ذي أتلانتك: أمين عام الناتو يتوقع حرباً طويلة بأوكرانيا ويعترف بتقدّم الروس في الشرق
لندن – “القدس العربي”:
قال الأمين العام لحلف الناتو يان ستولتنبرغ، في مقابلة مع مجلة “ذي أتلانتك”، إن على الغرب تحضير نفسه لحرب طويلة. وفي المقابلة، التي أجراها معه توم ماكتاغ بمكتبه في بروكسل، أشار إلى أن كييف بحاجة لدعم مستمر، حتى هزيمة الرئيس فلاديمير بوتين وتعزيز دفاع أوروبا، والتأكد ان بوتين لن يسيء تقدير استعداد الناتو مرة أخرى و”الدفاع عن كل شبر” من مناطقه.
وجاءت المقابلة بعد أشهر من فشل الجيش الروسي في السيطرة على أوكرانيا، ولكنه بدأ بتحقيق تقدم تدريجي في الشرق من أوكرانيا. وقال “بالطبع هذا عاطفي”، و”عن الناس الذين يقتلون والمذابح وعن الأطفال والنساء المغتصبات والأطفال الذين يقتلون”. وبالنسبة لستولتنبرغ، فالتعبير عن الغضب مهم لأنه السبب الذي عبأ من خلال الناتو الدعم لأوكرانيا ضد روسيا، النزاع الذي يرى الأمين العام أنه يؤثر على أمن التحالف الدفاعي. ومع أنه لم يعبر عن مشاعره، كما يقول الكاتب، فإنه مع ذلك يؤمن أن أوكرانيا تقاتل من أجل العالم المتحضر والقيم الأساسية والحرية والأرض والسيادة.
ومن المهم والحالة هذه النظر بشكل مستمر لتصرفات روسيا البربرية وعدم نسيانها مع استمرار الحرب، ويقول “في وسط أوروبا لدينا مدن تقصف وهناك ناس، وهم جيراننا يقتلون في الشوارع ويذبحون ويغتصبون” و “من المهم جدا التضامن الذي نريده لوقت طويل”.
ستولتنبرغ: “في وسط أوروبا لدينا مدن تقصف وهناك ناس، وهم جيراننا يقتلون في الشوارع، ويذبحون ويغتصبون” و “من المهم جدا التضامن الذي نريده لوقت طويل”.
وكان جوهر رسالة ستولتنبرغ: على الغرب التمترس في معركة لن تنتهي قريبا، وهي امتحان لا يدور حول القدرات العسكرية ولكن العزيمة. ويعترف ستولتنبرغ بتحقيق الروس تقدم على الأرض في أوكرانيا، وهو واضح في رؤيته أن الحرب لن تنتهي كما عبّر البعض عن أمله باستسلام غير مشروط لطرف كما في الحرب العالمية الثانية، بل وعلى طاولة المفاوضات. إلا أن ستولتنبرغ رفض الدعوات المطالبة بمنح بوتين خروجاً مشرفاً من الحرب، أو حرفه عن المنزلق لحفظ ماء الوجه.
وكان واضحا أن من المهم لأمن أوروبا عدم مكافأة بوتين على عدوانه. ويعد ستولتنبرغ من الأطول خدمة كأمين عام للناتو منذ 40 عاما، وكان من المقرر أن تنتهي فترته في وقت لاحق من العام الحالي، لكنه وافق على خدمة عام آخر لقيادة الحلف، الذي يواجه أكبر تحدياته منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
وبعد توليه منصبه عام 2014، وجد نفسه أمام مهمة لإقناع أكثر الرؤساء الأمريكيين تقلبا وعداء لأوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بقيمة الناتو. وأدت مهارته في التعامل مع دونالد ترامب لنيله احتراما في العواصم الأوروبية التي خشيت أن ينسحب ترامب من الحلف بشكل كامل. إلا أن ميراثه يذهب أبعد من هذا، فبعد تراجع في ميزانيات الدفاع زادت الدول الأعضاء من النفقات، ولديه الآن 40.000 جندي تحت القيادة المباشرة، وزادت الولايات المتحدة من حضورها في أوروبا وتوسع الجزء الشرقي من الناتو.
