الانتخابات البرلمانية المصرية: عزوف الناخبين يتكرر في جولة الإعادة
2015-11-02
لم تأتِ جولة الإعادة في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية مختلفة عن سابقتها، حيث تواصل عزوف الناخبين، وخاصة الشباب منهم، عن صناديق الاقتراع. وشهدت معظم مكاتب الاقتراع إقبالاً ضعيفاً، وفتوراً في الاهتمام، على نحو خيّب آمال السلطة والمتنافسين في رفع نسبة المشاركة المنخفضة التي شهدتها المرحلة الأولى.
وكانت نتائج المرحلة الأولى كرّست هيمنة الرئيس عبدالفتاح السيسي على مقاليد صناعة القرار، بعد سيطرة قائمة «في حب مصر» الموالية له، فيما مُني بهزيمة كبيرة حزب «النور» السلفي، وتحالف «الجبهة الوطنية- تيار الاستقلال»، الذي يضم مجموعة من الأحزاب التي خرجت من كنف «الوطني»، يقودها حزب «الحركة الوطنية» بزعامة المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق.
وقد جرت جولة الإعادة يومي 27 و 28 /10، وذلك لاختيار 222 نائباً من بين 444 مرشحاً، يمثّلون محافظات المرحلة الأولى من الاستحقاق التشريعي، وكانت المقاعد المخصصة للقوائم (60 مقعداً) حُسمت لمصلحة قائمة «في حب مصر».
وكان لافتاً تمكّن أحزاب من حجز مواقع في جولة الإعادة لمرشحيها، بعدما كانت التوقعات تحصر المنافسة عليها بين مستقلين. وقد تصدّر حزب «المصريين الأحرار»، بزعامة رجل الأعمال نجيب ساويرس، الأحزاب المنافسة في الإعادة بـ 65 مرشحاً. وجاء بعده حزب «مستقبل وطن»، الذي يضم مجموعة من الشباب المؤيدين للحكم بـ 48 مرشحاً. فيما نافس حزبا «الوفد» و«النور» السلفي بـ 25 مرشحاً لكل منهما، بالإضافة إلى نحو 28 مرشحاً يمثّلون تحالف «الجبهة المصرية»، ويأتي في نهاية الترتيب حزبا «المحافظين» بـ 7 مرشحين، و«الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي»، الذي أعلن رئيسه محمد أبو الغار أن خمسة من مرشحيه سينافسون في جولة الإعادة.
وقد تكون الانتخابات حاسمة لمصير حزب «النور» السلفي، لاسيما مع تزايد حدة الانشقاقات الداخلية ومطالبة مشايخ في جماعته الأم «الدعوة السلفية»، بابتعاده عن العمل السياسي و«العودة إلى الدعوة»، في ظل نتائجه الهزيلة في الجولة الأولى التي شملت أبرز معاقله التقليدية.
وفي هذا السياق، أعلن تحالف «نداء مصر» الانتخابي انسحابه من خوض المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب التي تنطلق في 22 تشرين الثاني / نوفمبر، اعتراضاً منه على ما وصفه بـ «المهزلة الانتخابية». ويضم هذا التحالف أحزاب «الثورة المصرية»، و«المستقلين الجدد»، و«حماة الوطن»، و«العربي للعدل والمساواة»، بالإضافة إلى بعض الحركات الشبابية.
أبعاد المشاركة الضعيفة في الانتخابات المصريّة
أشارت الأرقام الرسمية التي أعلنتها اللجنة المشرفة على الانتخابات المصرية، إلى أن عدد الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع في مرحلتها الأولى، لم يزد كثيراً عن رُبع عدد الناخبين المسجلين في الكشوف الانتخابية، وهي نسبة رآها البعض مبالغاً فيها وتزيد كثيراً عن النسبة الحقيقية، لكنها تظل مع ذلك أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات البرلمانية في مصر.
وقد حاول البعض إرجاع أسباب تدني نسبة المشاركة، على هذا النحو الفاضح، إلى عوامل فنّية من قبيل: عدم وضوح قانون الانتخابات الجديد، اتساع الدوائر المخصّصة لقوائم تحتوي على عدد كبير من المرشحين يصعب على الناخب أن يتعرف إليهم، صعوبة تواصل المرشحين مع الناخبين، ضيق الفترة المخصّصة للدعاية الانتخابية، اطمئنان الناخب إلى أن البرلمان المقبل سيكون برلماناً متعاوناً مع رئيس يثق به... الخ.
