100 يوم على إجراءات الجيش.. كيف يبدو المشهد السياسي في السودان؟
بعد مرور 100 يوم على الإجراءات التي اتخذها الجيش السوداني لحل مجلسي السيادة والوزراء وتشكيل مجلسين جديدين، لا يزال مستقبل الحل السياسي غامضاً، في ظل استمرار الاحتجاجات ضد ما يعتبره المتظاهرون من الشارع السوداني والأحزاب السياسية، هيمنة عسكرية على الحياة السياسية.
وفي آخر تصريحاته عن الأزمة، قال قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان: "لن نسلم السلطة إلا لمن يأتي عبر الانتخابات أو الوفاق السياسي"، في إشارة إلى قابلية الوضع الحالي للاستمرار، على الرغم من تأكيد المكون العسكري أنه منفتح على الحوار مع جميع المكونات السياسية.
ومنذ إجراءات الجيش في 25 أكتوبر الماضي، تدخَّلت لحل الأزمة السياسية أطراف محلية ودولية، كما لم تتوقف دعوات التهدئة، كما شهد السودان طوال الفترة السابقة زيارات دبلوماسية مكثفة من الدول العربية والإفريقية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
مبادرة الأمم المتحدة
وفي ظل حالة الاحتقان السياسي، بدا أن الوضع يتطلب مبادرة مركزية لحل الأزمة، ومن هنا طرح رئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة الحكومة الانتقالية، فولكر بيرتس، في 8 يناير الماضي مبادرته للتشاور مع الفرقاء السياسيين في السودان.
وشملت المبادرة التي تقترب من نهايتها جميع الفاعلين السياسيين، بما في ذلك المكون العسكري الذي ذكر في تصريحات لنائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو "حميدتي" أنه وافق على المبادرة الأممية كمسهل، وليس كوسيط بينهم وبين المدنيين.
وبينما يترقب السودانيون إعلان البعثة الأممية الخطوة المقبلة في مبادرتها بعد عملية جمع وجهات النظر من الأطراف، يبدو أنَّ هناك "تباعداً كبيراً" في المواقف بين القوى السياسية بخصوص رؤيتها لحل الأزمة وإنقاذ الفترة الانتقالية.
تباعد المواقف
واعتبر القيادي في حركة جيش تحرير السودان ومجموعة الميثاق الوطني نور الدائم طه، أن الإجراءات التي قام بها قائد القوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر واحدة من مظاهر الأزمة في البلاد.
وقال طه لـ"الشرق" إنه على الرغم من هذه الإجراءات، فإن القوى السياسية لم تأخذ العبرة مما حدث، مضيفاً أنه "على جميع القوى السياسية أن تعمل من أجل التوافق لوقف انهيار البلاد".
وأشار طه إلى أنه بعد مرور 100 يوم، "هناك بارقة أمل تلوح في الأفق، خصوصاً مع دخول وساطات كالاتحاد الإفريقي ومنظمة (إيقاد) لحل الأزمة الراهنة"، لافتاً إلى أن مجموعة ميثاق التوافق الوطني "تدعم جميع الجهود لحل هذه الأزمة، في محاولة للعودة إلى الأسرة الإقليمية والدولية".
ورأى القيادي بحركة جيش تحرير السودان أن هناك تراجعاً في التظاهرات الشعبية والحراك في الشارع بعد مرور 100 يوم على إجراءات الجيش، معتبراً أن العديد من المواطنين صاروا يتعايشون مع المواكب والمليونيات بشكل طبيعي، بحسب تعبيره.
ودعا طه جميع السودانيين إلى التوافق على مشروع وطني وسياسي بشأن كيفية حكم السودان، لافتاً إلى أن "الفرصة الآن مواتية لتجاوز أخطاء الماضي من خلال الحوار".
المسارات الإيجابية
لكن الصورة تبدو أكثر ضبابية عند القيادي في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير نور الدين صلاح الدين.
