نايف حواتمة بعيونٍ عراقيّة -سالم الزيدي
2015-12-19
■في 28 أيلول 1961 برزَ حواتمة بدوره المتميز والفعال في الغضب الجماهيري للقوميين في بغداد والمسيرة التي شهدتها يوم إعلان انفصال سورية عن الجمهورية العربيّة المتحدة، وكان يقود التظاهرة بشجاعةٍ وثباتٍ.
■ في الذكرى الأولى لإعدام الضباط القوميين الشهداء كانَ حواتمة على رأس التظاهرة التي انطلقت من الكرخ، وتوجهت نحو وزارة الدفاع في جانب الرصافة، حيث جرت معركة بين المتظاهرين وقوات السلطة.
■ حواتمة رمزً قوميً وقائد ثوري، يعرف كيف يتعامل مع الواقع بإدراكٍ علميٍّ، مدافعًا عن تأريخ الأمة وحضارتها، ومواجهة الأعداء الطبقيين والمحتلين؛ من خلال الفكر والثقافة، وبناء الإنسان، ووضع برنامج للنهوض بالواقع المجتمعي، والدفاع عن الحقيقة والموقف والقرار.
■ منذ طفولته وما زال على الرغم من المعاناة التي واجهها في كُلّ الساحات العربيّة.. يبقى نايف حواتمة صاحب العينين الصافيتين يتملك الروح الشبابية والطموح، والمؤمن بقدسية الكلمة والإنسان، ويبقى دائمًا متجددًا ومتنورًا، ويبقى كزهرة مرسومة على راية.
ما زال ذلك اليوم من شهر شباط عام 1961 من القرن الماضي محفوظًا في ذاكرتنا؛ لما يحمل من معانٍ جعلتني التزم بها في حياتي.
المكان: مقهى شعبي في الجانب الشرقي لمدينة بعقوبة.
الزمان: الساعة الثامنة من صباح يوم الجمعة.
كنا ثلاثة تبلغنا بتنفيذ مهمة تقضي استقبال الرفيق (خالد) ومرافقته إِلى ناحية (كنعان) جنوب شرق بعقوبة (خمسة عشر كيلومترا). كانَ ذلك اليوم ممطرًا بشكلٍ غريبٍ لم تشهد المدينة من قبل، وتزامن مع موجة بردٍ شديد جدًا.
جلسنا ننتظر والساعات تمر، وتمر ونحن في انتظار الضيف القادم، ونلهي أنفسنا بلعب النرد؛ حتّى لا نجلب الشبهات لنا من رجال الأمن الذين كانوا موجودين في تلك المقهى القريبة من دار المعلمين في بعقوبة.
وعند الساعة العاشرة دخل (خالد) بثيابه المبللة واعتذر عن التأخير.
وقال: هيا لنذهب
رده (يونس) برجاء: يا عزيزي انتظر قليلًا؛ حتّى تنشف راسك وتجفف ملابسك وارشف قدح شاي.
أجابه سريعًا: كلا لابدّ من الذهاب والوصول بسرعة.
وأراد الرفيق الآخر الكلام، إِلَّا أَنَّهُ قال لَهُ بهدوءٍ: علينا أَنْ نسرع بالذهاب.
وخرجنا من المقهى نحو مرأب السيارات، نبحث عن وسيلة نقل، وقفنا ننتظر.. حتّى تمكنا من العثور على سيارةٍ كبيرةٍ كانت تسمى في ذلك الزمان (باص خشب) ولا يمكن لها الحركة في أيام المطر، إِلَّا بوضع سلاسل من الحديد على إطاراتها؛ حتّى لا تطمس في الطين والوحل، علمًا أَنَّ الطريق المؤدي إِلى كنعان كانَ ترابيًا.
فانطلقت السيارة وفي الطريق واجهتنا المصاعب، وما لازال المطر يتساقط بغزارة، والريح القارصة للأجسام تشتد واختفت معالم الطريق، وتوقف محرك السيارة، وبدأ السائق يتأفف محاولًا تشغيلها بوساطة (الهندر).
قال لَهُ خالد: ماذا حدث؟
أجابه السائق ببرود: الماكنة تأثرت بالماء ولا يمكن تشغيلها إِلَّا بعد أَنْ يجف المحرك.
قال لَهُ: والحل؟
ردّ السائق: الانتظار.
برباطة جأشٍ انتفض خالد وقال: لنترك السيارة ونتوجه إِلى كنعان سيرًا على الأقدام.
