:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/6144

تحركات أوروبية إقليمية في الأفق؟!

2015-08-04

هل نحتاج إلى مبادرات أوروبية وإقليمية لإحياء العملية التفاوضية، أم أننا نحتاج إلى تحرير قرارات المجلس المركزي من هيمنة «المطبخ» وتفرده؟
يبدو أن الدوائر السياسية الغربية، بعد أن اطمأنت إلى النتائج التي توصلت إليها مع طهران بشأن الملف النووي، تنوي الآن، التوجه مجدداً نحو القضية الفلسطينية بمبادرة سياسية جديدة، هدفها إحياء المفاوضات بين تل أبيب ورام الله.
فقد أكدت الأنباء أن فيديريكا موغيريني، مفوضة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي تنوي، كما قالت، البناء على ما حققته اللجنة الرباعية، وتشكيل إطار جديد موسع، يأخذ على عاتقه استئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية.
المشروع الأوروبي، يستند إلى اللجنة الرباعية (الميتة سريرياً) وإعادة إحيائها عبر ضم «أطراف أوروبية فاعلة» كإيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وممثلين عن الجامعة العربية، كمصر، والأردن، والسعودية،
وربما الأمين العام نبيل العربي. ولم يفت الدوائر الأوروبية وهي تشير إلى «مبادرة» موغيريني، أن تؤكد على حق الفلسطينيين في دولة مستقلة «ديمقراطية»، وأن تنتقد الاستيطان الإسرائيلي باعتباره يعيق العملية السياسية ويعطل إمكانية الوصول إلى اتفاق، كما يعطل قيام دولة فلسطينية، متواصلة، وقابلة للحياة.
في الوقت نفسه، كشفت القناة الإسرائيلية الأولى عن لقاءات سرية انعقدت (وتنعقد) في عمان، بين عضو اللجنة التنفيذية ورئيس دائرة المفاوضات فيها صائب عريقات، وبين ممثل نتنياهو، مسؤول ملف المفاوضات مع الفلسطينيين سيلفان شالوم. وقالت القناة إن الطرفين بحثا ضرورة بذل الجهود المشتركة، من أجل تهدئة الأوضاع في الضفة الفلسطينية، بعدما أخذ التوتر يجتاح مناطقها المختلفة. وبعدما باتت ظاهرة اصطياد الجيش الإسرائيلي للشبان الفلسطينيين ظاهرة «عادية» تهدد بانفجارات هنا وهناك.
وإلى جانب هذا وذاك، أكد الرئيس محمود عباس، في أكثر من تصريح له استعداده لالتقاط أية فرصة لاستئناف المفاوضات، مشدداً على أن خيار التفاوض سيبقى خياره، وأنه حريص أن يعطي الفرصة لكل المبادرات الهادفة إلى إحياء المفاوضات.
* * *
هذه التحركات، تشكل دون شك، مقدمة لمرحلة جديدة، تحاول الولايات المتحدة الأميركية، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، إدخال الحالة الفلسطينية فيها، لتحقيق مجموعة أهداف، تكتيكية محدودة الأثر، في الوضع الفلسطيني، لكن ذات نتائج سلبية على المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا من هذه الأهداف:
ملء الفراغ الذي تعيشه العملية السياسية، وإعادة الحياة إليها بعدما كادت أن تلفظ أنفاسها، في ظل التعنت الإسرائيلي، وانسداد المحاولات الأميركية في إدارة الأزمة.
تجاوز حالة التوتر بين الجانبين الأميركي الإسرائيلي، فيحل الوسيط الأوروبي بدلاً من الوسيط الأميركي, لكن في مشهد يشبه مشهد المفاوضات مع إيران: الواجهة للاتحاد الأوروبي، ممثلاً بالسيدة موغيريني، والقرار الفعلي لجون كيري وفريق وزارة الخارجية الأميركية.
صحيح، قد يرافق هذه التحركات تصريحات ودعوات لوقف الاستيطان، ربما انتقاده، ربما ادانته، باعتباره تعطيلاً للعملية السياسية ومعيقاً للوصول إلى حل، لكن هذه الدعوات والتصريحات والانتقادات، ليست مرشحة لأن ترقى إلى مستوى الضغط الكفيل بإرغام الجانب الإسرائيلي على وقف مشاريعه الاستيطانية بما في ذلك جدار الفصل والضم العنصري، مما سيحول هذا التحرك إلى فرصة جديدة تشكل غطاء (مجدداً) لاستكمال المشاريع الاستيطانية في القدس وأنحاء الضفة.
الأخطر في هذا كله أن مثل هذه التحركات، لا تهدف فقط إلى ملء الفراغ، واستئناف المفاوضات، بل، وفي السياق نفسه، ستقود إلى قطع الطريق على السياسات الفلسطينية الجديدة كما أقرها المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورته الأخيرة في آذار(مارس) الماضي، في تدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، وتطوير المقاومة الشعبية بما في ذلك وقف التنسيق الأمني، والمقاطعة الشاملة للاقتصاد الإسرائيلي، على طريق الانفكاك عن الاحتلال، وخوض معركة الاستقلال، وبناء الاقتصاد الوطني، واستعادة الوحدة الداخلية وإنهاء الانقسام.
* * *
التحرك الأوروبي، كما كشفت عنه موغيريني، سيشهد ذروته، كما يتوقع المراقبون، في الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة، في أيلول القادم، بحيث يحاط هذا التحرك برعاية دولية، تعطيه زخماً دعاوياً وإعلامياً، وسياسياً، دون أن توفر الأرضية الحقيقة لعملية تفاوضية متوازنة، من متطلباتها وقف الاستيطان، واعتماد قرارات الشرعية الدولية مرجعية، وإطلاق سراح الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى، وكذلك إطلاق سراح الأسرى المحررين في صفقة شاليت، والذين أعيد اعتقالهم في إجراءات إسرائيلية قهرية. ولأن توفير هذه المتطلبات كما أثبتت التجارب، باتت مستحيلة مع حكومة اليمين واليمين المتطرف في تل أبيب، وفي ظل ميزان قوى مختل بشكل فاقع للجانب الإسرائيلي، فإن الحديث عن العودة إلى طاولة المفاوضات يدخل في باب العبث السياسي، وفي باب هدر الوقت، وفي باب الانفصال عن الواقع، والهروب نحو حلول وهمية، ونحو عمليات سياسية عبثية، نتائجها الوحيدة أنها تشكل خدمة مجانية لدولة الاحتلال.
هل تتخذ اللجنة التنفيذية في م.ت.ف. قراراً بالعودة إلى المفاوضات، بعدما طوى المجلس المركزي صفحتها في دورته الأخيرة؟
هل يدعى المجلس المركزي لدورة جديدة، بعد أن تتبلور المبادرة الأوروبية، للانقلاب على نفسه، والانقلاب على قرارات دورة آذار (مارس) الماضي، لصالح تلبية رغبة «المطبخ» في العودة إلى المفاوضات العبثية؟
مما لا شك فيه أننا أمام مرحلة سياسية جديدة، شديدة التعقيد، قد تشهد الحالة الفلسطينية فيها تحركات فوضوية، تتجاوز قرارات المؤسسة الشرعية، وتدخلات إقليمية ضاغطة. وسوف نجد أنفسنا بين سياستين، واحدة تدعو للتمسك بالقديم، الذي لم يعد علينا سوى بالكوارث، والثانية تدعو للعمل بالجديد، كما أقره المجلس المركزي، والذي ما زال حبيساً في الأدراج، تعطل تنفيذه سياسات «المطبخ»،
ترى ما هو رأي الشارع الفلسطيني في هذا كله؟!