لماذا توقفت عن رشق الحجارة -عزيز ابو سارة
2015-11-04
هآرتس
كانت هذه مكالمة هاتفية من النوع الذي يخاف الجميع تلقيها. "اعتدى علي مستوطنون"، قال ابن شقيقي محمد. صوته كان يرتعد. "كان لديهم سكاكين وعصي وهتفوا "اقتلوه! اقتلوه!"". اعتدي على محمد حين كان يقوم بالشراء كي يعد وجبة المساء للرفاق. اما المتطرفون الاسرائيليون الذين حاصروه في جبل المشارف فضربوه وتسببوا له بانفكاك كتفه. ولحظه، تمكن من التحرر منهم والهروب نجاة بروحه. بعد وقت قصير من ذلك تلقيت رسالة من صديقتي سارة بلوم، اسرائيلية يهودية، فلسطيني حاول طعنها في المحطة المركزية في القدس.
غضبت جدا. في ذات اليوم كان يمكن ان يقتل صديقتي وابن شقيقي في نفس الوقت. هي اسرائيلية وهو فلسطيني – كلاهما مواطنان بريئان يريدان انهاء المواجهة. الوحشية التي لا معنى لها في كل هذا الوضع يمكنها أن تدفع كل واحد منا الى اليأس. ومع ذلك فان محمد وسارة على حد سواء فاجآني بردود افعالهما.
عندما فتحت رسالة سارة رأيت انها كتبت: "آمل أن يكون ابن شقيقك على ما يرام. بلغه محبتي". قبل بضع ساعات من ذلك حاول فلسطيني قتلها، والان تعرب عن قلقها عديم الانانية على ابن شقيقي الفلسطيني. رفع ابن شقيقي الى الشبكة بوست كتب فيه: "بعد ان اعتدى علي امس يهود متطرفون، بودي أن اقول اني لا اكره اليهود. ولا حتى أي يهود. انا اكره الاحتلال. وارفع صوتي ضد الاحتلال، ولكن فقط بطرق السلام والمحبة. وليس بالكراهية".
لا يمكنني الا اسأم من ردود فعلهما وأن اعجب أي مدينة رائعة يمكنها أن تكون مدينتنا لو ان الجميع ردوا بهذه الطريقة. خوف الناس في الطرفين هو حقيقي. الكثيرون من اصدقائي الاسرائيليين، ممن درجوا على المجيء للقائي في شرقي القدس، غير مستعدين لان يخاطروا. فالشوارع في غربي المدينة فارغة. وفي اللقاءات الاجتماعية مع الاصدقاء الفلسطينيين، يدور الحديث بشكل محتم عن اساليب الامتناع عن الخطر. فعند خروجنا للشراء مثلا، نفكر مرتين عن مظهرنا الخارجي وعن ملابسنا. ليس مناسبا ان نظهر "كعرب اكثر مما ينبغي"، خشية ان تعتدي علينا عصابات "لهفا".
ولكن كيف يبدو العربي؟ منذ وقت غير بعيد طعن يهودي يهوديا إذ ظن أنه عربي، وجنود اسرائيليون اطلقوا النار على اسرائيلي لخطأهم إذ ظنوه عربيا. من الجانب الاخر، من شأن فلسطيني أن يطعنك اذا كنت تلبس او تتصرف "كاسرائيلي".
في الجانب الفلسطيني ايضا الناس غاضبون، محبطون وخائفون. البعض يقول اننا لسنا ملزمين بان نكون الوحيدين الذين يعيشون في ضائقة، ويسألون: "لماذا يتعين علينا ان نعاني من الاحتلال بينما يعيش الاسرائيليون في فقاعة؟" لا يؤمن الفلسطينيون بان انتفاضة السكاكين ستجلب الحرية، ولكن المسيرة السياسية ماتت، المستوطنون يواصلون ابتلاع القليل من الارض التي تبقت للدولة الفلسطينية، ورفع العلم الفلسطيني في الامم المتحدة لم يغير حتى ولا حقيقة واحدة على الارض.
ومثل الاسرائيليين الذين يعتقدون بان القوة العسكرية ستجلب الاستقرار، يخطيء الفلسطينيون ايضا إذ يعتقدون بان الانتفاضة العنيفة ستضع حدا للاحتلال. لقد جرب الفلسطينيون الكفاح المسلح في الانتفاضة الثانية، ولكن عبثا. وكانت النتيجة الاف القتلى، وبلا أي انجاز سياسي.
في الطرفين يوجد احساس من الانعدام التام للوسيلة. الناس يتصرفون وكأن قضاء من السماء هو أن نعيش في مواجهة دائمة وان طرفا سينتصر دوما بينما سيهزم الطرف الاخر. في هذه الاثناء يزيد الجمود فقط مخزون الغضب الكامن. واستخدام السلاح الشخصي (السكاكين، العصي)، والاستخدام المبالغ فيه للقوة، هو دليل على الاحباط المتطرف الذي يشعل نار جولة العنف الحالية.
أنا من مواليد القدس. ولدت تحت الاحتلال الاسرائيلي والحكم العسكري. لم أعرف ابدا ما هي الحرية. لست مواطنا في الدولة التي ولدت فيها. كمقيم من شرقي القدس، لست مواطنا اسرائيليا مثلما اني لست مواطنا فلسطينيا. عندما كنت ابن ثماني سنوات بدأت ارشق الحجارة. ليس لاني آمنت بان الحجارة ستجلب لي الحرية بل لاني شعرت بان رشق الحجارة منحني صوتا؛ فقد اتاح لي أن اعبر عن انعدام الحيلة. فكيف يمكنني أن اسمع صوتي بعد اليوم. الان، بعد سنوات من ذلك أفهم بان هناك سبلا اخرى، ولكني لا أزال افهم الاحباط والغضب وانعدام الامل.
من الصعب الا أتساءل من اجل أي نوع من القدس نقاتل. في هذه الايام تبدو المدينة مثل قاعدة عسكرية. لا يمكن للفلسطيني أن يسير مئة متر دون أن يوقفه افراد الشرطة. والاسرائيليون الذين يسيرون في الشوارع ينظرون خلفهم للتأكد من أن احدا لا يقترب منهم.
وفي نفس الوقت يذكرني محمد وسارة باني ايضا مقيم في قدس مختلفة، مدينة يمكنها أن تشكل نموذجا لحياة مشتركة وسلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين. هذه القدس تبرز احيانا في الحياة اليومية. اراها لدى اسرائيليين وفلسطينيين مثل محمد وسارة. اناس يرفضون ان يكونوا اعداء ويرفضون ان يقبلوا بالتقسيم الى "هم ونحن".
في الفترة التي يكون فيها زعماؤنا وسياسيونا محبطين، وهؤلاء الاشخاص الافراد يفعلون افضل ما يمكنهم كي يخلقوا واقعا مختلفا. هم اولئك الذين يمنحون الالهام والامل الحقيقي للقدس.