أجابه السائق: هذه مغامرة (وليدي) على الرغم من أَنَّ القرية (شمرة عصا) لكن لا يمكن السير في شدّة المطر والرياح.
أردف خالد: شكرًا، ونحن سنتوجه إِلى كنعان.
وقدم لَهُ اعتذاره بعد أَنْ دفعنا الأجرة، لكن السائق رفض استلامها، ولكنه أصرّ على دفعها.
ثبات ومواجهة
فتح الرفيق (خالد) باب السيارة بشجاعة، وقال: هيا، (مسيرة الميل تبدأ بخطوة)، وبدأ يتحدث لنا عن الشجاعة، والثبات، والمواجهة، والمكابرة، واتخاذ القرار، وضرب لنا أمثالًا عن سيرة قادة قدموا عطاءات للإنسانية، وضحوا من أَجل المبادئ والقيم. واستمرينا في المسير، وقبل الوصول إِلى كنعان قال: ستبقى هذه الرحلة تتذكرونها دائمًا؛ لما فيها من عبرٍ ومعانٍ.
دخلنا كنعان الساعة الواحدة ظهرًا، لا أحد في المدينة، المحلات قد أُغلقت أبوابها، توجهنا نحو الهدف إِلى دار الرفيق (عصام)، استغرب كثيرًا، وتساءل كيف وصلنا؟ بعد أَنْ رحب بنا بحرارة، ودخلنا الدار، ونادى على أحد أبناءه بجلب مدفأة، وإحضار المناشف، إِلَّا أَنَّ الرفيق (خالد) ابتسم وقال: سنعود حالًا، جئنا لنؤكد على مبدأ احترام الموعد؛ لأَنَّهُ ثمين جدًا جدًا.
أردف الرفيق عصام بحبٍ ومودةٍ لا عودة اليوم، أنتم ضيوف أعزاء، سأذهب لإحضار الرفاق لتحقيق الاجتماع، إِلَّا أَنَّ الرفيق (خالد) ردّه: يؤجل الاجتماع إِلى الإسبوع القادم وبدأ يتحدث معه عن الوضع السياسي في العراق وبناء التنظيم، واعتماد مبدأ اختيار الأعضاء على أساس النوعية بشكلٍ جيدٍ وبأُسسٍ علميةٍ بحسب توجيهات القيادة «بلورة وتعميق المفاهيم الفكرية والتنظيمية؛ لخلق العضو العقائدي الثوري المنضبط»، أَمّا بشأَن مجموعة الشباب الذين تَمَّ اختيارهم للتدريب على السلاح فيجب أَنْ تكون العملية سرية جدًا؛ حتّى لا تُكشف للسلطة، وكلفه بنقل تحياته وتحيات القيادة للرفاق، ولابدّ من العودة سريعًا؛ لأَنَّ لَهُ موعدًا مساء اليوم في بغداد.
بعد استراحة عدنا إِلى بعقوبة بوساطة سيارة عسكريةٍ «زيل» أوقفناها، وطلبنا منهُ إيصالنا إِلى بعقوبة، لكن العسكري الذي كانَ يقود السيارة قال: نحن نصل إِلى معسكر سعد، ولا نذهب إِلى بعقوبة، قلنا لَهُ: موافقون، وتحركت السيارة نحو بعقوبة، وجلسنا في مؤخرة السيارة.
ذكريات ومواقف
للإنسان (خالد) ذكريات ومواقف في عِدَّة مدنٍ عراقية، ويتذكر الرفيق (كنعان الخشاب) عضو المكتب السياسي للحركة الاشتراكية في العراق (قائلًا): لم أنسَ ذلك اليوم؛ إذ قابلت الرفيق خالد في مدينة الموصل في ستينيات القرن الماضي وكان في مهمة مقابلة المرشحين؛ لنيل العضوية في حركة القوميين العرب؛ إذ طرح علينا عِدَّة أسئلة:
كم مرة نزفت دمًا؟
ما الكتب والمجلات التي تطالعها؟
هل شاركت في مظاهرات ضد السلطة؟
هل اعتقلت؟
هل أسهمت في كتابة شعارات على جدران البيوت في الموصل؟
هل لديك علاقات مع القوى السياسية العامة في الموصل؟
هل اعترفت بالتحقيق؛ نتيجة التعذيب أو الانهيار النفسي؟
وأسئلة وأسئلة أُخرى، وأكد أَنَّ قوة التنظيم تبدأ بعملية اختيار العضو وقدرته على تنفيذ برنامج الحركة.
