:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/6159

تشومسكي وبابي يطالبان أمريكا بمنع إسرائيل من الاستيلاء المنفرد على القدس

2015-08-06

حقق الباحث فرانك بارات انجازا جديدا بعد إنجازه السابق في جمع أستاذين كبيرين في الشأن الفلسطيني ـ الإسرائيلي وفي مجال حقوق الإنسان عموما، هما البروفسوران ناوم تشومسكي وإيلان بابي ليتطرقا ثانية للقضية الفلسطينية ويعرضا مواقفهما وتحليلاتهما وتوقعاتهما للوضع الفلسطيني ومستقبل الشعب الفلسطيني، علما أنهما متعاطفان مع الحق الفلسطيني.

بعد أن جمعهما بارات في عام 2008 ليحققا كتاب "غزة في أزمة: تأملات حول حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين"، فقد نجح ثانية، في الأشهر الماضية، في تحقيق لقاء آخر بينهما في بوسطن في مكتب تشومسكي في جامعة (MIT) الأمريكية أثمر كتابا قيما بعنوان "حول فلسطين" (On Palestine) صدر هذا العام عن دار بنغوين (راندوم هاوس) العريقة.

ومع أن الكتاب يشمل اللقاء بين المفكرين البارزين في بوسطن، فأنه يتضمن فصولا أخرى عن مقالات أو خطابات لهما في منابر عالمية هامة أخرى، علما أن بابي يحاضر في جامعة أكستر البريطانية وفي جامعات أخرى في العالم وتشومسكي مرجع فكري عالمي.

خلاصة ما توصل إليه المفكران في حوارهما هو أن ما يسمى عمليات السلام في فلسطين وإسرائيل يساهم كثيرا في تحقيق السلام في الأرض المحتلة، بل على العكس يؤدي إلى المزيد من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وخصوصا أنه يتم برعاية أمريكية منحازة بحيث تتغاضى أمريكا في كثير من الأحيان، عن استمرار عمليات الاستيطان في فلسطين وتمارس حق النقض (الفيتو) كلما توجه المجتمع الدولي لمعاقبة إسرائيل على أعمالها المخالفة للشرائع الدولية.

ويطرح تشومسكي وبابي في الكتاب ضرورة ممارسة معادلة "المقاطعة والعزل والمعاقبة" ضد إسرائيل، وخصوصا مستوطناتها، أي ما يوازي بالانكليزية حروف (BDS) (Boycott, Divestment, Sanction)، وهذه الممارسة، برأيهما، ستؤدي إلى نشوء ودعم التعاضد والتفاعل العالمي مع الشعب الفلسطيني في العالم. وهي قد تُحرّر النضال الفلسطيني من الدفاع إلى الهجوم الإيجابي، من دون استخدام العنف بالضرورة في كل المناسبات.

ويطرح تشومسكي وبابي التساؤلات حول جدوى حل الدولتين، كما يُطرح حاليا حسب الإملاءات والشروط الإسرائيلية، مما يقلص تدريجيا حقوق الفلسطينيين. ويفضلان حل الدولة الواحدة الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي تتوازى فيها حقوق الإسرائيليين والفلسطينيين، كمواطنين متساوي الحقوق.

ويوجه تشومسكي، أحد كبار المفكرين الأمريكيين المنصفين لفلسطين في هذا القرن وسابقه، وهو من أصل يهودي، نقدا صارخا لسياسة واشنطن في فلسطين مشيرا إلى أنه بأستطاعة أمريكا وقف التجاوزات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، ولكنها لا تفعل ذلك في ظل القيادات الأمريكية المختلفة، وتتقاعس عن القيام بدورها الإنساني الذي تنادي العالم لأن يمارسه في شتى القضايا.

مقاطعة إسرائيل وعزلها تعني، حسب المفكرين الاثنين مقاطعة البضائع التي تنتجها المستوطنات الإسرائيلية، وعزل إسرائيل وتجريدها من الشرعية وتطبيق قرارات المحاكم الجنائية والعدلية الدولية عليها وضد قادتها لدى ممارستهم وتشجيعهم قتل الأبرياء الفلسطينيين تذرعا بأنها تقاوم الإرهاب بينما هي تمارسه باستمرار والكف عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، كلما نوقش قرار بمعاقبة إسرائيل، خصوصا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية.

