واشنطن تدرس فرض حظر تصدير على موسكو إذا غزت أوكرانيا
هددت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، باستخدام ضوابط جديدة للرقابة على الصادرات، لاستهداف الصناعات الاستراتيجية الروسية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والفضاء الجوي المدني، إذا غزت موسكو أوكرانيا، كما أوردت صحيفة "واشنطن بوست".
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين، أن إدارة بايدن قد تقرر أيضاً تطبيق هذه الضوابط على نطاق أوسع، بشكل قد يحرم الروس من هواتف ذكية، وحواسيب لوحية وأجهزة لألعاب الفيديو.
واعتبرت أن هذه الإجراءات توسّع العقوبات الأميركية، لتتجاوز الأهداف المالية، لتشمل سلاحاً لم يُستخدم سوى مرة فقط، حين تم تقويض عمليات شركة "هواوي" الصينية العملاقة للتكنولوجيا.
وتابعت الصحيفة أن هذا السلاح، المعروف باسم "قاعدة المنتج الأجنبي المباشر"، ساهم في أول تراجع للإيرادات السنوية للشركة الصينية، بلغ نحو 30% خلال العام الماضي.
"عملية خنق بطيئة"
وتكمن جاذبية استخدام هذه القاعدة في أن كل جهاز إلكتروني تقريباً بات يحوي على أشباه موصلات، وهي المكوّنات الدقيقة التي تعتمد عليها التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الهواتف الذكية والطائرات والحواسيب الكمومية، علماً أنه لا يكاد يوجد شبه موصل في طائرة، ليس مصنوعاً بأدوات أميركية، أو مصمّماً من خلال برمجيات بالولايات المتحدة.
وقد تحاول إدارة بايدن إرغام شركات في دول أخرى على وقف تصدير هذا النوع من السلع إلى روسيا، بموجب هذه القاعدة، وفق "واشنطن بوست".
ونقلت الصحيفة عن دان وانج، وهو محلل للتكنولوجيا في شركة "جافيكال دراجونوميكس" الصينية للأبحاث، قوله في إشارة إلى "هواوي" إن "هذه بمثابة عملية خنق بطيئة تنفذها الحكومة الأميركية"، إذ قطع هذا الحظر إمدادات الشركة من الرقائق الدقيقة الضرورية للصناعات التكنولوجية، التي كانت تُصنع خارج الولايات المتحدة، ولكن بأدوات وبرمجيات أميركية.
كبح نموّ الاقتصاد الروسي
وذكر مسؤولون في واشنطن إلى أنهم يعملون الآن مع حلفاء أوروبيين وآسيويين، من أجل صياغة نسخة من هذه القاعدة، تستهدف منع وصول هذه المكوّنات بالغة الأهمية إلى صناعات تكنولوجية يعلّق عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين آمالاً كبيرة، مثل الملاحة الجوية المدنية، والملاحة البحرية، والتكنولوجيا المعقدة.
وقال مسؤول بارز في إدارة بايدن: "تكمن قوة هذه الضوابط التصديرية في أننا نستطيع أن نُضعف هذه القطاعات كي تضمر قدراتها، وتصبح عاجزة عن أن تشكّل مصدراً رئيساً لنموّ الاقتصاد الروسي".
لكن الجهود المبذولة لفرض هذه الضوابط قد تواجه معارضة من مصالح تجارية لشركات أميركية وأوروبية، تخشى انتقاماً روسياً في قطاعات أخرى، وأن تُقدم شركات من خارج الولايات المتحدة على محاولة محاكاة التكنولوجيا الأميركية من خلال منتجاتها الخاصة.
وأشار روبرت أتكينسون، رئيس "مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار"، وهو مركز أبحاث، إلى أن لهذه القاعدة "ما يشبه القوة السحرية، إذ يمكنك استخدامها مرات قبل أن يضعف تأثيرها".
وتابع: "ستقول دول أخرى: تهيمن الولايات المتحدة علينا بشكل كامل. من الأفضل أن نجد بدائل".
أشباه الموصلات
ونقلت "واشنطن بوست" عن محللين، أن روسيا معرّضة للخطر، لأنها لا تنتج إلكترونيات استهلاكية أو شرائح إلكترونية بكميات ضخمة، لا سيّما أحدث أنواع أشباه الموصلات اللازمة للحوسبة المتقدّمة، وهذه الصناعة تهيمن عليها تايوان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وأوروبا واليابان.

ولفت ويل هانت وهو محلل بـ"مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة" التابع لجامعة جورج تاون، إلى أن منع روسيا من استيراد الشرائح الإلكترونية "سيمسّ حتماً طموحات القيادة الروسية، المتعلّقة بصناعات التكنولوجيا الفائقة، سواء في الذكاء الاصطناعي أو الحوسبة الكمومية".
وأوضح مسؤولون أميركيون أن إدارة بايدن لم تقرر بعد ما إذا كانت ستقصر الرقابة على الصادرات في القطاعات الاستراتيجية، أو ستوسعها لتشمل الأجهزة المستخدمة في الحياة اليومية.
لكن بول تريولو مسؤول سياسات التكنولوجيا بشركة "أوراسيا جروب" المتخصّصة في استشارات الأخطار السياسية، اعتبر أن ذلك سيشكّل، في كلتا الحالتين، "تسليحاً لسلسلة إمدادات أشباه الموصلات الأميركية ضد دولة بأكملها".
رفع التضخم وتراجع الروبل
وأشار خبراء إلى أن اقتران العقوبات المالية بضوابط التصدير سيلحق أضراراً فورية، وأخرى على المدى البعيد، بالقطاع الصناعي الروسي. وستكون المصارف الروسية التي قد تطالها عقوبات مالية أكبر المتأثرين، إضافة إلى شركات الملاحة الجوية المدنية والبحرية والتكنولوجيا الناشئة.
ويرجّح الخبراء أن تؤدي العقوبات المصرفية إلى رفع معدلات التضخم في روسيا، وتراجع قيمة الروبل، فيما سيتعزّز تأثير الضوابط المفروضة على الصادرات بمرور الوقت، عندما يبدأ التأثير التراكمي لوقف الشركات مبيعاتها لروسيا، في الإضرار بالإنتاج الصناعي.

