:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/65845

العلاقة التركية – الإسرائيلية: ما بين التوترات والشراكة الإستراتيجية

2022-09-23

العلاقة التركية – الإسرائيلية:

ما بين التوترات والشراكة الإستراتيجية

مقدمة عامة:

تعاطفت الدولة العثمانية مع اليهود المهاجرين إلى فلسطين في بداية الأمر، حيث قامت بمنحهم كامل الحقوق المدنية والإستقلالية الدينية، لكن سرعان ما إستغلت المنظمة الصهيونية التدهور الإقتصادي والسياسي للدولة العثمانية، بهدف تحقيق غايتهم بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين التي كانت خاضعة للدولة العثمانية، إذ إستطاع رئيس المنظمة الصهيونية تيودور هرتزل بالضغط على السلطان عبد الحميد الثاني من خلال الدول الأوروبية الإستعمارية، والتي منها بريطانيا، فرنسا وألمانيا، وفي ظل إصرار السلطان عبد الحميد الثاني على رفضه لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، إلا أن المنظمة الصهيونية أقدمت على العديد من المحاولات لإسقاطه من خلال الإضرابات التي حصلت إثر الإعلان الدستوري عام 1908، لحين خلع السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909، وإستغلال الصهيونية حاجة الحكومة إلى الأموال، حيث قامت بتأسيس شركات مصرفية لعبت دورا هاما في ترسيخ الغزو الصهيوني لفلسطين.

وأثناء فترة تولي كمال مصطفى أتاتورك الحكم في تركيا، وإلغائه للخلافة العثمانية، وبعد إضطهاده للعرب، عمل على تقوية علاقته باليهود، وتحديدا بالمنظمة الصهيونية، تمهيدا للعلاقات الإسرائيلية – التركية، والتي تنقسم إلى قسمين: الأولى يطلق عليها التحالف السري والذي كان في فترة الخمسينيات إلى سبعينيات القرن الماضي، والثانية يطلق عليها فترة عدم الإنحياز والتي إمتدت من الثمانينيات إلى تسعينيات القرن الماضي، مع تصاعد التوترات بينهما على حسب العلاقة التركية – العربية من جهة، والعلاقة التركية – الأميركية من جهة أخرى، بإعتبار أن تركيا دولة أطلسية، وتلعب دورا كبيرا في إحتواء المخاطر الدولية والتي منها الإتحاد السوفياتي، كما كان دور إسرائيل أيضا في المنظومة الأميركية العالمية.

أسباب إقامة إسرائيل علاقة مع تركيا:

ركزت إسرائيل في البداية على إقامة علاقة قوية مع تركيا بهدف الخروج من العزلة التي فرضتها جامعة الدول العربية بقرارها مقاطعة إسرائيل، وكسر حصار العرب عنها، ودفع تركيا لإثارة المشاكل مع العرب فيما يتعلق بالحدود، المياه، الأقليات، وتعزيز التعاون العسكري الذي من شأنه التحكم بالثروات العربية والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، لما تلعبه تركيا من موقع جيوسياسي مهم بالنسبة لإسرائيل، ومن جملة هذه الأهداف أيضا، محاولة إسرائيل من جعل تركيا قاعدة عسكرية تخدم إسرائيل في سياستها من خلال إقامة تحالف عسكري معاد للعرب برعاية الدول العربية.

على الرغم من نجاح أول رئيس لإسرائيل عام 1958 "بن غوريون" بتشكيل حلف الطوق بين إسرائيل وتركيا وإيران والحبشة، إلا أنه سرعان ما إنهار بعد سقوط إمبراطور الحبشة هيلاسيلاسي، حيث ظهر بعد الإنقلاب العسكري على الحلف في تركيا عام 1980، تيارات سياسية منها مؤيدة للتعاون التركي – الإسرائيلي دون أخذ المواقف العربية بعين الإعتبار، ومنها من تنادي بخفض العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وإهتمام تركيا بالعالم العربي لأهمية السوق العربية والنفط العربي.

وبعد توقيع إتفاقية أوسلو ووادي عربة، إنحازت تركيا لسياسة إسرائيل بالكامل، وطورت معها التعاون العسكري والأمني والإقتصادي، كما تخلت عن إتباع سياسة متوازنة بين الدول العربية وإسرائيل، وقد تطورت هذه العلاقة بشكل كبير بعد حرب الخليج الثانية ومؤتمر مدريد للسلام، وأقامت نظام إقليمي جديد يشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي العربي والإيراني، بحيث أقنعت إسرائيل تركيا، أن التحالف العسكري معها سيفتح أبواب الدول العربية أمامها، وسيجلب لها إمتيازات كبرى وثروات هائلة، من خلال تطويق سوريا وتقليص ثرواتها القومية وخياراتها الوطنية المناهضة للهيمنة الأميركية والإسرائيلية.