في وقت قررت فيه فنلندا والسويد التخلي عن حياديتها والانضمام للحلف. وبالطبع فمعظم هذا كان نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن مسؤولي الناتو والسياسيين أثنوا على قيادته. وفي قمة الناتو هذا الشهر سيحاول ستولتنبرغ الإشراف على تغيرات لمواجهة تحديات يفرضها عالم خطير أبعد من التحالف التقليدية. وهو يريد التأكيد على أن “الناتو سيظل أقوى التحالفات في التاريخ طالما ظل قادرا على التكيف”، وأضاف “أنا واثق جدا بأن الحلفاء سيكونوا قادرين على اتخاذ القرارات طالما استمروا بالتكيف”، وهذا يشمل، ولأول مرة في تاريخه، التركيز على التهديد الذي تمثله الصين. ورغم ما فعله الغزو الروسي للناتو من ناحية إنعاش حس الوحدة والهدف والمهمة وتعميق التزام أعضائه، بل وحتى توسيع حدوده، إلا أن هناك تردداً بل وتناقض واضح في جوهر التحالف. ويبدو التوتر واضحا في سياسة الناتو الخارجية من الصين، حيث يحاول التحالف التصارع مع فكرة كونه تحالفا إقليميا في وقت يواجه في العالم المعولم. وعندما ضغط الكاتب على ستولتنبرغ للحديث عن نهاية الحرب في أوكرانيا، بدا وكأنه يراوح بين تطرفين، وهما الظاهران في داخل الناتو، بين الولايات المتحدة، تحديدا، التي تحاول انتهاز فرصة ليس هزيمة روسيا، بل وإضعافه للأبد، والدول الأوروبية في المعظم التي تريد وقف إطلاق النار واعترافا من كييف أنها ستتخلى عن أراض لروسيا لو أريد التوصل لسلام. ويبدو ستولتنبرغ داعما لطريق ثالث متشدد، يناسب صورته على أنه “توني بلير النرويج”، حيث قال: “نعرف أن كل الحروب تنتهي بالتفاوض”، و”لكن ما يجري على طاولة المفاوضات أمر يعتمد على ساحة المعركة. وعلينا التأكد من أن يكون لدى أوكرانيا أقوى وضع ممكن لحق الدفاع عن النفس، وحماية سيادة أمتها، وهو بالضبط ما يقوم حلفاء الناتو بعمله”. وما يعنيه ستولنتبرغ هو أن أي تنازل تقدمه أوكرانيا سيتم بناء على شروطها. وهنا نلاحظ أن الحرب لن تنتهي قريبا، ففي الوقت الذي فشلت فيه روسيا بتحقيق أهدافها الأولية إلا أن لدينا “شيئاً واقعياً”، وهو أنها تحقق تقدما بطيئا في دونباس.
ستولتنبرغ: على الغرب التمترس في معركة لن تنتهي قريبا، وهي امتحان لا يدور حول القدرات العسكرية ولكن العزيمة.
