حديث المقاطعة -محمد السهلي
2015-11-21
حملات المقاطعة أقلقت الحكومة الإسرائيلية ودفعتها لسن قوانين تعاقب كل من يؤيدها تقدم الاتحاد الأوروبي خطوة مهمة بشأن الاستيطان وقرر، ولو متأخرا، وسم بضائع المستوطنات الاسرائيلية. ما يفتح مجددا ملف مقاطعة اسرائيل التي رفع شعارها منذ سنوات وتعرج مسار الانجازات فيها لأسباب متعددة ومتداخلة.
ويشهد للمجتمع المحلي الفلسطيني نشاطه الواسع في هذا المجال، وقد شكل هيئات ولجانا متعددة في إطار الحملة الوطنية للمقاطعة. لكن ذلك لا يمنع القول إن هذه الحملة تفتقد البرنامج الموحد الذي ينظم نشاطها ويطور فاعليتها ويوفر لها الدعم السياسي والميداني المطلوب.
ولا يمكن الحديث عن المقاطعة بمعزل عن قراءة تأثير الاحتلال واستمراره على الحياة الفلسطينية بكافة مناحيها، حتى تتوفر للمقاطعة عوامل نجاحها وفق أجندة ترسم آليات الحملة.
كما لا يمكن القول إن المقاطعة وتطور مسارها ستكون بمعزل عن ضغوط تمارس من جهات متعددة خاصة إذ اكانت مهامها جزءا من المقاومة الشعبية للاحتلال.
من الضروري التأكيد على أن مقاطعة إسرائيل مهمة وطنية كبرى، وهي، على قدر أهميتها، تحتاج إلى فحص الواقع الاجتماعي والسياسي الفلسطيني بما يكفي للخروج ببرنامج يمضي في هذا الاتجاه بخطى واثقة بعيداً عن الارتجال والعشوائية. وقد انعكس واقع الاحتلال وذراعه الاستيطاني بشكل كارثي على الحياة الفلسطينية بكافة مناحيها، ودفع التراجع الحاد في الدخل المحلي الفلسطيني وانتشار البطالة بالعديد من الفلسطينيين للعمل في المستوطنات ذاتها.
وفي الوقت نفسه، وصلت عملية التسوية إلى طريق مسدود لأسباب كثيرة أهمها أنها انطلقت وفق أسس استبعدت قرارات الشرعية الدولية وسمحت للاحتلال بالانفلات في سياساته التوسعية. وهو ما أدى في النهاية إلى صدور قرارات متقدمة من المجلس المركزي الفلسطيني مؤخراً في مقدمتها وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وإحالة التسوية إلى قرارات الشرعية الدولية والدفع باتجاه مقارعة الاحتلال في الأمم المتحدة ومؤسساتها.
ترافق ذلك مع حملات مسعورة للمستوطنين هاجموا الفلسطينيين واعتدوا عليهم وعلى أملاكهم ووقع شهداء بينهم أطفال ونساء.
واتسعت بشكل ملحوظ وخاصة في بلدان الاتحاد الاوروبي حملات مقاطعة الاستيطان وهي مرشحة للتطور مع تفاقم الجرائم الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وتغوّل المستوطنين في اعتداءاتهم بتشجيع من جيش الاحتلال.
ضمن هذا الواقع من المفترض أن تكون قد توافرت لحملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية عوامل جدية تدفع بها نحو الأمام. لكن حسابات الحقل لا تنطبق على البيدر كما يقولون.
فقد بقيت قرارات المجلس المركزي بخصوص وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال عند عتبة اتخاذها. وإذا كان الأمر لا يتصل مباشرة بالاستيطان إلا أنه يؤشر إلى غياب الإرادة السياسية في اتخاذ إجراءات جدية في مواجهة جرائم الاحتلال، وهذا ينسحب على الموقف العملي من مقاطعة البضائع الإسرائيلية، لأن التردد السياسي في المجال المذكور ينسحب على التردد في رسم سياسات اقتصادية ــ اجتماعية تدعم الحالة المعاشية للمواطن وتمكن الحالة الاقتصادية الفلسطينية من وضع مقاطعة البضائع الإسرائيلية قيد التنفيذ الفوري مع توافر البديل المحلي أو المستورد من أماكن مختلفة. وهذا يفترض أن يكون اتفاق باريس الاقتصادي أول القيود التي ينبغي التحلل منها.
هذا لا يعني أن فعاليات مقاطعة البضائع الإسرائيلية مرهونة بانجاز المهمات الكبيرة المذكورة، لكن السير على طريق تنفيذ هذه المهمات يعطي للحملة غطاءها السياسي ويزيد من فاعليتها.
وإذا كان المجتمع المحلي الفلسطيني بمؤسساته قد نشط في مجال مقاطعة البضائع الإسرائيلية، فإن مكونات الحالة الفلسطينية السياسية من قوى وأحزاب وفصائل وشخصيات وطنية معنية بالدرجة الأولى بهذه الحملة وبالسعي لانجاحها وتعميمها، بما يشكل حالة ضاغطة على العديد من أصحاب المصالح التجارية الذين يرون في البضاعة الإسرائيلية مدخلاً للربح إن كان عن طريق العمل وكلاء للشركات الإسرائيلية أو من خلال تسويق بضائعها.
لقد أثبتت التجربة أن حملات المقاطعة على المستويين الوطني والدولي أقلقت الحكومة الإسرائيلية كثيراً ودفعتها لسن قوانين تعاقب كل من يؤيد هذه المقاطعة قبل الذين يلتزمون بأجندتها.
فمنذ أن أعلن البرلمان الأوروبي قراره وسم بضائع المستوطنات ، اجتمع المجلس الوزاري المصغر في إسرائيل وقرر تشكيل وزارة «مواجهة مقاطعة إسرائيل»، في اعتراف واضح بمدى تأثير الإجراء الأوروبي وتوقع تطوره إلى إجراءات أكثر فاعلية. ويمتد عمل هذه الوزارة إلى مراقبة ومواجهة وقائع حملات مقاطعة إسرائيل وقيادة نشاطات وعمليات الحكومة الإسرائيلية في مواجهة هذه الحملات، وهذا يعني أن غرفة عمليات أمنية سياسية اقتصادية ستكون معدة لمواجهة خطر المقاطعة المتنامي.
هذا يفترض بالجانب الفلسطيني أن تكون له غرفة عملياته الميدانية والسياسية وتوسيع جبهة المواجهة مع إسرائيل في مؤسسات الأمم المتحدة. وإذا تمت المباشرة بتنفيذ قرارات المجلس المركزي في هذا الخصوص يمكن الحديث فعلا عن حشر الاحتلال في الزاوية . من غير ذلك ستبقى حملات المقاطعة تقتصر على نشاطات موضعية لا تؤدي الوظيفة الوطنية المطلوبة.