بيد أنّ كثيراً من المتابعين والمهتمين رأى غير ذلك، فهذه العوامل الفنية، على أهميتها، لم تلعب إلا دوراً ثانوياً في هذا العزوف الجماعي عن المشاركة، الذي لا يمكن تفسيره إلا بعوامل سياسية تتمحور حول عدم اقتناع الناخب بجدية أو بجدوى هذه الانتخابات. وفي هذا السياق، سجّل هؤلاء الملاحظات التالية:
· تعرّضت خارطة الطريق التي أعلنت عقب تنحية مرسي، والتي أيَّدتها غالبية القوى التي شاركت في ثورة 30 حزيران/ يونيو، لسلسلة من التعديلات المفاجئة التي قللت من قدرتها على إفراز نظام جديد أكثر كفاءة وأفضل من نظامي مبارك ومرسي. فوفقاً لأجندة هذه الخريطة، كان يتعيَّن أولاً صياغة دستور جديد ثم إجراء انتخابات برلمانية قبل الانتخابات الرئاسية، التي كان يفترض أن تأتي كمرحلة أخيرة. وفجأة، جرى تعديل يسمح بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، وهو ما تم بالفعل.
· كان يفترض كذلك إجراء الانتخابات البرلمانية بعد فترة لا تتجاوز ستة أشهر من تولّي الرئيس المنتخب، لكن حدث تحايل على هذا النص سمح بتأخير دام أكثر من عام، جمع فيه الرئيس بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وصدرت خلاله عشرات القوانين المثيرة للجدل، والمتناقضة أحياناً مع نصوص دستورية صريحة، فضلاً عمّا تضمنّته من تقييد واضح للحريات الفردية والجماعية.
· كانت غالبية القوى السياسية الرئيسية في مصر قد عبرت صراحة عن رفضها مشروع القانون الذي تجري الانتخابات الحالية على أساسه، وطالبت بقانون يمزج بين التمثيل النسبي، وليس القوائم المطلقة والمغلقة، والدوائر الفردية، وبنسبة 50 في المئة لكل منهما. وجاء الإصرار على العمل بالقانون الحالي بمثابة دليل قاطع على رغبة النظام الحاكم في تصميم برلمان على مقاسه.
· تعرّضت القوى كافة التي شاركت في ثورة 25 يناير، وبخاصة الشبابية منها، لحملات دعائية ممنهجة استهدفت تشويهها وتلطيخ سمعتها، وكان الهدف الحقيقي من وراء ذلك تشويه ثورة يناير نفسها، التي تم تصويرها باعتبارها مؤامرة خارجية قام بها عملاء الداخل لحساب قوى أجنبية معادية، وصولاً إلى إظهار ثورة 30 يونيو وكأنها ثورة على «مؤامرة» يناير بل إن رموزاً شبابية كانت قد شاركت بفاعلية في ثورتي يناير ويونيو، وجدت نفسها تقبع خلف القضبان وتُقدم للمحاكمة بتهمة التظاهر! وكان لافتاً أن حملات التشويه هذه اشتدّت كثيراً عقب وصول السيسي إلى السلطة، بل أصبحت وكأنها شعار رسمي تجري الانتخابات الحالية تحت مظلته الإعلامية.
· يضاف إلى ذلك تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ووجود حالة إحباط عامة على خلفية عجز النخب السياسية عن بلورة معارضة فعالة وقادرة على إعطاء شحنة أمل للمواطنين بأن البرلمان المقبل يمكن أن يقطع مع برلمانات مصر السابقة، ويكون له تأثير فعلي في صياغة سياسات الدولة في المرحلة المقبلة.
في سياقات كهذه، كان من الطبيعي أن تمتنع الغالبية الساحقة من الشباب عن التوجّه إلى صناديق الاقتراع. ولعلّها بسلوكها هذا أرادت أن توصل رسالة محدّدة إلى المعنيين، مفادها ضرورة منح هذه الشريحة المكانة التي تستحقها، وإشعارها بالأمان وبحريتها في الدخول والمشاركة في معترك الحياة السياسية.
تُرى هل وصلت رسالتها؟، وهل سيستجيب المعنيون لفحوى هذه الرسالة؟!.