ويرى الأمين العام للناتو أنه من الصعب التكهن باتجاه الحرب، لكن على الغرب أن يكون لديه نفس الالتزام لأوكرانيا مثل التزام بوتين بالحرب. ومن “المهم جدا توفير الدعم وبشكل مستمر لأوكرانيا”، و”لا نستطيع أن نترك بوتين يحصل على مكافأة لعدوانه، وهذا سيهدد أمننا جميعا”. وعليه فلدى الغرب مهمتان أساسيتان، حسب ستولتنبرغ، الأولى مساعدة أوكرانيا على الوقوف أمام روسيا، بحيث “لا يمكن لبوتين النجاح باستخدام القوة المفرطة، وانتهاك القانون الدولي وتحدي النظام القائم على القواعد الذي حدد مراكز التأثير”. أما المهمة الثانية فهي الحد من الحرب بحيث “تقود إلى نزاع في أوروبا بين الناتو وروسيا”. ولتحقيق المهمتين فهناك حاجة لالتزام وقوة وليس ضعف وتنازلات. فزيادة حضور الناتو وجاهزيته هي الطريقة الوحيدة “لإزالة أي مساحة لسوء الفهم وسوء التقدير في موسكو حول جاهزيتنا لحماية والدفاع عن حلفائنا”. فالرسالة من أوروبا هي أنها “مستعدة للدفاع عن كل شبر في أراضي الناتو”. ويقول إن أهمية نجاح أي أمين عام للناتو تكمن في قدرته على التحاور مع الأعضاء كما هم وليس كما ينبغي. وما يهم في قوة الناتو هي “مأسسة” الحلف بحيث يكون قادرا على تجاوز أي عاصفة سياسية في أي مكان بالناتو، مع أنه لم يشر أبدا إلى أنه كان يعني ترامب. ويبدو أن غزو أوكرانيا أدى إلى تأكيد سبب وجود الحلف بطريقة لم يتوقعها بوتين. وكما قال ستولتنبرغ فقد أراد بوتين التقليل من حضور الناتو ليحصل على المزيد منه، وبطريقة لم تحدث منذ الحرب الباردة. وفي داخل هذه الوحدة والشعور بالمهمة الواحدة انقسام حول كيفية مواجهة التهديد الوجودي الذي يواجه الغرب: الصين. فألمانيا وفرنسا تريدان علاقة أوروبية مع الصين ليست مرتبطة بالموقف الأمريكي. أما الولايات المتحدة وبريطانيا والبقية فترى في الصين تهديدا أمنيا يجب التعامل معه بشكل جماعي.
الرسالة من أوروبا هي أنها “مستعدة للدفاع عن كل شبر في أراضي الناتو”.
ويرى ستولتنبرغ أن الغرب يجب أن يبحث عن طرق أخرى غير تقوية دفاعات الردع ضد روسيا، بل والبحث عن طرق لمواجهة التحديات من خلال السايبر والفضاء والتغيرات المناخية التي ستكون حاضرة في قمة مدريد. وفي “المفهوم الإستراتيجي” للناتو عام 2010 لم يتم ذكر الصين ولو مرة، كل هذا سيتغير “ففي المفهوم الإستراتيجي الذي سيتم الاتفاق عليه في مدريد، كل هذا سيتغير، وأنا متأكد أننا سنتطرق للصين”. وموقفه من الصين لا يتوافق مع الموقف الفرنسي- الألماني أو الأمريكي- البريطاني، فهو لا يتعامل بالضرورة مع الصين كعدو، ومع ذلك فعلى الناتو التعامل مع حقيقة أن الصين لديها ثاني أكبر ميزانية دفاع في العالم، وأكبر بحرية واستثمارات الصين في القدرات الجديدة. ولعكس الواقع الجديد فسيرحب الناتو بشركاء من خارج المجال الأوروبي، مثل استراليا ونيوزلندا وكوريا الجنوبية واليابان، وثلاث من هذه الدول عادة ما تدعى إلى قمة الدول السبع.
وعندما أشار الصحافي إلى المشاكل التي تواجه أوكرانيا التي تواجه المجهول من ناحية علاقتها بالناتو، فهي قريبة منه ولكن بدون ضمانات تمنع عدوان جارتها. أجاب ستولتنبرغ أن هناك أسئلة كثيرة ومعقدة، فهو، وإن وافق على المسألة، لكنه ترك الوضع مفتوحا، مكتفيا بالقول إن علاقة أوكرانيا بالناتو ليست مبررا للغزو.