الآثار الخفية لابتلاع البلاستيك
نحن محاطون ومحاصرون بالبلاستيك، فجسيماته الدقيقة موجودة ومبعثرة في طول الأرض وعرضها، وفي كل مكان وكل منزل تقريبًا، وفي الأنهار وأعماق المحيطات، وفي القطبين الشمالي والجنوبي، وعلى قمة جبال الهيمالايا. أيضًا، توجد الجسيمات البلاستيكية في الأرائك والسجاد والستائر والمنسوجات الصناعية، وفي العديد من المنتجات الاستهلاكية مثل الملح، ومياه الشرب، والمأكولات البحرية، والعسل، والفواكه، والخضراوات. حتى أجسامنا تحتوي على البلاستيك.
أظهرت دراسات أجريت هنا وهناك، أن البشر يبتلعون جيشًا من الجسيمات (الجزيئات) البلاستيكية كل عام عن طريق الأكل والشرب.
وفقًا لدراسة تحليلية صادرة عن جامعة نيوكاسل الأسترالية حول ابتلاع الإنسان للبلاستيك فإنه يمكن للشخص العادي أن يتناول حوالى 5 غرامات من البلاستيك كل أسبوع، أي ما يعادل وزن بطاقة الائتمان.
وأفادت دراسة كندية نشرت سابقًا أن المواطن الأميركي البالغ يتناول أكثر من 50000 جسيم دقيق من البلاستيك سنويًا، ويرتفع هذا الرقم ليصل إلى 90000 عند أولئك الذين يستهلكون بانتظام المياه المعبأة في قناني بلاستيكية.
تعدّ المأكولات البحرية من أكثر المصادر الملوثة بالجسميات البلاستيكية الدقيقة التي يتعرض لها البشر.
لمحة عن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة
الجسيمات البلاستيكية الدقيقة هي جزيئات صغيرة من البلاستيك يقل قطرها عن 5 مليمترات، وتتشكل هذه الجسيمات بسبب التحلل الميكانيكي والبيئي للبلاستيك، وعن طريق التكثيف من خلال عمليات التسخين أو حرق البلاستيك، ويمكن العثور عليها في كل مكان بما فيها الطعام. تقول دراسة نشرت في مجلة نيتشر كومونيكيشنز Nature Communications أنه بالنظر إلى صغر حجمها، يمكن لهذه الجسيمات الدقيقة أن تنتقل عبر القارات بواسطة الرياح الشديدة، وأنْ تتراكم في البيئة المحلية، وقد يكون من الصعب اكتشافها.
وتتألف الجسيمات البلاستيكية من مزيج من قطع البلاستيك الصغيرة ومواد أخرى يضيفها المصنعون لمنح البلاستيك صفات خاصة مثل الشفافية، والمرونة، والمتانة.
براز بلاستيكي
منذ سنوات قليلة، وتحديدًا في عام 2019، درس العلماء من جامعة فيينا الطبية في النمسا ووكالة البيئة النمساوية محتويات براز 8 أشخاص يعيشون في مواقع جغرافية مختلفة هي: فنلندا، النمسا، إيطاليا، روسيا، بريطانيا، اليابان، هولندا، بولندا. أتى التحقيق بنتائج لا تصدق، إذ وجد المشرفون على الدراسة وجود جسيمات بلاستيكية دقيقة في كل عينات البراز التي تم اختبارها.
المخاطر الصحية المتوقعة لابتلاع جسيمات البلاستيك الدقيقة
تمر الجسيمات البلاستيكية الدقيقة يوميًا إلى أجسامنا عبر الطعام والشراب، خاصة من المأكولات البحرية، إلا أنه لا يعرف بعد مدى تأثيرها على الصحة بشكل مؤكد بسبب شح الدراسات التي تعرضت لهذا الموضوع. يمكن القول في ضوء المعلومات المتاحة أنه لا يوجد تأثيرات مباشرة قصيرة الأمد على الصحة للجسيمات البلاستيكية، إلا أن نتائج البحوث التي أجريت على الحيوانات وفي أنابيب الاختبار تظهر أن الجسيمات تستطيع أن تعبر الحواجز الفيزيولوجية لقناة الهضم وتتفاعل مع خلاياها، وهذا قد يترتب عليه مخاطر محتملة قد تلوح في الأفق على المدى البعيد يمكن إجمالها كالآتي:
1. قد تلحق الضرر بجهاز المناعة
أظهرت العديد من الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن الالتهاب المتزايد الناجم عن التعرض للجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية يؤدي إلى خلل في عمل الخلايا الظهارية المعوية، وإلى خلل على صعيد التوازن المعوي المؤكسد والالتهابي، ما يسفر عنه ضعف في صحة الأمعاء، وضعف في صحة جهاز المناعة. ومن باب العلم بالشيء، فإن 70 إلى 80% من الخلايا المناعية في الجسم توجد في دهاليز القناة الهضمية، وهذا يعني أن أي ضرر يلحق بتلك القناة سوف ينعكس سلبًا على صحة جهاز المناعة.
يؤدي تعرض القناة الهضمية المستمر للجسيمات البلاستيكية الدقيقة إلى زعزعة التوازن الاستراتيجي بين ميكروبات الأمعاء الجيدة والسيئة، فتكون النتيجة لصالح الأخيرة. أكثر من هذا، إذا صدف أن حملت الجسيمات على سطوحها ميكروبات ضارة، فإن المزيد من الضرر سيلحق بجهاز المناعة.
