انتهاء الانقسام أم بناء نظام سياسي فلسطيني جديد؟ -إياد مسعود
2015-12-22
كثيراً ما يتم استسهال الدعوة إلى إنهاء الانقسام، باعتباره خطوة استرجاعية لوضع سابق عاشته الحالة الفلسطينية، دون أن تدرك هذه الدعوات أن من شأن إنهاء الانقسام، وإعادة بناء م.ت.ف، وعودة الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، والصاعقة، ودخول حماس والجهاد إليها،.. أن يعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني، بعد أن ثبت أن النظام الحالي غير قادر على استيعاب هذه الفصائل. فخطوة دخولها المنظمة، ليست حركة آلية مجردة وزيادة رقمية محدودة بل هي حركة من شأنها أن تعيد رسم الخارطة الحزبية والسياسية في م.ت.ف، وأن يكون لهذه الخارطة تداعياتها وآلياتها، وتحالفاتها، وخصوماتها، وتقاطعاتها، وتناقضاتها وتجاذباتها الخاصة بها، بشكل مختلف عما هو عليه الآن الوضع الفلسطيني.
ولنا في هذا الأمر مثال بسيط يتمثل في دخول حماس المجلس التشريعي الفلسطيني بموجب قانون انتخابي لم يلحظ ضرورات تطوير آليات العمل داخل المنظمة، وداخل السلطة الفلسطينية. ولأنه كان قانوناً متخلفاً عن استيعاب الحالة الفلسطينية الجديدة، ويقوم على مبادئ العلاقات القديمة بين الفصائل، وجد المجلس التشريعي نفسه في حالة تجاذب بين طرفين كبيرين، لم يستطع نظام الأكثرية والأقلية الذي أتى بهذا المجلس، أن يشكل له أساساً صالحاً لإدارة شؤونه. لذلك اصطدمت حماس (الأكثرية البرلمانية في المجلس التشريعي) بحركة فتح (الأكثرية البرلمانية في المجلس الوطني)، مما أدخل الحالة الفلسطينية في الجمود، وقاد هذا الجمود، في ظل مصادماته الصغيرة هنا وهناك، والصراعات على الصلاحيات والنفوذ، إلى الانفجار الكبير بين الطرفين، في 14/6/2007، ما أدى إلى سيطرة حماس على قطاع غزة ـ كقوة أمر واقع، تحاول أن تستمد شرعيتها من كونها الأغلبية البرلمانية في المجلس التشريعي، وسيطرة حركة فتح على الضفة الفلسطينية من موقعها التاريخي على رأس م.ت.ف، وكونها المؤسس للسلطة الفلسطينية، والأغلبية البرلمانية في م.ت.ف، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
الدعوة الآن إلى إنهاء الانقسام، عبر انتخابات جديدة وشاملة تطال المجلسين معاً، التشريعي والوطني، من شأنه أن ينقل الحالة الفلسطينية إلى مرحلة جديدة، لن تتكرر فيها حالة التجاذب الثنائي السابقة، لأن الفصائل، وخاصة فتح، أدركت ضرورة تعديل قانون الانتخابات، الأقصائي في مضمونه الديمقراطي والقائم على الأغلبية والأقلية.
هذا القانون كان يخدم مصالح فتح، حين لم تكن حماس في ميدان المنافسة، وكان يوفر لفتح على الدوام موقع الأغلبية المقررة.
الآن، باتت الاغلبية موضع تنازع بين الجانبين، لذلك رضيت فتح بنظام التمثيل النسبي، بديلاً للنظام السابق، لأنه يغلق الطريق (أولاً) على حماس لتستفرد بموقع الأغلبية (فلا أغلبية في نظام التمثيل النسبي) ولأنه (ثانياً) يفتح الباب أمام حركة فتح لنسج تحالفات برلمانية مع فصائل معينة في م.ت.ف (بما فيها القوى اليسارية) لمحاصرة حماس، وبحيث تبقى قيادة المنظمة بيد فتح وحلفائها السابقين واللاحقين.
عكس ذلك سيكون أمراً عسيراً. إذ لنتصور أن انتخابات المجلس الوطني انتجت فوزاً لحماس، بغالبية مطلقة ما يمكنها من تشكيل اللجنة التنفيذية وفقاً لمقاييسها، وترؤس اللجنة إلى جانب ترؤس المجلس الوطني نفسه. ماذا سيكون عليه وضع المنظمة عندها، وكيف ستكون عندها علاقاتها الإقليمية والدولية، وما هو البرنامج السياسي (الجديد) الذي قد تتبناه هذه المنظمة في ظل التوازنات البرلمانية الجديدة.