وفي الذكرى الأولى لإعدام الضباط القوميين الشهداء (ناظم الطبقجلي وجماعته) كانَ خالدٌ على رأس التظاهرة التي انطلقت من منطقة (الجعيفر) في الكرخ، وتوجهت نحو وزارة الدفاع في جانب الرصافة، إذ جرت معركة بين المتظاهرين وقوات السلطة.
وفي 28 أيلول 1961 برزَ (خالد) بدوره المتميز والفعال في الغضب الجماهيري للقوميين في بغداد والمسيرة التي شهدتها يوم إعلان انفصال سورية عن الجمهورية العربيّة المتحدة، وكان يقود التظاهرة بشجاعةٍ وثباتٍ، حتّى وصلت أمام السفارة المصرية في الوزيرية، والمواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن والشرطة تشتد، وكيف جرت محاولة اعتقال الرفيق (خالد) في أثناء إلقائه كلمة في المتظاهرين، مستنكرًا وشاجبًا الانفصال، وداعيا الجماهير للثورة على النظام في العراق، إِلَّا أَنَّهُ تمكن من الهرب، واختفى لمُددٍ طويلة متنقلًا من منطقة إِلى أُخرى.
وعلى إثر ذلك انتقل (خالد) إِلى مدينة الحلة بمحافظة بابل، إذ سكنَ في وكرَ لحركة القوميين العرب في بيت (إبراهيم نوري) وهو بيت متواضع في محلة (كريطعة) وهو حي شعبي، وكان يقضي أكثر أوقاته في القراءة والاتصال بالقيادات الميدانية لإدارة شؤون التنظيم في القطر، وأقام حلقة تنظيمية ثقافية تضمنت محاضرات في القضايا الفكرية، والاقتصادية، والسياسية، وشارك بالدورة كُلّ من: عبود منجد العميدي، وعبدالرزاق طعمة، وإسماعيل إبراهيم العزاوي، وسلمان عبيد (الشهير بِاسْمِ سلمان المصور)، وإبراهيم نوري، وألقى المحاضرات معه عمر فاضل صاحب مجلة الحرية اللبنانية، ويحدثنا المرحوم خليل إبراهيم نوري أَنَّ في ذاكرته صوراٌ متواضعةٌ عن الأستاذ نايف حواتمة (خالد) الذي كانَ يتابعني ويسألني عن مستواي الدراسي، إذ كنتُ في الصف الرابع الابتدائي ومستواي الدراسي ضعيفًا، ولاسِيَّمَا في درس الإملاء، فأخذ الأستاذ (خالد) يملي عليَّ دروس الإملاء ويراجع معيّ دروسًا أُخرى، ولاسِيَّمَا التأريخ، فتحسن مستواي كثيرًا.. وأحببت درس التأريخ، أَمّا الصورة الثَّانية فقد طلب مني ذات يوم أَنْ ارسم صورة من الذهن ولأي شيءٍ يخطر ببالي.. فرسمتُ مظاهرة! ولكنه نصحني أَنْ ارسم وردة أو شجرة في المرة القادمة.
وأضاف المرحوم خليل إبراهيم: بعد عام أو أكثر سافرت إِلى بغداد مع والدي الذي استصحبني إِلى النادي الثقافي العربيّ، وهناك استقبلنا الأستاذ (خالد) بحرارة وشد على يدي مصافحًا بعزمٍ، والمفاجئة أَنَّهُ سألني عن دروسي ورسومي، وما أفكر به... وفي آذار 1963 وبعد اكتشاف الحركة الانقلابية لحركة القوميين العرب ضد سلطات البعث اُعتقل والدي والكثيرين من القوميين العرب، فضلًا عن عدد من العناصر القومية، وفي أثناء ذلك أتذكر أَنَّ رسالةً وصلت لنا من بيروت تحمل توقيع (خالد)، فذهبت إِلى والدي في التوقيف وقلتُ لَهُ ذلك، فقال لي: احتفظ بالكارت؛ لأَنَّها وثيقة مهمة وفي أدناه نّصّ الرسالة:
«الأخ إبراهيم نوري المحترم
الحلة – العراق
23/5/1963
عزيزي إبراهيم
تحية وبعد..
وعلى الأرض السلام.. وفي النَّاس المسرة..
هكذا تقول الصورة، ولكن لا علاقة لَهُ بحاضر الحياة، فجيلنا ابن المأساة، والباحث عن السلام مستقبلًا؛ فالذي لاشك فيه أَنَّ جهدنا جميعًا كفيل بالوصول إِلى الحياة العربيّة الموحدة التي يضمها كُلّ إطارات الخير والجمال، بورك في نضالكم المجيد لحياة عربيّة ديمقراطية موحدة.
