عن مؤسسة محمود درويش وفأر السياسة
2015-12-17
تدبّر أمرك وانصرف ، فالوقت من برد ومطّر ، وخذّ معطف الفصول الأربعة معك الى المدرسة ، واختصر طريقك يا ولدي ، فالحياة تنتظر.
كلام لو دخل ملف السياسيون في بلادي لا يعني لهم الكثير ، ولا يقفون عنده ، بل يتجاوزنه وكأنه لغو كلام ، فالثقافة وحياة المثقفين ، مواسم للمهرجانات والخطابات عن السادة السياسيين ، ولا يدخلون حملات أوجه الابداع ، بل يقتحمون بجرافاتهم ( القرارات ) كل الحصون ، ويدهسون من أمامهم دون أن يفكروا حتى بوردة الجوري على ضفاف الطريق ، فتزهق روحها وتصبح للتراب والشقوق ، لا يعنيهم معابر الروح في محابر الشعراء ، ولا تطوق لهم حكايات البلد في روايات الادباء ، ولا رسم المهوسين بالجمال في لوحات الحياة ، كل ما يعنيهم الكرسي والمنصب والجاه وتحريك العباد حسب مواقيت المصلحة .
هذا وغيره الكثير ، فلماذا تقتحم السياسية الوحشية ، مؤسسة محمود درويش وبهذا التوقيت بالذات ، لتدمر رمزيتها ، وتكسر مراياها لتسيل رهقاً على حواف قبر الراحل الكبير ؟
لماذا تشنقون معنوياً قامات أدبية وكبيرة وحاضرة ولها حضورها واحترامها ، في الوقت الذي نواجه فيه كل صنوف العذاب والقهر من قبل عدونا واطماعه ، فهؤلاء من يعبرون الى خارج حدود المكان ، ويتغلبون على سطوة الجغرافيا ، لكي يمرروا رضاعة طفل مغسولة بدمائه الى متحف في العواصم ، ويعلقون قصائدهم على جدران القلوب في المدائن ، ويستوردون عواطف حتى المختلفين معنا ، على مسرح إبداعهم ، لماذا هؤلاء يقهرون بهمزات الماكرين من ساسة لا ينظرون أبعد من شبرين عن كراسيهم ؟
ولأنه محمود درويش وصدقاته القديمة ، والعتيقة وقلوب من أحب وأقترب منهم واقترب إليهم ، وصفوة من أخبر عنه ، وكتب فيه ، ورسم له ، ودون عن حياته ، شكلوا جوهر مؤسسته الثقافية ، فرك السياسيون أنوفهم حتى لم يشموا لهم رائحة تذكر في هذا الفضاء الثقافي المحلق في الحياة ، فلم يعجبهم تلاشي ظلالهم هناك فأدمغوا الفرية ، في أذن كبيرهم الذي أنصت للأسف واتبع هواهم ، فنزل حفرة لا تليق به ، ولا بمكانته ، فمن أجل خصم واحد ، دمر نخبة من الأدباء ، وفرق بين الراحل محمود درويش وأرواح تسهر على سيرته ومسيرته ، فهذا الغائب لم يكن يوماً خصيماً لأحد ، قدر اختصامه مع السياسية ، ولأن قلبه الذي في صدره وطن بسعة وطنه العالم ، تحمل منهم وتحمل عنهم ، وصاحبهم في الدنيا معروفا ، ليمرر روحه الشعرية الى الدنيا ، ويحمل لهم بشائر الموانئ البعيدة ، فقصائده التي فتحت القلوب قبل البلدان ، تعلمت كيف تحفر " فلسطين " عشقاً فيها .
اليوم ولأن أقرب من كان لهم محمود درويش ، أصبحوا أبعد من يكونوا عن السياسيين الحاكمين بأمر واحدهم الوحيد ، قرروا نيابة عن كل المثقفين والابداعيين والمؤدبين في فلسطين ، أن يخلعوا منارات مؤسسة محمود درويش ، ويرموها لحواضر أخرى تسمع وتطيع ، وتمشي الى حظائرها بأمر مرافق أو مراسل عند سياسي شارك في الإطاحات الهرمية ، وأدخل حصاة فقيرة الى مهابة أدبية ومتحف كوني يرقد حارسه حوله كليث بشاهد رخامي غارق بالإبداع .
وكأننا نسمع محمود درويش يردد في المدى اليوم ..
لو كنت حياً لمشيت الى جنازتي وحيداً
أخذت قبري بعيداً
وتركت حصاني للريح
لفركت شفاه حبيبتي "رام الله "
ودخلت مدينة أخرى
أسمها "أنا" المحبّ والحبيب
محمود درويش لا يعرف الكراهية ، فلماذا تمارسون أشد أنواع الكراهية فيه؟ وهكذا سار محبوه على دروب اللأكراهية :
يقول الشاعر خالد جمعة بعد أن بلغ بإقالته من مؤسسة درويش : " أمّا أنا يا أمي، فكما تعرفينني ما زلتُ، لم أصطد يوماً عصفوراً، بل كنت أحررها من شباك الصيادين كلما أتيحت لي الفرصة، وكما تعرفين أيضاً، أنني لم أنظر بعين الحسد إلى أحد، لا لمن تفوقوا عليّ في الدراسة، ولا لمن جنوا المال الكثير فيما أنا أطاردُ ألوان قوس قزح، وأظنك تذكرين أنني لم أرجم قطاً بحجر، ولم أقتل فأراً في البيت، وكنت مهووساً بكل عشبة تنشأ أسفل جدار بيتنا المتهالك في المخيم...