أهداف تركيا من إقامة علاقة مع إسرائيل:

تعتقد تركيا أن من خلال علاقتها مع إسرائيل، تستطيع مواجهة أخصامها في الدول العربية، وتكسب تأييد اللوبيات الصهيونية في أوروبا وأميركا، لتحقيق مصالحها من خلال كسب الرأي العام الغربي في قضية مجزرة الأرمن، جزيرة قبرص، اليونان، الدخول إلى الإتحاد الأوروبي...، حيث يرى صانعو القرار في السياسة التركية أن الموقع الجغرافي لتركيا يضع مصالحها مع الجانب الإسرائيلي، ولذلك بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، ومع بروز الإتحاد السوفياتي العدو الأكبر لتركيا في تلك الفترة، ولاسيما بعد مطالبة ستالين بالمضائق التركية، للحد من المطامع السوقياتية، كان إعترافها بإسرائيل وإقامة علاقات معها مرتبط بقبول إنضمامها بحلف الناتو عام 1952، ويعود أيضا تجذر هذه العلاقة هو بسبب تحول تركيا من دولة مسلمة إلى دولة علمانية بذات التوجه الإسرائيلي، وبذات الهدف الإستراتيجي الذي كان في تلك الفترة وهو العداء للعرب، بسبب تعاون العرب مع بريطانيا وإطلاق الثورة العربية الكبرى عام 1916.

كما أن رغبة تركيا بالحصول على أسلحة إسرائيلية والإستفادة من التقدم العسكري والتكنولوجي الإسرائيلي شجعها أكثر لتوطيد العلاقة مع إسرائيل، وحل المشاكل الإقتصادية التي عانت منها بعد حرب الخليج الثانية وما تلاها من حصار العراق، الذي كبد تركيا خسارة 60 مليار دولار آنذاك، وبذلك تكسب تركيا إسرائيل لجانبها في صراعها مع إيران على الشرق الأوسط.

على الرغم من كل العلاقات التي تم توطيدها بين تركيا وإسرائيل إلا أنها تبقى خارج الإتحاد الأوروبي الذي رفض إنضمامها بعد العديد من المحاولات بإعتبار أنها تعاني من نقص في الديمقراطية كما جاء في تقرير المفوضية الأوروبية عام 1989، ولذلك تبحث تركيا دائما عن دور إقليمي تلعبه، ويستمد قوته داخل الشرق الأوسط وليس من خارجه، من خلال دور الوسيط، والتصدي للدعم الإقليمي المقدم من إيران وسوريا، وإيجاد نوع من أنواع التوازن الإقليمي بالتحالف التركي – الإسرائيلي.

أهداف إسرائيل من إقامة علاقة مع تركيا:

تحاول إسرائيل توسيع إستراتيجيتها في حال وقوعها بأي هزيمة لاسيما بعد سقوط الشاه في إيران، لذلك تحاول أن تقيم علاقة مع تركيا مشابهة تماما لحلف بغداد بهدف تخفيف المسؤولية الأمنية على أميركية، وتشكيل قوة ردع حقيقية في حال مواجهة أي عدوان خارجي على إسرائيل من جهة، ولإشغال الجسد العربي بقضايا إقليمية تعمق الخلافات الداخلية لإبعاده عن قضاياه المصيرية من جهة أخرى.

وتسعى إسرائيل من خلال تركيا إلى فتح سوق جديد لبيع منتوجاتها العسكرية وتحديث الأسلحة التركية كما حصل عام بين عامي 1996-1997، وبهدف إستخدام إسرائيل للقواعد العسكرية التركية كقاعدة إكينجي في أنقرة، تستطع إسرائيل من خلالها شن غارات مفاجئة على إيران، العراق، سوريا، وحاجتها الدائمة إلى مساندة إقليمية بحال تعرضها لأي حرب شاملة من دول الجوار، وكذلك الإستفادة من المياه التركية، حيث أن إسرائيل تعاني من شح كبير في المياه.

التحولات في العلاقة التركية – الإسرائيلية

قلقت المؤسسة العسكرية التركية وعدد من الساسة الإسرائيليين بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، حول طبيعة العلاقة بين إسرائيل وتركيا، لكن السفير الإسرائيلي في تركيا "يورى ووردن" أعلن عن عدم تشاؤمه من ذلك، أما الناطق الرسمي بإسم وزارة الخارجية الإسرائيلية فقد أكد أنه لن يحدث أي تغيرات بين الطرفين، بإعتبار أن التعاون العسكري يصب في مصلحة البلدين، وفي عام 2003، زار الرئيس الإسرائيلي "موشيه كاتساف" تركيا، وصرح بأهمية مكانة تركيا الجيوسياسية بالنسبة للشرق الأوسط، والتي من شأنها تحسين علاقة إسرائيل بالدول العربية، والدور الذي يمكن أن تلعبه في ما ييتعلق بالتطبيع العربي مع إسرائيل.

على الرغم من تناسق العلاقات التركية – الإسرائيلية، إلا أنها تتخلل بعض التوترات النسبية كما حدث عام 2003، عندما صوتت تركيا على قرار يدين إسرائيل لبنائها الجدار العازل، وزاد الطين بلة، عندما أقدمت مجموعة من الصباط الإسرائيليين بتدريب القوات الكردية في كردستان، والتغلغل الإسرائيلي في العراق أثناء الغزو الأميركي، حيث دخل عدد من الموساد الإسرائيلي وتعاون مع الجماعات الكردية، الأمر الذي أدى إلى تدهور العلاقة التركية – الإسرائيلية بشكل كبير.