وتحياتي إِلى أم خليل وإِلى الأسرة الكريمة التي احمل لها أَجمل الذكريات.
ودمتم للعروبة
خالد
الاعتقال والتسفير
وذكر الراحل أمير الحلو (وهو أحد قياديي القوميين العرب في العراق في مرحلة الستينيات من القرن الماضي) كانَ نايف حواتمة عنصرًا فاعلًا في قيادة حركة القوميين العرب في العراق، وتعرض للاعتقال في نهاية عام 1962 من قبل الأمن في بغداد، ووجهت لَهُ تهمة التآمر لإسقاط الحكم بعد اكتشاف نسخة من بيان رقم (1) في الوكر الحزبي الذي كانَ يسكنه مع السَيِّد عبدالإله النصراوي عضو قيادة الحركة في الوزيرية، إثر اكتشاف خطة حركة القوميين العرب للانقضاض على سلطة عبدالكريم قاسم، وكان من المفروض أَنْ تتم في أوّل يوم من عيد الفطر في أثناء الحفل الذي اعتادت جمعية المحاربين القدماء في بغداد على إقامته. وكان الحركة على أهبة الاستعداد لتنفيذ الخطة، وحُدِدَ لها تأريخ 25 شباط 1963، إذ تقرر اغتيال عبدالكريم قاسم في نادي الضباط إبان استقباله للمهنئين بمناسبة عيد الفطر المبارك، ويبدو أَنَّ الحركة من خلال قياديتها قد اتصلت بمجمل الكتل القومية العسكرية في الجيش في وقت واحد، وكان (لحواتمة) الدور المهم في التخطيط والتهيئة للحركة الانقلابية. ولم تنسق حركة القوميين العرب مع حزب البعث العربيّ الاشتراكي الذي كانَ يخطط أَيْضًا لتنفيذ عملية انقلابية؛ للسيطرة على السلطة، وكان الصراع بينهما على أشده؛ لتنفيذ العملية الانقلابية ضد عبدالكريم قاسم، وترسبت معلومات للسلطة عن وجود تلك الخطط التي تزمع تنفيذها القوى القومية في العراق؛ لإسقاط الحكومة، مِمَّا دفعها لإحالة الكثير من الضباط ذوي الاتجاه القومي على التقاعد، والقيام بحملة اعتقالات واسعة شملت العسكريين والمدنيين من التيار القومي في العراق. في خضم تلك الأحداث قررت قيادة حزب البعث تغيير الموعد السابق، وتحديد يوم الجمعة الموافق 8 شباط 1963 موعدًا لتنفيذ حركتهم الانقلابية، وفعلًا نُفِذَتْ بحسب ما خُطِطَ لها.
تمكن (حواتمة) من إطلاق سراحه بنفسه من المعتقل بعد سماعه البيان الأَوّل الذي أُذيع من إذاعة بغداد، وأمرَ سجانيه بذلك، وعاد ليمارس أعماله القيادية...، ووضعت للحركة برنامجًا سياسيًا، وثقافيًا، وخطط عمل للمرحلة الجديدة التي يمر بها العراق، وقد أسست الحركة النادي الثقافي العربيّ (وهو ناد ثقافي اجتماعي، وقد اتخذ لَهُ مقرًا في منطقة الأعظمية)، وبدأ نشاط الحركة يتوسع ويأخذ بُعدًا في مدن العراق؛ وأكد وتوجيهاته بضرورة إقامة دولة مدنية ديمقراطية في العراق، واعتماد مبدأ المواطنة ومنح القوميات حقوقها القومية، ورفض التعصب القومي والطائفي، والإيمان بالتعددية السياسية، والالتزام بالوثيقة الأممية الصادرة عن الأمم المتحدة بشأَن حقوق الإنسان في العالم؛ مِمَّا أثارَ غضب السلطة آنذاك، وأشرفَ (حواتمة) على إصدار جريدة الوحدة عام 1963 وهي الجريدة المركزية لحركة القوميين العرب (إقليم العراق)، ورأسَ تحريرها الشهيد باسل الكبيسي وأصبحت صوتًا للشعب العراقيّ لمواجهة قوى الاستبداد والظلم، وعبرت في كتاباتها عن واقع النضال القومي والوطني، وأصبحت وسيلة للفعل الثقافي والإعلامي في نشر فكر الحركة، ومتابعة القضايا اليومية للمواطن، وإبراز دور الصحافة في النضال، وتعرضت «الوحدة» لضغوطاتٍ ومتاعبٍ في مُدّة صدورها، ويتذكر العاملون فيها ذلك اليوم الذي اقتحمت فيه قوات الأمن والحرس القومي مقر الجريدة في منطقة السنك، واعتداءهم الأثيم على الشهيد (باسل الكبيسي) والمحررين واعتقال مجموعة من العاملين في الجريدة، وبحثهم عن (خالد) الذي اتهموه بالتحريض ضد السلطة، وطالبوا بتسليمه، وكانت تلك العملية بسبب المقال الذي كتبه (خالد) الذي تناول فيه الوضع السياسي في العراق بطريقة تهكمية حادة وساخرة جدًا، وكاشفًا أهداف السلطة وتوجهاتها في تصفية القوى القومية والوطنية، وتنفيذ برنامج معاد لحركة التحرر العربيّ.
