبات. السياسة، والسياسة الوطنية خاصة، تبنى على الوقائع الدامغة وبما يخدم المصالح الوطنية تحديداً. الحكومة الجديدة، بتعديلها الطفيف، لا تخدم المصلحة الوطنية.
وعلى الذين يعطلون إدارة الحوار الوطني أن يتوقفوا عن هذا التعطيل. وعلى الذين يعطلون اجتماع الإطار القيادي المؤقت أن يتوقفوا عن هذا التعطيل. وعلى الذين حولوا قضايا الحالة الوطنية، اليومية، إلى ملفات إدارية تعالج بالأهواء والشكوك وردود الفعل، عليهم التراجع عن هذه السياسة، وعليهم اتباع سياسة جديدة، تنظر إلى الحالة الفلسطينية نظرة فاحصة، تدرك مدى خطورة التطورات الإقليمية التي تحيط بنا، والتي تنعكس بسلبياتها الواسعة على الحقوق الوطنية وعلى مستقبل القضية.
بات من الضروري التوقف عن الرهانات الفاشلة والعبثية والعقيمة والعودة للرهان على العامل الفلسطيني، الذي أبدع في صموده البطولي في القطاع، في مواجهة عدوان «الجرف الصامد»، والذي أبدع في الصمود في وجه الاحتلال والاستيطان، وفي مقاطعة الانتخابات الإسرائيلية، وتنظيم حملات التضامن مع الأسرى، العامل الفلسطيني يتمثل في وحدة الحالة الفلسطينية وفي وحدة البرنامج الوطني الفلسطيني، وفي وصون وحدة الحقوق الوطنية الفلسطينية وصون وحدة الأطر القيادية الفلسطينية وتعزيز أواصر الثبات والقوة في م.ت،ف، باعتبارها الجبهة الوطنية المتحدة للشعب الفلسطيني وقواه السياسية. العامل الفلسطيني معناه التوقف عن تهميش هيئات م.ت.ف، وفي مقدمها اللجنة التنفيذية، والتوقف عن تمييع قرارات المجلس المركزي؛ وعن تهميش الحركة الشعبية الصاعدة ومحاصرتها بالأجهزة وبإجراءات التنسيق الأمني.
الحالة الفلسطينية عند مفترق طرق. حذار من الطريق الخاطئ.