ويتهم تشومسكي قيادة إسرائيل الحالية، بممارسة كل ما في استطاعتها لفصل غزة عن الضفة الغربية لأن غزة هي مفتاح الدولة الفلسطينية إلى العالم، اتي يُفترض حسب اتفاقيات أوسلو أن تضم الضفة الغربية وغزة.

وبالتالي، فإن هذا الفصل يحول دون قدرة الضفة الغربية على ممارسة نشاطاتها كدولة محاصرة ومن دون منفذ إلى البحر، وبالتالي تتحول الضفة إلى شبه دولة مسجونة بين دولتي إسرائيل والأردن. وفي هذا الوضع، تستمر إسرائيل في ممارسة الاستيطان في القدس ووادي الأردن وطرد الفلسطينيين من هذه الأراضي.

وينتقد تشومسكي بشدة هذا التوجه الإسرائيلي واستمرار الدولة الإسرائيلية في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية للتوصل إلى نشوء كيان فلسطيني مبتور في غربي الأردن، منفصل عن غزة. ويشجب ترحيب بعض الفلسطينيين بهذه الدولة التي ستستمر إسرائيل، خلال نشوئها باقتطاع الأراضي ذات القيمة في الضفة الغربية وطرد الفلسطينيين من هذه الأراضي. وهذه المناطق التي ستُضَم إلى إسرائيل، برأيه، ستشمل مناطق من القدس الكبرى ومن الأراضي التي فصلها جدار الفصل العنصري عن المناطق الفلسطينية الأخرى ومعظم وادي الأردن. وفي هذا الوقت، سيستمر الحصار القاسي لغزة وعزلها عن الضفة الغربية. كما سيُضَم الجولان السوري بالإضافة إلى مدينة القدس، إلى اسرائيل، خلافا لقرارات مجلس الأمن الدولي، لتصبحا جزءا من إسرائيل الكبرى. وسيعيش سكان الضفة الغربية في كانتونات مشتتة وغير متواصلة مع محيطها.

ويُصعّدُ تشومسكي حملته قائلا: "ان إسرائيل كغيرها من الدول في عالمنا تستخدم الأمن كحجة لعملياتها العدوانية والعنيفة. ولكن الإسرائيليين واليهود الأكثر وعيا يدركون صحة ما قاله عيزر وايزمان (رئيس جمهورية إسرائيل السابق) بأن المشكلة الأمنية ما كانت لتوجد لو استجابت إسرائيل لدعوة الأمم المتحدة بالانسحاب من كل الأراضي التي احتلتها بالقوة في عام 1967". ويضيف قائلا: "ان الاستيلاء الصهيوني الكولونيالي على فلسطين استخدم مبدأ فرض الوقائع على الأرض التي قبل بها العالم. وهذا الأمر سيستمر طالما تدعم الولايات المتحدة هذا الموقف وتوفر لإسرائيل الدعم العسكري والاقتصادي والديبلوماسي والأيديولوجي. وعلى الحريصين على حقوق الفلسطينيين المقموعين في العالم العمل على تغيير السياسات الأمريكية تجاه إسرائيل". (ص 192)

وفي خطاب ألقاه تشومسكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية العام الماضي، أكد المواقف التي وردت في هذا الكتاب. وقد ورد هذا الخطاب في الفصل 12 من كتاب "حول فلسطين" المراجع هنا.

