الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة تفاضل من قرطبة بين فلسطين والأندلس
الناصرة : «في زيارتي هذه الأيام لبلاد الأندلس، تجولت في أزقة إشبيلية وقرطبة وغرناطة وبين معالمها الإسلامية والعربية العريقة. هذه المدن الشاهدة على عصر سمو وعلو الفكر الإنساني والتقدم العلمي والأدبي والفلسفي في كافة المجالات من الرياضيات والكيمياء الى علوم الفلك وعلوم الطب وعلوم الاجتماع، والنفس، والفنون والشعر. هذه الفترة الشاهدة على التلاقي الإنساني الجميل بمختلف دياناته ومعتقداته، بعيدا عن الجهل والتعصب والتخلف الذي كانت تقبع فيه أوروبا حينها، والذي نقبع فيه جميعا الآن».
وعن تجربتها الأولى هناك ورغم الاختلاف الأساسي بين وطن عربي وبين منطقة احتلها العرب تقول الفنانة الفلسطينية إنها أول ما شعرت به هو هذا التشابه الكبير بين ما حدث للعرب في الأندلس وما حدث ويحدث الآن في فلسطين.
وتعلل المقارنة بالقول إنه إلى جانب التشابه في حالة الفلسطينيين المبكية، تفرقهم وانغماسهم في الملذات، قد وجدت التشابه أيضا في طريقة الاحتلالات المختلفة في كيفية محوها للحقيقة وتشويهها ونسبها إليها.
وتضيف «نرى عدة معالم عربية بنيت في العهد الإسلامي، يتم نسبها إلى ملوك إسبان أتوا ونهبوا كل ما بناه العرب من بنيان وفكر وعلوم ونسبوها لهم زورا وبهتانا، تقليلا لأهمية الدور الذي قامت به الأندلس العربية في بناء المكان والانسان».
موضحة أن هذا ما جرى ويجري الآن في فلسطين حيث يتم تشويه الرواية الأصلية وسرقة المكان والإنسان والموروث من لباس وطعام وموسيقى. وتنوه دلال أبو آمنة أن الاحتلال لغةً هو الاستيلاء على الأراضي غزوا وقهرا وتدميرا، وتشويها للتاريخ ونسبه للأقوى ليحلّ مكان الأضعف، وهو ما قامت وتقوم به الجماعات الصهيونية عندما احتلت فلسطين، وهو كذلك ما قامت به الممالك الإسبانية الشمالية لبلاد الأندلس عندما نهبوا ودمروا وانتحلوا علوما وفكرا ونسبوها لأنفسهم دون ذكر دور العرب فيها».
الكشف عن الحقيقة
وترى أنه طالما كانت من الطبيعة البشرية التنازع على الأراضي والاقتتال من أجل الحيز المكاني والمادي، لكن الفرق كبير بين من يأتي ليستعمر وليعمّر دون أن يفرق أو يميز بين الناس على أساس العنصر والدين، كما قام العرب في الأندلس، وبين من يشوّه حضارة وحقيقة ويفرض منهجا دينيا واحدا، يقتل ويطرد من لا يتبعه، كما فعل الملوك الإسبان والصهاينة عندما استولوا على الأندلس وفلسطين. كما توضح أنها ستتحدث لاحقا عن لقاء بأحد الباحثين الإسبان في مجال التاريخ والحقوق الإنسانية، وهو أحد هؤلاء الذين يكافحون من أجل كشف الحقيقة وإعادة المكانة للعرب في دورهم في بناء اسبانيا اليوم بل وأوروبا بالكامل، وبإعطاء لكل ذي حق حقه ونسب التقدم لمن قام به حقا.
وتتابع الفنانة أبو آمنة «ما أشبه اليوم بالأمس، كما هو مكتوب على جدران المعالم الإسلامية في الأندلس: «الله هو العدل». نعم أخطأ العرب عندما ابتعدوا عن الإيمان الحقيقي وتمسكوا بالشكليات، وعندما انغمسوا في الملذات الدنيوية والنزاعات الشخصية وابتعدوا عن التصوف والتزهد وتزكية النفس الذي يحثنا عليه ديننا، لكن مع هذا ليس من العدل أن يسرق الإنسان فكر أخيه الإنسان وأن يدمّر وينهب ويحتل وألا يكتفي بالاستحواذ على المكان إنما أيضا على الفكر وينسبه له لكن أنهي القول كما تقول جدران الأندلس: «ولا غالب إلا الله».
لقاء بسيدة فلسطينية – قرطبية
وخلال تجوالها في ربوع الأندلس التقت الفانة سيدة فلسطينية قرطبية استثنائية، وتقول عنها إنها تقوم بما لم تقم به دول بأكملها. وتضيف «إنها السيدة سلمى التاجي الفاروقي، من مواليد القدس وتنحدر من عائلة فلسطينية تعود جذورها لسيدنا عمر بن الخطاب. السيدة سلمى تقوم منذ سنوات طويلة بالحفاظ على التراث الأندلسي وعلى نقل الصورة الجميلة للحضارة الإسلامية والعربية الأندلسية. منوهة إلى أن هذه السيدة الفلسطينية هي زوجة المفكر والفيلسوف الفرنسي الكبير روجيه جارودي، وقد أخذا كليهما على عاتقهما على مدار أكثر من خمسين عاما القيام ببناء متاحف وترميم أماكن في قرطبة والتعريف بالعلوم والموروثات العربية الإسلامية العريقة.
وتخاطب أبو آمنة من يتواجد في قرطبة وتدعوه لزيارة البيت الأندلسي ومتحف الكيمياء والقلعة الحرة ليعرف الى أين وصلت الفلسفة الإنسانية والعلوم والفنون والتلاقي الإنساني في الأندلس العربية الإسلامية.
وتحاول التاجي الفاروقي هي وأسبان اندلسيون بإعادة الإعتبار لفترة الأندلس، رغم محاولات الإنكار ومحو وتشويه صورة المسلمين والعرب من قبل الممالك الحاكمة منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم.
وتتابع عن تجربتها هذه «استضافتني أنا وعائلتي أرقى وأجمل استضافة، وأقامت لنا عشاء ترحيبيا في مطعمها الأندلسي «صالون الشاي» دعت اليه العديد من الإسبان والفلسطينيين، وغنينا لفلسطين والأندلس وتحدثنا عن الألم الذي نعانيه كفلسطينيين اليوم ونضالنا في فلسطين من أجل الحرية والعودة والإستقلال.
هي سيدة استثنائية بقوتها وايمانها وثقافتها وإتساع رؤيتها وانتمائها الصادق لفعل الخير والعطاء من أجل ما تؤمن به. لقائي بها استثنائي وآمل أن يكون مقدمة لتعارف وتعاون مستقبليين بإذن الله».