إجعلوهــم معاقيـن لا أمواتــا -حمادة فراعنة
2015-11-19
هل ثمة تحريض يفتقد لأبسط معايير الأنسانية ، من ذاك الذي دعا له وكتب عنه يعقوب عميدرور في صحيفة “ إسرائيل هيوم “ صحيفة اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يقوده نتنياهو ويرأس إئتلافه الحكومي .
كتب عميدرور مقالاً تحت عنوان “ إجعلوهم معاقين لا أمواتا” عن شباب فلسطين الذين يتقدموا صفوف المقاومة ضد جيش الإحتلال وأجهزته الأمنية ، وضد ميليشيا المستوطنين الذين ينشرون الخراب والحرق وتدمير حياة المدنيين الفلسطينيين في القدس والضفة وسائر المناطق ، حيث يتطوع هؤلاء الشباب بأدوات بدائية معبرين عن رفضهم لبقاء الإحتلال ، واعين للفشل المتراكم ، وعدم القدرة في تحرير أرضهم وإستعادة كرامتهم بوسائل التفاوض مع الإسرائيليين تحت الرعاية الأميركية لمدة تزيد عن عشرين عاماً ، ولذلك تجاوزوا قياداتهم التي ما زالت متمسكة بالتنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب ، وبالتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب ، وبادروا مندفعين بالحماس والأستعداد العالي للتضحية ومفعمين بالأمل أن تحقق خطواتهم الجريئة في المس بالجنود وميليشيا المستوطنين ومحاولاتهم لجعل الإحتلال مكلفاً ، وبهدف نيل الحرية والكرامة مثل كل شعوب الأرض ، وإلا فحياتهم لا قيمة لها أمام عدو مدجج بالسلاح مثلما هو مليء بالكراهية والحقد على كل ما هو عربي ومسلم ومسيحي .
وها هو يعقوب عميدرور يعبر عن ذلك بوضوح بالغ ، مالكاً الشجاعة – الوقاحة لأن يقول ما قاله في ظل توفر المناخ الملائم ، والتربية الخصبة ، والسياسة المقبولة لدعواته في عدم قتل حاملي السكاكين بل بجعلهم “ من المعاقين “ حتى يكونوا عبرة للأخرين ونموذجاً للعقوبة الدائمة في الحياة .
يقول يعقوب عميدرور على صفحة إسرائيل هيوم العبرية يوم 13/11/2015 :
“ ليس صحيحاً قتل هؤلاء من حاملي السكاكين ، بل من الأفضل جعلهم معاقين يُعانون طول الوقت ، ولا يتحولون إلى رمز للأجيال القادمة ، لأن هذا المجتمع الفلسطيني الذي يحب الموت ويفخر به ، سيفشل في منح الرعاية لأولئك المعاقين الذين كانوا سيحصلون على المجد في حال موتهم “ .
وتفسير عميدرور يقوده لعرض أسباب أخرى لدوافع دعوته في العمل على إعاقة شباب السكاكين وليس قتلهم ، كما يسميه “ فضلية المصاب على الميت “ ، فيقول إضافة إلى السبب الأول ، يضاف إليه الموضوع المهني المفيد أمنياً وهو “ يمكن التحقيق مع المصاب لمعرفة من أرسله ، وإذا لم يرسله أحد ، فيمكن معرفة دوافعه “ ويذهب إلى السبب الثالث وهو “ عندما يكون بالإمكان إحباط حامل السكين من خلال إصابته وليس قتله فيجب تفضيل ذلك ، وكلما تقلص عدد القتلى في الطرف الفلسطيني ، كلما كان موضوع الدعاية أمام العالم أكثر سهولة بالنسبة لنا كإسرائيليين “ .
فهل ثمة تلاعب بحياة البشر أكثر من هذا الأنحدار غير الأخلاقي وغير الأنساني ، ما قاله الكاتب الإسرائيلي عميدرور لم يكن صدفة ولا يعكس فقط عقلية الكره والعنصرية والأستهتار بحياة البشر لكونهم غير يهود بإعتبارهم من الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين ، بل جاءت أقواله رداً غير مباشر على تقرير منظمة العفو الدولية أمنستي التي دانت الجريمة البشعة التي قام بها جيش الإحتلال بإقتحامه لمستشفى الأهلي في مدينة الخليل وإعدام الشاب عبد الله الشلالدة بدم بارد وإعتقال إبن عمه المصاب الذي يرقد في المستشفى على سرير الشفاء بحجة الاشتباه بتنفيذ عملية طعن في نهاية شهر تشرين أول أكتوبر 2015 .
فيليب لوثر ، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية قال “ إن القوات الإسرائيلية لديها تاريخ طويل في تنفيذ عمليات القتل غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، بما في ذلك عمليات الأعدام خارج نطاق القضاء ، وإن إرتفاع عدد الهجمات التي يشنها الفلسطينيون على إسرائيل منذ بداية شهر تشرين أول أكتوبر لا يعطي أي عذر لقوات الجيش والشرطة الإسرائيلية بإستخدام القوة المميتة حين لا يقتضي الأمر ذلك “ .
ما قاله مسؤول منظمة أمنستي يُفسر دعوات الصحفي يعقوب عميدرور ، فهو يسعى لتحقيق غرضين أولهما تخفيف النقد الدولي على ممارسات جيش الإحتلال وأجهزته وميليشيات المستوطنين ، ومن جهة أخرى يدعو إلى تنفيذ عمل يكون أكثر فائدة في معاقبة الفلسطينين عبر جعل إصاباتهم مستديمة في الحياة لا تنتهي بالموت ، بل تبقى حية ماثلة للعيان وحصيلتها أن طريق الفعل والنضال والتضحية لها ثمن باهظ يتكلفه الشاب الفلسطيني ستبقى ملاصقة مستديمة معه وله للأبد .
ولكن الذي لا يدركه يعقوب عميدرور أن الشباب والشابات الفلسطينيين لا يبحثون عن الخلاص من الحياة ، بل يهدفون إلى التخلص من الإحتلال ومشاريعه وأثاره لأنه المدمر لمعيشتهم ، والمعيق لحياتهم ، والمغتصب لأرضهم ، والماس بكرامتهم ، ولذلك لم يعد أمامهم خياراً سوى استعمال الأدوات مهما بدت بدائية غير مؤذية ولكنها تعبير عن الموقف في رفض الإحتلال ومشاريعه ، مهما كان ثمن الرفض والفعل ، حتى ولو كان ذلك ثمنه فقدان الحياة التي لا قيمة في معايير الإسرائيليين نحو حياة الفلسطينيين .