قال في الخطاب، حسب الكتاب، أن أمريكا مارست حق النقض (الفيتو) في شباط (فبراير) 2011 ضد قرار بتطبيق مواقفها المعارضة لتوسيع المستوطنات في إسرائيل. وأضاف أنه كلما استجابت منظمة "حماس" لاتفاقيات وقف إطلاق النار مع إسرائيل، تفتعل إسرائيل مشكلة أمنية وتستخدمها كذريعة للعودة لقصف غزة عسكريا وقتل سكانها. كما أشار إلى أن اتفاقيات أوسلو أكدت وحدة أراضي غزة والضفة الغربية، منذ عشرين عاما، ولكن إسرائيل وأمريكا فعلتا كل ما في وسعهما لفصل هاتين المنطقتين الفلسطينيتين عن بعضهما، خلافا لما ورد في أوسلو، لأن غزة هي المنفذ الوحيد للدولة الفلسطينية إلى العالم ولأن الضفة يجب أن تبقى برأيهما مسجونة بين الأردن وإسرائيل (كما ذكر سابقا)، كما أشار في خطابه إلى إحباط إسرائيل وأمريكا للرغبات الديمقراطية للشعب الفلسطيني في انتخابات عام 2006 ومعاقبتهما الشعب الفلسطيني على خياراته، وساندهما الاتحاد الأوروبي في هذا الموقف. كما عوقبت غزة على إدارة شؤونها بنفسها في عام 2007، وهوجمت عسكريا في العام التالي. وتكرر الهجوم عليها في نيسان (أبريل) 2014 عندما وقعّت "حماس" والسلطة الفلسطينية اتفاقا للتعاون في حكومة وحدة وطنية فلسطينية، والسبب، حسب تشومسكي، أن سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية (وربما ما سبقها) الإبقاء على فصل الضفة الغربية عن غزة لعدم السماح بنشوء دولة فلسطينية قادرة على البقاء والانفتاح نحو العالم.

ويستنتج تشومسكي في خطابه في الأمم المتحدة أن الحل الواقعي للقضية الفلسطينية إذا استمرت إسرائيل في ممارساتها الحالية، واستمر الدعم الأمريكي لهذه الممارسات، وإذا حدث ما نراه يوميا ولم يعد سرا على أحد، أن إسرائيل ستحتل القدس، أو ما يوازي خمسة اضعاف القدس التاريخية، ما يعني أيضا أحتلال منطقة كبيرة من الضفة الغربية تشمل عددا كبيرا من البلدات العربية يجري تفريغها حاليا وفرض المستوطنين عليها، فهذا الأمر يبشر بالمزيد من المواجهات والحروب لأنه يخالف الشرائع الدولية وقرارات مجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية. ويقول أنه من المؤسف أن الولايات المتحدة قد صوتت في عام 1968 ضد أي أنشاء للمستوطنات في منطقة القدس قد يغير معالم هذه المدينة، ومع ذلك تقوم إسرائيل بإنشاء القدس الكبرى أمام أعين العالم المغمضة، كما يتم الاستيلاء على وادي الأردن وأراضيه الزراعية فيه.

ولدى سؤال تشومسكي عن رأيه في مصير سورية بعد الأحداث التي جرت فيها في السنوات الأربع الماضية، قال ان سورية تتجه نحو الانتحار. وقد يجري تقسيم سورية في وقت تكتفي فيه إسرائيل بمراقبة الأحداث هناك براحة.

أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وموقفها من الوضع في سورية، فقال تشومسكي في الكتاب انها ليست مهتمة بالفعل بتحقيق اي نتيجة سريعة وفاعلة وواضحة هناك. ويبدو، حسب رأيه، أن إسرائيل وأمريكا لا يهمهما إذا استمرت الأوضاع في سورية على ما هي عليه الآن لوقت طويل.

وينتقد تشومسكي الانتقائية في المبدأ الذي تستخدمه الدول الكبرى والمسمى "مسؤولية الحماية" بحيث تقرر حماية مجموعات وشعوب عندما تدرك أن مصالحها تقتضي ذلك، وتتقاعس عن فعل ذلك في مناسبات أخرى. ويقول بأنه ينطبق على الوضع السوري وانطبق سابقا على الوضع في العراق وفي أماكن أخرى من العالم. كما ينتقد تشومسكي المبدأ الذي فُرضَ على العالم بأنه يحق للولايات المتحدة أو لحلف شمال الأطلسي (الناتو) التدخل عسكريا واستخدام العنف، حيث رغبا بالقيام بذلك من دون تفويض من مجلس الأمن.كما جاء في تقرير لصحيفة " القدس العربي" اللندنية اعده "سمير ناصيف"