وبعد إغتيال إسرائيل لزعيم حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان هذه العملية بالإرهابية، ومع رفع المستوى الدبلوماسي للسلطة الفلسطينية عام 2004 من قنصلية إلى سفارة، أغضب الإسرائيليين أكثر، وأثار قلقهم حول مستقبل العلاقات بين البلدين، ما إستدعى الأمر إلى زيارة أردوغان لإسرائيل عام 2005 بحجة أن تكون تركيا وسيطا للسلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، حيث دعا أردوغان شارون لزيارة تركيا والبحث أكثر في هذا الملف.

وبعد فوز إنتخابات في الإنتخابات التشريعية عام 2006، زار خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس تركيا، وإجتمع مع وزير الخارجية التركية "عبد الله غول"، ما أدى إلى إحتجاج إسرائيل وبعض الدول العربية، على الرغم من عدم لقاء أردوغان، كما وقفت تركيا إلى جانب لبنان في حرب تموز عام 2006، وصوت البرلمان التركي على قرار إرسال القوات التركية إلى لبنان من خلال تعزيز قواتها في اليونيفيل، وذلك بهدف توطيد العلاقة مع إسرائيل، وكسب تأييد الإتحاد الأوروبي لقبول عضوية تركيا.

وفي مطلع العام 2007، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي "إيهود أولمرت" تركيا بهدف التخفيف من التوترات بين الطرفين، وطلب منها الدخول كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن سرعان ما عاد التوتر بينهما عام 2008، بعد تنديد تركيا بالعدوان على قطاع غزة، بعد أن تباحثت تركيا وإسرائيل في قضية السلام بالشرق الأوسط، وقيام إسرائيل بضرب قطاع غزة دون إخبارها، وفي مؤتمر دافوس عام 2009، حصلت مواجهة علنية بين الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس وأردوغان، عندما أعلن أن ما تقوم إسرائيل به في غزة هي جرائم حرب، ما أدى إلى الرد الإسرائيلي بإرتكاب تركيا المجازر ضد الأرمن فضلا عن إحتلالها شمال جزيرة قبرص.

ومنذ عام 2009، تحاول تركيا أن تلعب الدور الوسيط بين إيران والدول الغربية حول الملف النووي الإيراني، لحرص تركيا على علاقتها بإيران في مواجهة الأكراد وفيما يتعلق بالنواحي الإقتصادية، وجذب الإستمارات العربية، ولذلك بدأ أردوغان بمهاجمة الدول الغربية لمهاجمتها إيران بسبب سعيها لإمتلاكها النووي بينما تغض نظرها عن إمتلاك إسرائيل للأسلحة النووية.

كما أن إعتداء إسرائيل على سفينة مرمرة عام 2010، وتوجيه المدعي العام التركي لائحة إتهامات إلى محكمة الجنايات التركية عام 2012، من ضمنها أربعة ضباط من الجيش الإسرائيلي، والحكم عليهم بالسجن تسعة مؤبدات، زاد حدة التوتر مع الجانب الإسرائيلي، ما جعل الولايات المتحدة الأميركية تحاول إحتواء الأزمة، على خلفية أن هذا التوتر يضر بالمصالح الأميركية، لاسيما أنها كانت في ظل الثورات العربية، ومحاولة أميركا الوقوف ضد المشروع النووي الإيراني، لكن مبادرة أميركا بإنهاء الخلاف بين الطرفين فشل، بسبب عدم إعتذار رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق نتنياهو.

بقيت الخلافات متوترة بين إسرائيل وتركيا على خلفية الحرب الأهلية السورية، إذ تطمح تركيا بإسقاط النظام السوري وإستبداله بنظام ديمقراطي يأتي بحكم الإخوان المسلمين إلى الحكم، وهذا ما ترفضه إسرائيل رفضا قاطعا، إلى حين تطبيع تركيا مع إسرائيل عام 2022، وعودة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين إسرائيل، على ضوء المصالح الإقتصادية والتجارية المشتركة.

خاتمة:

بالعودة التاريخية إلى العلاقة التركية – الإسرائيلية، نجد أن تركيا أول دولة مسلمة تعترف بدولة "إسرائيل" عام 1949، رغم أنها صوتت ضد قرار التقسيم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالي فإن هامش المناورات التركية مع إسرائيل لن يؤثر بشكل جذري على المصالح المشتركة للطرفين، لاسيما بعد إكتشاف الغاز في الشرق المتوسط، كما أن إسرائيل تدرك جيدا طبيعة النظام في تركيا، خصوصا أنه وفي ظل التوترات السياسية بين الطرفين، بقيت المصالح الإقتصادية والعسكرية، لأن العلاقة بينهما متينة ذات بعد إستراتيجي، مهما حاولت تركيا لعب الدور الإقليمي إلى جانب دول الجوار، لأن تركيا اليوم تحاول أن تلعب دور الدولة الإقليمية العظمى.

فؤاد بكر

مسؤول دائرة المقاطعة

في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين