إريك رولو وقضايا التحرر الوطني-نايف حواتمة
2015-10-14
إريك رولو وقضايا التحرر الوطني
في كواليس الشرق الأوسط والعالم الثالث
نايف حواتمة
الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
"طوبى لمن إتّبع هُدى النضال مع صحيح التاريخ فالحياة مشوار نضال"..
إريك رولو يا صديقي نحتفل الآن بصدور مذكراتك باللغة العربية، "في كواليس الشرق الأوسط: "1952 – 2012" شهادة حيّة عن صحيح تاريخ المنطقة العربية والشرق الأوسط، وكتابك "الفلسطينيون من حرب إلى حرب" المترجم باللغة العربية عن الفرنسية 1989.
عند لحظة تلقي الدعوة إلى هذا المحفل الكريم ذَهَبَتْ بي الذاكرة فوراً إلى مذكرات الصديق المناضل غابرييل غارسيا ماركيز"عشت لأروي"، وإلى رفقة وحوارات مع رولو عشرات السنين بيننا، كَشفتَ فصلاً عنها في كتابك "الفلسطينيون من حرب إلى حرب" ، والكثير من مقالاتك في "لومند" و "الوموند ديبولومتيك".
شكراً للصديق الكاتب المناضل آلان غريش والمؤسسات والهيئات الداعية إلى هذا الحفل الكريم في القاهرة، وحاضنة الجامعة الأمريكية في القاهرة.
نحن شعوب العالم الثالث نعيش في قلب مرحلة التحرر الوطني مساراً ومصيراً، منذ مطلع القرن التاسع عشر حتى يومنا مطلع القرن الواحد والعشرين، قضايا التحرر الوطني من التخلف التاريخي، أنظمة الإستبداد والكتاتورية والفساد، والهيمنة الكولونيالية والأمبريالية، الآبارتيد والعنصرية وإستعمار الاستيطان، الصراعات الدينية الطائفية والمذهبية، تشطير وتقسيم واقتسام العالم الثالث، غياب الحريات والديمقراطية، غياب الإصلاح الديني في مناهج التربية والتعليم والكتب المدرسية، غياب العدالة الاجتماعية، ومن هنا انفجار انتفاضات وثورات الشعوب التي لم تكتمل بعد في كثير بلدان الشرق الأوسط والعالم الثالث، لم تنزل أنظمة الاستبداد والفساد عند استحقاقات "ثورات الشعب يريد "الخبز (العيش)، الحرية والكرامة الانسانية، الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة، المواطنة دون تمييز في العرق والدين والطائفة والمذهب، وبين الرجل والمرأة"، وخصوصاً في بلدان أنظمة الإستبداد والفساد العربية والمسلمة، تمّ اغراق انتفاضات وثورات الشعوب العربية بالقمع والدماء والإجهاض المسلط على القوى الوطنية الديمقراطية، التقدمية والليبرالية.
وعليه كان البديل الإسلام السياسي الدموي، وحيثما "تسييس الدين وتديين السياسة " نجد الانقسامات والحروب الطائفية والمذهبية الدموية الوحشية، نجد إرهابالدواعش والأصولية الدينية عند هذا الدين أو ذاك وجذور الداعشية في المناهج التعليمية والكتب المدرسية في البلاد العربية.
إن قضية وحقوق الشعب الفلسطيني المعطّلة، والصراع الفلسطيني والعربي – الاسرائيلي، هي القضية المركزية لشعبنا الفلسطيني وكل العرب شعوباً ودولاً، واليوم قضية دولية كبرى في العالم، في مؤسسات الأمم المتحدة التي "اعترفت بدولة فلسطين على حدود 4 يونيو/ حزيران 1967، عاصمتها القدس الشرقية المحتلة، وحق اللاجئين وفق القرار الأممي 194"، في صفوف كل قوى السلام والحرية وحق تقرير المصير للشعوب في العالم.
هذا ما ادركه، تلمسه، ودعا إليه رولو في كتاباته وكتبه، شهادة حيّة من صحيح التاريخ، وتاريخ الشرق الأوسط منذ مطلع القرن العشرين وخصوصاً منذ قرار تقسيم فلسطين الأممي 181 عام 1947 حتى الرحيل 2012، الرحيل حزين لم تكتحل عيناه بما ناضل ودعا.
رولو "عاش وروى" قضايا الشرق الأوسط والعالم الثالث، ماركيز "عشت لأروي" قضايا امريكا اللاتينية والعالم الثالث، وربما لهذا ذَهَبَتْ بي الذاكرة "رابطةً" بين رولو السياسي الديمقراطي التقدمي، مستقلاً مع شعوب العالم الثالث وزعاماته الوطنية التقدمية: لومومبا، محمد مصدّق، عبد الناصر، الجزائر الثورة، نهرو، سوكارنو، تيتو، مانديلا، فلسطين حركة التحرر الوطني وتقرير المصير وزعاماتها، تحقيقاته في اسرائيل، ايران، وتركيا، حركة التحرر الوطني العربية، وفي آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية.
ماركيز الروائي اليساري "مائة عام من العزلة" مع فيدل كاسترو وثورات اليسار الجديد في امريكا اللاتينية، والعالم الثالث: "عشت لأروي".
رولو يكتب: " من جانبي، ما كان بالغَّر، الذي تخدعه النعوت المألوف اطلاقها في الغرب بهدف شيطنة قادة العالم الثالث: من كانوا يتحدون النظام القائم الاستعماري، إذْ لم يكتف قائد ثورة يوليو في مصر بالإطاحة بالملكية، وبتجريد كبار الملاك العقاريين من ممتلكاتهم، تفكيك دوائر النفوذ الصناعية والمالية الأهلية منها، والبريطانية، والفرنسية، وغيرها، وبتأميم شركة قناة السويس، رمز سيطرة القبضة الأجنبية على وادي النيل، وبناء السد العالي، بل أقام ايضاً علاقات ودّية مع الاتحاد السوفييتي يعادل وزن التأثير الغربي، وبخاصة الأمريكي.
"كنت اعتقد ان قرار واشنطن عام 1956 بحرمان مشروع السد العالي من مساعدتها المالية والتقنية إنما هو قرار دنيء، "لمعاقبة" عبد الناصر لأبرامه صفقة سلاح مع موسكو، رغم كونها صفقة يبررها رفض الولايات المتحدة امداده بأسباب دفاعية عن بلاده.
"تأميم شركة قناة السويس بادرة عظيمة الجسارة لتلك الفترة، وفعلاً ثورياً هو الثاني من نوعه في منطقة الشرق الأوسط بعد عملية التأميم المجهضة للبترول الأيراني التي قام بها محمد مصّدق، ذلك القومي المعتدل في عام 1952 والإطاحة به في 1953، عبر انقلاب دبرت له وكالة الاستخبارات الامريكية المركزية..
"لم تكد تنقضي ثلاثة أشهر على تأميم شركة قناة السويس حتى تدفقت الدبابات الاسرائيلية داخل سينا المصرية، بينما رست القوات الفرنسية والبريطانية في بور سعيد، والهدف المشترك للحلفاء الثلاثة القضاء على جمهورية ناصر، فضلاً عن طموح دولة اسرائيلإلى التمتع بحرية الملاحة في قناة السويس، بل وإلى الاستيلاء على سيناء على وجه الخصوص.
"رغم المقاومة المصرية المسلحة والسياسية لم يتوقف الغزاة، إلى أن فرض ايزنهاور التهدئة وأوجب انسحاب جميع القوات الأجنبية وتحقق له ذلك، وانذار صواريخ بولغانين رئيس الدولة السوفيتية بالتدخل عسكرياً، وهي بادرة ترمز بلا ريب إلى مساندة موسكو للدول النامية" .
هكذا وقف رولو مع ثورة الشعب الجزائري، مع الجمهورية اليمنية وثورة جنوب اليمن، مع حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة والحرية وتقرير المصير.
في كتابه "الفلسطينيون من حرب إلى حرب" عقد فصلاً عن مبادرة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين برنامج النقاط العشر، البرنامج الوطني المرحلي الذي قدمته الجبهة الديمقراطية في يونيو 1974 وأقره المجلس الوطني الفلسطيني بالإجماع لتسوية سياسية متوازنة مع اسرائيل تقوم على قرارات الشرعية الدولية بحق تقرير المصير ودولة فلسطين المستقلة على حدود يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة والحل العادل لحقوق اللاجئين وفق القرار الأممي 194، وحق منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتعيش الدولتان كجارين في أمنٍ وسلام. وبالحوار الشامل بين كل الفصائل الفلسطينية ومكونات الشعب أصبح برنامجاً موحداً لكل الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله الوطنية وصوّت عليه المجلس الوطني الفلسطيني بالإجماع في يونيو 1974 وحتى يومنا.
في 29 نوفمبر 2012 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة، وحق اللاجئين العادل وفق القرار الأممي 194" بأغلبية 138 دولة وامتناع 41، وعارض القرار اسرائيل، والولايات المتحدة، كندا، تشيكيا، ودول ستة جزر في المحيط الهادي.
في الغرب دولاً وإعلاماً الكثير منها إتهمت رولو "بالإنحياز لأنظمة قمع الحريات في الشرق الأوسط والعالم الثالث، رغم نقده الصارخ لقمع الحريات وغياب الديمقراطية في البلدان التي كان في حوار مع زعمائها.
حكومات اسرائيل ادانت كتاباته مرات عديدة، واعتبره مناحيم بيغن رئيس وزراء اسرائيل الأسبق عميلاً مصرياً، ولكن رولو اعتاد أن يقتبس من صديقه اليهودي المصري شحاتة هارون قوله" أنا يهودي حين يتم قمع اليهود، أنا فلسطيني حين يتم قمع الفلسطينيين، انا زنجي حين يتم قمع الزنوج".