وقال كيفن وولف، وهو مسؤول بارز سابق بوزارة التجارة الأميركية، ترأّس الوكالة المسؤولة عن تنفيذ الرقابة على التصدير: "إذا تمثّل الهدف في فرض تكاليف قاسية وباهظة على الاقتصاد الروسي، فإن الجمع بين العقوبات على كبرى المصارف الروسية وضوابط التصدير، لا شكّ سيمضي بعيداً في هذا الاتجاه".
ورجّح محللون أن ترتفع أسعار الإلكترونيات الاستهلاكية في روسيا، في حال تطبيق هذه القيود على نطاق واسع.
"تأثير مدمّر" على الجيش الروسي
وذكرت "واشنطن بوست"، أن الإدارة الأميركية لا تستبعد فرض حظر تصدير على روسيا، مشابه لذاك المفروض على إيران وكوبا وسوريا وكوريا الشمالية، ورجّح خبراء أن يشمل الإلكترونيات الأساسية، وقطع غيار الطائرات، وأجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية، والبرمجيات.
لكن الصادرات الأميركية إلى روسيا ضئيلة نسبياً في هذه القطاعات، وسيكون تأثير هذا الإجراء محدوداً، إن لم تفرض دول أخرى حظراً مشابهاً خاصاً بها.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول بالسفارة الألمانية لدى واشنطن قوله إن بلاده وهي أبرز شريك تجاري لروسيا في أوروبا الغربية وتعتمد بشكل كبير على إمداداتها من الطاقة، تجري نقاشات مكثفة مع الولايات المتحدة بشأن العقوبات التي يمكن فرضها على موسكو.
وذكر كوستاس تيجكوس، خبير الإلكترونيات بمجموعة "جينس جروب" البريطانية، التي تقدّم معلومات استخباراتية دفاعية، أن الاستخدام المُستهدَف لقاعدة المنتج الأجنبي المباشر قد يشكّل ضربة للجيش الروسي الذي يعتمد على نوع من الشرائح الإلكترونية يُسمّى "إلبروس"، يُصمّم في روسيا ولكنه يُصنّع في تايوان لدى شركة "تي إس إم سي".
ونبّه إلى "تأثير مدمّر" على الجيش الروسي، إذا منعت واشنطن "تي إس إم سي" من تزويد موسكو بهذه الشرائح، كما فعلت سابقاً مع "هواوي".
وأعلنت الشركة التايوانية أنها "تمتثل لكل القوانين والقواعد التنظيمية المعمول بها"، مضيفة أن لديها "منظومة دقيقة جداً لمراقبة الصادرات، من أجل ضمان تنفيذ قيود الرقابة على الصادرات".

ورجّح محللون أن تمتثل الشركات الغربية متعددة الجنسيات لضوابط التصدير، علماً أن كل الشركات الأميركية المصنّعة للشرائح الإلكترونية تضمّن عقودها بنوداً تلزم عملاءها باتباع قواعد التصدير الأميركية.
كذلك يمكن للولايات المتحدة أن تفرض الامتثال لهذه القواعد، من خلال إدراج أي شركة مخالفة للقانون على "لائحة كيانات وزارة التجارة"، وهي قائمة سوداء تضمّ شركات يُحظر على الشركات الأميركية بيعها تكنولوجيا.
حبل نجاة صيني لموسكو؟
لكن مسؤولين حكوميين روساً قلّلوا من شأن التأثير المحتمل لهذه العقوبات، إذ أقرّت مجموعة "روستيك" لصناعة الدفاع والتكنولوجيا، المملوكة للدولة الروسية، باستخدام بعض المكوّنات الأجنبية في منتجات مدنية، مستدركة أن روسيا بدأت بالاعتماد على نفسها في إنتاج مكوّنات كثيرة.
واعتبرت الشركة أن "احتمال فرض عقوبات إضافية سيمسّ بالأساس مصالح الشركات الأميركية العاملة في مجال التصدير"، وتابعت: "تدبّرنا أمرنا، وسنفعل ذلك مرة أخرى، إن لم يكن فوراً، فبأقصى سرعة، وأثبتنا قدرتنا على ذلك في أكثر من مناسبة".
وقد تتيح بكين لموسكو الإفلات من هذه العقوبات، إذ أفاد "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي"، بأن الصين أمّنت في عام 2020 نحو 70% من واردات روسيا من أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية.
وشدد ناطق باسم السفارة الصينية في واشنطن على أن بكين "تعارض دوماً العقوبات الأحادية، وما يُسمّى بولاية الذراع الطولى على دول أخرى بموجب قوانين محلية".