تحطيم الصمت -هآرتس
2015-12-19
لقد قمت بتحطيم صمتي الاول عندما كان عمري عشرين سنة. في نهاية السبعينيات، الكتيبة التي خدمت فيها نفذت حملة واسعة في جنوب لبنان. خلال الحرب وبعدها ايضا حدثت مظاهر خطيرة مثل الاهانات وضرب الأسرى واختفاء أسرى حرب. كان هذا الامر صعب جدا. الشاب الصهيوني، الذي هو أنا، لم يستطع مواجهة حقيقة أن الجيش الاخلاقي لا يحافظ دائما على طهارة السلاح. هذا الشاب قام بكتابة رسالة مؤثرة لرئيس هيئة الاركان. وكان مفاجئا أن الرسالة وصلت لرئيس هيئة الاركان وأمر بفتح التحقيق.
التحقيق لم يكن جديا، لكن القضية نشرت في وسائل الاعلام بعد فترة من الزمن وكان للضجة التي حدثت بعد النشر تأثير ايجابي على الجهاز العسكري. حقيقة: عندما خرج الجيش الاسرائيلي في حرب لبنان الاولى بعد ذلك بأربع سنوات كانت هناك أوامر تنفيذية واضحة وقاطعة من اجل عدم تكرار الظواهر المذكورة أعلاه بنفس القدر.
تحطيم الصمت الثاني كان وأنا في جيل 33، في بداية التسعينيات، حيث تم استدعائي لخدمة الاحتياط في سجن على شاطيء غزة. كانت تلك ايام الانتفاضة الاولى. ومن خلال وظيفتي كسجان رأيت أمور فظيعة وسمعت أصوات تقشعر لها الابدان، الامر الذي دفعني لفعل شيء. القائمة التي نشرتها بعد ذلك في صحيفة "هآرتس" كانت الاكثر إيلاما بين كل ما كتبته في حياتي. وفي هذه الحالة ايضا كان رد المؤسسة الرسمية مفاجئا. فرغم أنني لم أكن صحفيا معروفا، إلا أن وزير العدل (دان مريدور) قام باستدعائي وطلب معرفة ما حدث في المكان بالضبط. المدعية العامة للدولة (دوريت بينيش) استخدمت الامور التي كتبتها من اجل تغيير اجراءات والتأثير على نمط التحقيق في "الشباك". النص الذي كتبته بدم قلبي مكّن اشخاص نزيهين وشجعان في السلطة من اجراء تغيير حقيقي.
رغم أنني كنت شابا مندفعا، إلا أنني كانت لدي مباديء واضحة في الحالتين اللتين حطمت فيهما الصمت. الاول كان عدم الابلاغ عن جنود أو ضباط معينين بل الابلاغ عن ظاهرة شاملة والمطالبة باقتلاعها من الجذور. ايضا حينما طلب مني الضابط المسؤول عني أن أشير الى الجندي المقصود، رفضت. وعدت وقلت إن ما يجب فعله هو اقامة لجنة تحقيق لعلاج الآفة الخطيرة دون البحث عن شماعة. المبدأ الثاني هو عدم اخراج الامور عن سياقها. والتمييز بين اعمال قمعية تتم في معمعان المعركة حيث يكون الجنود أمام الخطر الحقيقي على حياتهم وبين الاعمال التي تحدث عندما لا يكون خطر على حياة أحد. المبدأ الثالث هو اعطاء الفرصة للبنية الاسرائيلية وليس الجري بسرعة للحديث دون فحص الامر داخليا. وكما اكتشفت فان هذه البنية قد تفاجيء احيانا وتقوم بتصحيح مسارها بشكل ذاتي.
بصفتي جندي نظامي وجندي احتياط لم يكن من السهل علي الدخول في جدل مع الضباط رفيعي المستوى. ولكن في اللحظات الصعبة كنت أضع نصب عيني نتان الترمان ويزهار سميالنسكي. الشاعر الرسمي لم يتردد في كتابة الامور الاصعب بعد أن فعل الجنود ما فعلوه في اللد في صيف 1948. عضو الكنيست من مباي لم يتردد في نشر "خربة خزاعة" و"الاسير" بعد الحرب. الترمان ويزهار حطما الصمت. لكنهما لم يحطما الصمت أمام المؤسسات الدولية المصابة باللاسامية والمعادية لاسرائيل. لقد حطما الصمت في البيت من اجل تطهيره. حطما الصمت بألم كبير وبحب كبير وباخلاص للمشروع الصهيوني.
الساحة الجماهيرية في اسرائيل مُسممة. لا يوجد حوار، لا يوجد استماع ولا توجد محادثة. هؤلاء يريدون اسكات هؤلاء واولئك يريدون وضع اولئك وراء القضبان. وبصفتي شخص ديمقراطي سأدافع حتى النهاية عن حق كل انسان في اسماع صوته. لكن كمحطم صمت قديم آمل أن محطمي الصمت الجدد يجدوا طريقة مناسبة اكثر وصحيحة اكثر لقول ما يريدون قوله.