اليوم يا أمي، حولي الكثير من الأعشاب، ولا قلب لي كي أقتلعها من جوار الأشجار، وما زالت العصافير تحط علي شباكي فأضع لها الفريكة التي اشتريتها بغرض عمل شوربة، وما زلتُ أحدّق في سماء الصباح كل يوم كي أخزن في ذاكرتي ما تتيحه من ألوان قبل أن أفقد بصري، ما زلت ذات الولد الذي ربته يداك،، أسامح كل شيء وأي شيء لأنني لا أملك القدرة على الكراهية، جربتُ كثيراً ولم أفلح في كره أحد، حتى أنني صرت أقول "لا أحب" بدل مفردة "أكره"، كل هذا كان بسببك أنت، لأنك منذ أن أحضرتِنا إلى العالم، وكل ما فيك ينضحُ محبّةً وعزة نفس، كما كنت تقولين دائماً: اللي بيكره يمة، هذا معندوش قلب عشان يحب فيه، أصل اللي عندو قلب أكيد بيعرف إنو الله خلقو عشان يحب مش عشان يعمل إشي تاني...".
ويقول الشاعر غسان زقطان :" بالنسبة لقضية حل مجلس أمناء مؤسسة محمود درويش وتعيين مجلس جديد للمؤسسة، أود ان اوضح للصديقات والأصدقاء أنني لا أتعامل مع الأمر بشكل شخصي على الإطلاق، ولكن ما يثير الألم والأسى هو الطريقة التي يجري فيها التعامل مع المؤسسة الثقافية في بلادنا، تفكيكها والاستيلاء عليها واخضاعها للصراعات السياسية وتصفية الحسابات، هو أيضا هذا الانشغال الغريب الضار بتصفية الحسابات الصغيرةعلى حساب المشروع الوطني بينما الشارع الفلسطيني يواجه أعزلا الاحتلال والانقسام معا، وهو في نفس الوقت محاصرة احدى أهم مؤسسات العمل الثقافي وأنشطها وأكثرها قدرة على فتح الفضاءات لمختلف التجارب محليا واقليميا وعالميا متكئة على ارث محمود درويش وحضوره الوطني والانساني، ومحاولة استبعاد المثقفين واقصائهم تحت شعارات مضجرة. هذا ما يثير الأسى ويجعل من أي حجة سيتم سردها لاحقا للتبرير امعانا في اهانة الوعي".
اما خالد سليم بدرب تحليله بتدوينة جاء فيها :" في سياق الحديث عن مجلس الأمناء الجديد لمؤسسة محمود درويش، تلفت النظر حركة مثيرة في أسماء من خرجوا ومن دخلوا.
لقد أُقصي ياسر عبد ربه، وجيء بزوجته ليانا بدر، مع حفظ مقامها الأدبي طبعًا.
كما أقصي أحمد درويش، وجيء بشقيقه زكي.
قد يفهم هذا باعتباره محاولة لزرع الفتنة العائلية وزعزعة الأمن الأسري الداخلي!
هذه واحدة.
إيهاب بسيسو، وزير الثقافة الجديد، ليس عضوًا في مجلس الأمناء الجديد، والأصل أن وزير الثقافة عضو بحكم المنصب.
ولعل هذا يبعد شبهة تدخل بسيسو فيما جرى، كما حاول البعض الترويج، وهو فوق مستوى الشبهات لمن يعرفه أصلاً، والمرسوم صدر قبل التكليف، أو على الأقل أعد قبله.
هذه الثانية.
أما الثالثة، ومرة ثانية، فهي عضوية الدكتور محمد مصطفى، رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني.
لقد تولى الصندوق في مرحلة سبقت مسؤولية جريدة الحياة الجديدة، وتعامل معها كما يتعامل مع مصنع لدبغ الجلود؛ حديث دائم عن إحصاءات وأرقام وتقييمات وعمل إداري هائل، لا يصلح لإسقاطه على العمل الإعلامي. وقد كانت فترة بائسة تمامًا، لعدم الاختصاص.
كما أن عند الرجل مسؤوليات جسامًا، ستبدو معها عضوية مجلس أمناء مؤسسة درويش، كشعار جمالي يعلق على الصدور، ولا يتوقع له أن يكون مفيدًا هناك.
باختصار، يلاحظ أن هناك ذكاءً عجيبًا في إعداد القائمة".
عن أمد للإعلام