والذين كانوا يعملون معه في التنظيم يتذكرونه وعلاقاته مع الرفاق، وتجده دائمًا مشغولًا يتابع العمل الميداني، ويحضر اجتماعاتهم ونشاطاتهم، ويشارك في حل مشكلاتهم، ويوجههم لأجل أَنْ تأخذ الحركة دورًا متميزًا وفعالًا في جميع الأحداث السياسية في العراق، وذات مرة داهمت قوات الأمن والحرس القومي النادي لاعتقاله، لكنه تمكن من الهرب واختفى لمدة في إحدى الأوكار الحزبية، حتّى أُلقي القبض عليه، وأرادوا اتخاذ إجراءات شديدة بحقه؛ بسبب خطورته على الوضع السياسي في العراق، لكن تدخلات عربية وداخلية جعلتهم يوجهون لَهُ تهمة الدخول إِلى العراق من دون تصريح، ووضعه في موقف التسفيرات في منطقة (كورنيش الأعظمية) حتّى تقرر تسفيره إِلى القاهرة، فذهب الأستاذ عبدالإله النصراوي يرافقه أمير الحلو واصطحبوه إِلى مطار بغداد، إذ غادر إِلى القاهرة، وبذلك فقدت حركة القوميين العرب في العراق عنصرًا قياديًا فاعلًا لَهُ أَثر كبير في تكوين (القوميين العرب) الشخصي والسياسي.
القائد الثوري
كانَ (خالد) رمزًا قوميًا تتوسم فيه شخصية القائد الثوري، ويعرف كيف يتعامل مع الواقع بإدراكٍ علميٍّ، مدافعًا عن تأريخ الأمة وحضارتها، ومواجهة الأعداء الطبقيين والمحتلين؛ من خلال الفكر والثقافة، وبناء الإنسان، ووضع برنامج للنهوض بالواقع المجتمعي، والدفاع عن الحقيقة والموقف والقرار.
(هو) نورس، عاشق، مكابر، دومًا في سلطة كُلّ الفقراء والمستضعفين، الذين يبحثون عن السعادة، والمحبة، والعطاء، ونبذ التعصب القومي، والتسلط القسري...، هو صاحب قرار، يتناغم مع الحرية، والانفتاح، والتحرر، والتطور، ويرفض الانغلاق، ودائمًا هو يدعو للتجدد والتنور في كُلّ زمان.
قال لي ذات مرة: يا أبا غسان ما زلنا نبحث عن الفردوس، وسعادة الإنسان، والحنين للوطن الذي نناضل من أجله... (خالد) ارتبط بشعوبٍ وأقوامٍ تعلم منهم، ودافعَ عن قضاياهم (كما يدافع عن قضيته) حكيم من طراز خاص، يرفض الملل والتعب، تطوقه البساطة وحب الآخرين، سلاحه العمل (الحركة بركة) وسيرة خالد (المناضل القائد نايف حواتمة) مَادّة لمشروعٍ دراميٍ، يسجل تأريخ أمة، وقضية وطن محتل، وشعب مشرد، وقوى سياسية عربية تطوقها التفرقة، وارتبط بشرفٍ بقضايا مصيرية بمستقبل الإنسان العربيّ، وعرفَ معنى الحب والحياة، والالتزام بالمسؤولية، ودفاعًا عن وطنه (فلسطين).
منذ طفولته وما زال على الرغم من المعاناة التي واجهها في كُلّ الساحات العربيّة.. يبقى نايف حواتمة صاحب العينين الصافيتين يتملك الروح الشبابية والطموح، والمؤمن بقدسية الكلمة والإنسان، ويبقى دائمًا متجددًا ومتنورًا، ويبقى كزهرة مرسومة على راية.