رولو المثقف والسلطة في العالم الثالث
بنى رولو علاقاته مع حركات التحرر الوطني والاجتماعي، مع قادة وزعامات الشرق الأوسط والعالم الثالث على قاعدة نقديّة مركبة :
· الوقوف مع صحيح التاريخ بجانب التحولات الوطنية والطبقية الاجتماعية الكبرى لتحرير البلدان والشعوب من التخلف التاريخي، والهيمنة الكولونيالية والامبريالية، الآبارتيد والعنصرية واستعمار الاستيطان، المساواة في المواطنة وبناء الدولة المدنية الحديثة.
· الوجه الآخر من المعادلة الاستقلال النقدي المعلن المكشوف والمكتوب لكل أشكال القمع والتعذيب ومصادرة الحريات الفردية والحزبية والنقابية، والاعلامية، حريّة التعبير عن الرأي، حرية الانتماء الفكري والثقافي والسياسي.
· رولو من موقع المثقف النقدي المستقل، وخَلفِيَته الفكرية والثقافية، التقدمية والاجتماعية والسياسية استدعى طاقات العقل النقدي في نقد قمع وتعذيب توجهات السلطة وأجهزتها تجاه الرأي الآخر في بلدان الشرق الأوسط والعالم الثالث، بدءاً بمصر بلده الأصلي، واستشهاد صديقه فريد حداد "طبيب الفقراء"، والشهيد شهدي عطية المثقف والمناضل البارز، إنموذجاً في كتابات رولو عن مصر 23 يونيو 1952 وما بعدها، لومومبا شهيداً في افريقيا...الخ. وهكذا ضد قمع الحريات.. ضد الاغتيالات والتعذيب في سجون السلطات في الشرق الأوسط والعالم الثالث.
وأكيد أن "لوموند" و لوموند ديبلوماتيك" المدافعة عن الحريات، والمتعاطفة مع العالم الثالث قدمت المساحات الواسعة المستقلة عن سلطات العالم الثالث، حيث أبدع رولو في كتاباته وحواراته النقدية.
رولو المثقف سفيراً في السلطة
في عهد الرئيس الاشتراكي ميتران صديق رولو الشخصي تم تعينه سفيراً في تونس ومنظمة التحرير الفلسطينية من 1985 – 1986، ثم في تركيا بين 1988 – 1991 .
في تونس التقينا مراراً، تحاورنا بأشكاليات المثقف والسلطة سفيراً، مدى استقلاليته، الخطوط الحمر وقيود السلطة.
في مايو 1986 خسر اليسار في الانتخابات البرلمانية، جاء شيراك (اليمين الشعبوي) رئيس حكومة "المساكنة"، وفور وصوله إلى قصر الحكومة طالب بإزاحة رولو من تونس، ميتران رفض توقيع القرار مالم يسند إلى رولو منصب دبلوماسي بديل، استقال رولو من منصبه في تونس، عينه شيراك "سفيراً متنقلاً" تسوية "مع ميتران، سفيراً في تركيا (1988 و 1991) في عهد ميتران.
لم يعرف رولو سر ذلك العداء الذي تصرف به شيراك، هكذا اصطدم رولو بقيود سياسة السلطة، ازدواجية المعايير بين جناحيّ السلطة، ولم يتضح السبب إلاً عام 2012 حين اصدر رولو مذكراته "في كواليس الشرق الأوسط 1952 – 2012".
هكذا نكتشف مع رولو تجربة المثقف مع السلطة، نجح رولو في تجربته الاستقلالية النقديّة عن السلطة من موقع التقدمي العضوي النقدي مستقلاً في الشرق الأوسط والعالم الثالث، لم ينجح رولو في تجربته النقدية سفيراً في السلطة.
إريك رولو
الحق اقول لك:
الافكار، الافعال الثورية لا تموت
الحريات، الديمقراطية، التنمية والعدالة الاجتماعية هي مسار التاريخ
عشت ورويت مع صحيح التاريخ.. فانصفك التاريخ..
سلام سلام يا صديق الدرب.. الذي طال نضالاً وتنويراً.. وإلى أمام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** كلمة حواتمة في حفل "حدث" تكريم صدور كتاب مذكرات رولو "في كواليس الشرق الأوسط: 1952 – 2012" باللغة العربية في الجامعة الأميركية في القاهرة 13 أكتوبر/ ت1 2015.
دعوة حواتمة ضيف شرف للمشاركة "بالحدث"، تمت من الهيئات المنظمة: السفارة الفرنسية في القاهرة والراعي السيد "جان لوك لافود" مستشار التعاون ورئيس المعهد الفرنسي في مصر، السيد الكاتب والصحفي في "لوموند" الفرنسية آلان غريش، كلية الشؤون الدولية والسياسة العامة / مركز دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في القاهرة في مجمع "اورينتال التحرير"، "د. ساندرين غامبلين مديرة مركز دراسات الشرق الأوسط - كلية الشؤون الدولية والسياسة العامة – الجامعة الامريكية بالقاهرة، دار الطناني للنشر والتوزيع / القاهرة.
القاهرة 13-10-2015
الجامعة الأمريكية في القاهرة