:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/6563

ماذا وراء مفاجآت بوتين الصاروخيّة من بحر قزوين؟

2015-10-08

كتب جورج عيسى: لا يختلف اثنان على تحوّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى صانع مفاجآت في سوريا. صحيح أنّ الاختلاف قد يتمحور حول نوعيّة هذه المفاجآت، أي إذا كانت سارّة أو غير سارّة، ويعود ذلك الى موقع المراقب في محاور الصراع داخل المنطقة. لكنّ الروس أثبتوا أنّهم عنوانٌ لكلّ جديدٍ في الشرق الاوسط.
أمّا جديد الكرملين اليوم فكان إعلان وزير الدفاع سيرغي شويغو لتلفزيون "روسيا -1 " اطلاق أربع سفن حربيّة روسيّة 26 صاروخاً من طراز كروز لتطال وتدمّر 11 هدفاً داخل الاراضي السوريّة. وانطلقت الصواريخ من بحر قزوين وقطعت مسافةً تقارب 1500 كلم.
موقع "ذي انتربريتر" رجّح أن تكون الصواريخ من عيار 3 أم 14 المعروفة بحسب ترميز حلف شمال الاطلسي ب "أس أس – أن – 30 آي ساغاريس". فما هي هذه الصواريخ؟ وهل تستطيع فعلاً أن تصيب أهدافها بعد عبورها لمسافات طويلة؟ وكيف تفسَّر خطوة الاسطول الروسي في بحر قزوين؟
في التقنيات والقدرات
صواريخ "أس أس – أن-30 آي ساغاريس" هي صواريخ من نسخ عدّة، يتراوح طولها بين 6 و 9 أمتار مع رأس حربي تبلغ زنته حوالي نصف طن. ويتراوح المدى الاقصى لأحد أنواعها بين 1500 و 2500 كيلومتر ويطلق من السفن الحربيّة.
يمتلك الروس أيضاً نسخة باليستيّة من تلك الصواريخ التي يمكن لها أن تطلق من الغوّاصات الضخمة التي تصنّعها. يشير موقع "غلوبال سيكيوريتي" الى أنّ صواريخ بولافا (أس أس -أن أكس- 30) هي النسخ الاكثر تطوّراً من صواريخ "توبول أم" الروسيّة. والبولافا صاروخ باليستي يستطيع حمل 10 رؤوس متفجّرة قد يصل مداها الى 8000 كلم بحسب مصادر روسيّة و10000 كلم بحسب مصادر أخرى. ويبلغ وزن هذه الصواريخ بحسب الموقع 70 طنّاً، علماً أنّ النيّة كانت بجعل وزنه 40 طنّاً. لكن حتى عام 2013 كان هذا الصاروخ جرّب 20 مرّة وفشل في ثمانٍ منها، حتى أُعلن عن نجاح تجربتين في تشرين الاول والثاني من السنة الماضية.
وبالعودة الى صواريخ 3 أم 14 التي قالت روسيا أنّها استخدمتها ضدّ مواقع "داعش"، يشبّه موقع "روسيا – انسايدر" هذه الاخيرة بصواريخ كروز التي تستخدمها الولايات المتّحدة منذ سنة 1990 في الخليج. وبثّت قناة "روسيا اليوم" خبر إطلاق سفينة "سفياجسك" لتلك الصواريخ فيما قامت السفينة "داغستان" بإدارة التدريب والرقابة.
موقع "روسيا - إنسايدر" يشير الى أنّ الاسطول الروسي في بحر قزوين مؤلّف من فرقاطتي "غيبارد" وستّ سفن حربيّة من طراز كورفيت. "غيبارد" التي تمّ تصنيعها بنسخ متعدّدة، يبلغ طولها 100 متر ووزنها 1500 طن. تنقل على متنها طاقماً مؤلّفاً من 110 أفراد، وهي بحسب موقع "ريد ستارز" مجهّزة بصواريخ ضدّ السفن وضدّ الغوّاصات كما بصواريخ أرض-جو وبمدافع رشّاشة. دخلت الفرقاطتان المياه القزوينيّة، الاولى سنة 2002 والثانية عام 2012. وباعت روسيا نسختين من طراز"غيبارد 3.9" الى فيتنام ووصلتا اليها تباعاً سنة 2009 ثمّ 2011.
في الأبعاد العسكريّة
المسافات الشاسعة التي يمكن لنسخ عدّة من صواريخ كروز أن تقطعها يحدّ من الاصابات التي قد تطال الطائرات في الجو، عند شنّها لعمليّات ضدّ مراكز ذات أنظمة دفاعيّة جوّيّة متطوّرة. وتتبيّن دقّة الكروز تحديداً في إصابته للاهداف الثابتة، في حين تترك الاهداف المتحرّكة لغارات الطيران. وهذه الصواريخ، على رغم عدم تخطّي سرعتها لسرعة الصوت، إلّا أنّ اكتشافها بواسطة الرادارات "صعب بشكل استثنائي" ما يبقي عنصر المفاجأة قائماً، بحسب الموقع نفسه الذي رأى أنّ مقاتلي " داعش" أصبحوا على علم بإمكانيّة استهدافهم في أيّ مكان وأيّ زمان بدون سابق إنذار.
في الابعاد الجيوسياسيّة
لم يأتِ عبثاً اختيار الروس لبحر قزوين كنقطة انطلاق لهجماتهم الصاروخيّة الاخيرة. فالهجمات تلك، كانت نوعيّةً لمجرّد استخدام الصواريخ البعيدة المدى. لكن في ما وراء شكل الهجوم المباغت، يجد المرء أنّ الروس تحاشوا استخدام البحر المتوسّط الذي تسيطر عليه الولايات المتّحدة، فاختاروا الهجوم انطلاقاً من ذلك المكان كي يتجنّبوا أيّ مراقبة أو تدخّل من واشنطن بحسب "روسيا- انسايدر".
وبيّن الموقع قدرتين نوعيّتين أثبتهما الروس: الاولى تكمن في امتلاكهم تحالفاً قويّاً مكّنهم من التنسيق مع الايرانيين والعراقيين والسوريّين لاستخدام الاجواء وتفادي أيّ إصابات. والثانية تتلخّص في استطاعتهم استخدام أسلحة كان الاميركيّون وحدهم من احتكر استعمالها سابقاً.
صحيفة "فايننشال تايمز" نقلت عن الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجيّة والدوليّة دوغ باري تأكيده أنّ ما جرى هو "تغيير في الوضعيّة الروسيّة العسكريّة" الذي يعكس توجّه الكرملين الى "توسيع نفوذه ليتخطّى دائرة تأثيره الحاليّة". باري شدّد على أنّ ما حدث كان طموحاً روسيّاً على المدى الطويل لتطوير قدرات موسكو على مهاجمة الاراضي الواقعة على مسافات بعيدة و"هذه هي المرّة الاولى التي استخدم فيها هذه الصواريخ بغضب".
قدرة الدبّ الروسي على السباحة في "بحر قزوين" بهدوء، كانت ثابتة من الثوابت السياسيّة في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد_السوفياتي وخصوصاً مع مطلع هذا القرن. لكنْ ما لم يكن ثابتاً أبداً في تلك الناحية، هو استطاعته أن يرسل ضحكة مدوّيّة -أو لغويّاً إذا شئنا- قدرته على القِهقاع (صوت ضحك الدبّ) من المياه القزوينيّة، وذلك لسببين:
الأوّل: قدرته الدائمة على مفاجأة الغرب.
والثاني: عجز الغرب الدائم عن مفاجأته.
عن النهار اللبنانية