2. قد تزيد من مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة
تفيد البحوث العلمية إلى أن التعرض طويل الأمد للجسيمات البلاستيكية الدقيقة يمكن أن يتسبب في حدوث اضطرابات بعمل الغدد الصماء، الأمر الذي قد يؤدي إلى مخاطر الإصابة بأمراض، مثل مرض ما قبل السكري، والداء السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، وهي أمراض شبيهة بتلك التي يسببها النظام الغذائي غير المتوازن.
3. ربما تعطل عمل الهرمونات
يعتقد العلماء أن ما لا يقل عن 15 من المواد المستعملة في صنع العبوات البلاستيكية تحاكي في عملها عمل بعض الهرمونات في الجسم، مثل الأنسولين والهرمونات الجنسية (الأستروجين والبروجيسترون والتستوستيرون)، وقد يخلق هذا اضطرابات في الوظائف الطبيعية للغدد الصماء، ويؤدي إلى آثار صحية ضارة، وإلى الإصابة بأمراض كالعقم ومتلازمة تكيس المبايض.
4. الإجهاد التأكسدي في كيمياء الجسم
وجد العلماء أنه يمكن للجسيمات البلاستيكية الدقيقة أن تسافر من القناة الهضمية عبر مجرى الدم والأوعية اللمفاوية لتحط رحالها في أعضاء مختلفة من الجسم، مثل الأمعاء والكلى والكبد، وقد يسبب هذا اضطرابات في استقلاب الطاقة والدهون، ويؤدي إلى إجهاد تأكسدي في كيمياء الجسم قد يتسبب في مشكلات صحية خطيرة، مثل السرطان والنوبات القلبية وتلف الخلايا العصبية ومرض باركنسون.
المصادر الغذائية للجسيمات البلاستيكية الدقيقة
1. المأكولات البحرية
تحتوي منتجات البحر، خاصة المحار والأسماك، على تراكيز عالية من الجسميات البلاستيكية الدقيقة. ليس ضروريًا أن يتم تجنب هذه المنتجات كليًا، لأنه لا يعرف بعد الكثير عن كيفية تأثير هذه الجسيمات على الصحة. يوصى في هذا الإطار اختيار المنتجات العالية الجودة والتي تأتي من مصادر معروفة وموثوقة.
2. ملح الطعام
هناك قلق متزايد بشأن الآثار الصحية لملح الطعام، فأنواعه المختلفة: ملح البحر وملح البحيرة والملح الصخري والملح الجيد، تعد نواقل شائعة للجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي يمكن أن تسمم خلايا الجسم.
3. الماء
أوضحت دراسات عديدة أن مياه الشرب، سواء كانت معبأة أو من الصنبور، هي مصادر لإدخال الجسيمات البلاستيكية الدقيقة إلى جسم الإنسان، وذلك تبعًا لدرجة تلوثها وكمية استهلاكها.
عندما تم فحص مياه الصنبور في خمس قارات، وجد أن أكثر من 80% من العينات كانت ملوثة بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة القادمة من تآكل الملابس والسجاد الصناعي وإطارات السيارات وغيرها.
هل يمكن التقليل من ابتلاع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة؟
لا يمكن منع ابتلاع الجسيمات البلاستيكية كليًا، ولكن يمكن تقليل كميتها من خلال التقيد ببعض النصائح التي تتضمن:
- استخدام قوارير ماء مصنوعة من الزجاج، أو الفولاذ المقاوم للصدأ، والابتعاد عن العبوات البلاستيكية.
- اختيار عبوات طعام وشراب صديقة للبيئة.
- الابتعاد قدر المستطاع عن الأطعمة المصنعة في النظام الغذائي.
- التقليل من تغليف الأطعمة بالمواد البلاستيكية.
مسك الختام
نحن نأكل جزيئات البلاستيك كل يوم مع الطعام والشراب، وهي موجودة في أجسامنا، وهذه حقيقة أصبحت معروفة للقاصي والداني. هناك قلق بشأن المخاطر الصحية التي يشكلها البلاستيك على صحة الإنسان، خاصة أن نتائج الدراسات التي أجريت على الحيوانات وفي المختبر قد أشارت إلى وجود آثار صحية سلبية. أما عن تأثيراتها السلبية على البشر، فما زالت الأمور غير واضحة بعد، ومع ذلك، فإن هناك رهط من الخبراء الذين يعتقدون أن الجسيمات البلاستيكية الصغيرة ربما تضر بصحتنا بمجرد تسللها إلى أجسامنا، خاصة أنها تحتوي في طياتها على إضافات كيميائية ارتبط عدد منها بمشكلات خطيرة، مثل السرطان، والعقم، ومقاومة الأنسولين، ومرض السكري النوع الثاني، وأمراض القلب، وزيادة الالتهابات، واضطرابات النمو العصبي عند الصغار. من هنا، وأمام هذه المخاطر المحتملة، فقد أصبح من الضروري إجراء المزيد من البحوث الجديدة من أجل وضع النقاط على الحروف، وتفيد أحدث المعلومات أن هناك ورشات علمية عديدة تعمل على هذا الموضوع.