وقال نور الدين لـ"الشرق" إن "انقلاب قائد الجيش، قطع الطريق أمام جميع المسارات الإيجابية والتحول الديمقراطي المدني"، على حد تعبيره، مشيراً إلى أن كلفة ما وصفه بـ"العملية الانقلابية" كانت عالية على جميع المستويات خصوصاً السياسي والاقتصادي.
وأضاف أن الحكومة الانتقالية السابقة بذلت جهوداً مكثفة لاستكمال مؤسسات الحكم المدني من خلال الاستعداد للعملية الانتخابية عبر إنشاء مفوضية صناعة الدستور، والاستعداد للتعداد السكاني.
وبعد 100 يوم على إجراءات الجيش، اعتبر نور الدين أنَّ السودان "فقد دعم الأسرة الدولية من خلال إيقاف المساعدات الإنسانية والتراجع عن قرارات إعفاء الديون من جميع الدول الدائنة".
كما اعتبر نور الدين أنَّ ملف الحريات تراجع وكذلك حرية التعبير والإعلام، إضافة إلى التضييق على الثوار بالاعتقالات والاعتداءات المتكررة، على حد وصفه.
وخلص القيادي في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إلى أن "الثقة بين المؤسسات المدنية والعسكرية منهارة"، لافتاً إلى أنه بالنظر إلى كون الشراكة (بين المدنيين والعسكر) قامت في وقت سابق على الثقة فإنَّ الأوضاع الراهنة تحتاج إلى إجراءات لإعادة بنائها من جديد.
فرص الحل
من جهته بدا المحلل السياسي عثمان ميرغني أكثر تفاؤلاً، إذ قال لـ"الشرق" إنه منذ اليوم الأول من تدابير الجيش، أصدر البرهان عدداً من القرارات على ضوء الإجراءات التي قام بها، منها إنشاء مجموعة مهام تتمثل في استكمال مؤسسات السلطة المدنية والقضاء، وتشكيل مجلس تشريعي ثوري من الشباب، لكن بعد مضي 100 يوم لم تنفذ هذه القرارات، و"حتى الآن لا يوجد موعد محدَّد لقيام هذه المؤسسات".
لكن ميرغني اعتبر مع ذلك أن "فرص الحل كبيرة، ولكنها تتوقف على الإرادة السياسية لدى السياسيين"، مشيراً إلى أن الخطوة الأولى في الحل هي "وجود مكون مدني متفق على رؤية موحدة للحل. فليس المطلوب الاتفاق على الوسائل، وإنما الاتفاق على الغاية".
واعتبر ميرغني أنه من السهل إخراج المكون العسكري من معادلة الحكم في السودان لأنهم صرحوا بتسليم الحكم لحكومة منتخبة، وهذا بيد المدنيين الذين عليهم الاتفاق وتحديد الهدف، على حد وصفه.
وأوقفت تدابير الجيش في أكتوبر الماضي ترتيبات تقاسم السلطة بين الجيش والمدنيين التي جرى التفاوض عليها في 2019 بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، في انتفاضة شعبية.
وسقط 79 ضحية وأصيب أكثر من 2000 خلال الاحتجاجات. وقالت لجنة أطباء السودان المركزية إن معظم هؤلاء الضحايا سقطوا جراء الإصابة بطلقات نارية والتعرض لقنابل الغاز.
وشهد الوضع السياسي انفراجة بعد توقيع رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، الاتفاق السياسي مع قائد الجيش في نوفمبر الماضي إلا أن استقالة حمدوك بعد نحو شهر من توقيعه الاتفاق، أعاد الأزمة من جديد للواجهة.
ومع استمرار التجاذب بين جميع المكونات في الساحة السياسية، تظل الأزمة على حالها، خصوصاً مع تباعد المواقف الذي يزيد من صعوبة الحل، وارتفاع كُلفة تأجيل الوفاق السياسي في السودان.