ولنتصور، مثلاً، لو أن المجلس الجديد (المنتخب ديمقراطياً) قد انقسم على نفسه، كما انقسم من قبل المجلس التشريعي، ماذا سيكون عليه حال م.ت.ف، وكيف سيعكس هذا الأمر نفسه على مجمل الحالة الفلسطينية وبناها المؤسساتية.
لذلك نعتقد أن الدعوة لإنهاء الانقسام يجب أن تشكل في حقيقة الأمر دعوة لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بحيث لا يتاح فيه لطرف دون غيره أن يمسك بزمام الهيمنة المنفردة وبحيث تقوم العلاقات فيه على قاعدة الشراكة الوطنية، انطلاقاً من قواعد العلاقات الضرورية في مرحلة التحرر الوطني من الاحتلال.
يجب أن تشكل الدعوة لإنهاء الانقسام، دعوة لنظام جديد يوحد الفلسطينيين، ولا تؤسس بالمقابل لانقسام جديد يمتد إلى م.ت.ف.
لذلك نفترض أن تقوم الانتخابات على مبدأ التمثيل النسبي الكامل، حيث لا مكان لأقلية وأغلبية، بل ما يفتح الباب لتحالفات سياسية تنتج آليات نضالية، تتجاوز الأزمة السياسية الحالية، في ظل برنامج الشراكة الوطنية الذي تم التوافق عليه في وثيقة الوفاق الوطني (26/6/2006).
فإذا كانت م.ت.ف. الأولى قد ولدت بقرار عربي في العام 1964، فإن دخول فصائل المقاومة، في عامي 1968 و 1969 إلى المنظمة، أسس لمنظمة التحرير الثانية. أما دخول حماس والجهاد إلى المنظمة وعودة الصاعقة والقيادة العامة إليها، وتوفير مداخل لاستيعاب كل فصائل العمل الوطني، فإنه سيؤسس لمنظمة التحرير الثالثة. بمكوناتها من القوى الوطنية والقومية والديمقراطية واليسارية والإسلامية، وستغلق باب التداخلات الاقليمية المضرة في الحالة الفلسطينية وستؤسس لنظام سياسي جديد، أكثر تماسكاً، وأكثر قدرة على الانتقال بالحالة الفلسطينية نحو الدولة المستقلة، ونحو فتح باب حق العودة، وبما يكرس مبدأ الشراكة الوطنية.
مثل هذه الأمور تحتاج حقيقة إلى حوارات مسؤولة تستعاد على أعلى المستويات القيادية في الحالة الفلسطينية، ونعتقد أن التحضير لانعقاد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني فرصة ثمينة يجب ألا تخسرها الحالة الفلسطينية.
لقد انعقدت الاجتماعات الأولى للجنة التحضيرية بدون مشاركة الأطراف الأربعة (حماس+ الجهاد+ الصاعقة+ القيادة العامة) وبدون مشاركة قوى ما زالت أوضاعها تحتاج إلى شكل من أشكال التسوية الخاصة (فتح الانتفاضة على سبيل المثال) ما يفترض برأينا، استكمال أعمال اللجنة التحضيرية في الخارج، بما يمكن كل الأطراف المعنية من الحضور، وبما يمكن التحضير لمجلس وطني «جديد»، يشكل اللبنّة الأساس لبناء نظام سياسي فلسطيني جديد، يستوعب كل أطراف الحالة الفلسطينية على اختلاف اتجاهاتها، مما يعني أن انعقاد المجلس لم يعد هدفاً بحد ذاته بل وسيلة للعبور نحو المرحلة الفلسطينية الجديدة التي من شأنها أن تنهي الانقسام بمظاهره المختلفة.
ولنا في هذا الأمر مثال بسيط يتمثل في دخول حماس المجلس التشريعي الفلسطيني بموجب قانون انتخابي لم يلحظ ضرورات تطوير آليات العمل داخل المنظمة، وداخل السلطة الفلسطينية. ولأنه كان قانوناً متخلفاً عن استيعاب الحالة الفلسطينية الجديدة، ويقوم على مبادئ العلاقات القديمة بين الفصائل، وجد المجلس التشريعي نفسه في حالة تجاذب بين طرفين كبيرين، لم يستطع نظام الأكثرية والأقلية الذي أتى بهذا المجلس، أن يشكل له أساساً صالحاً لإدارة شؤونه. لذلك اصطدمت حماس (الأكثرية البرلمانية في المجلس التشريعي) بحركة فتح (الأكثرية البرلمانية في المجلس الوطني)، مما أدخل الحالة الفلسطينية في الجمود، وقاد هذا الجمود، في ظل مصادماته الصغيرة هنا وهناك، والصراعات على الصلاحيات والنفوذ، إلى الانفجار الكبير بين الطرفين، في 14/6/2007، ما أدى إلى سيطرة حماس على قطاع غزة ـ كقوة أمر واقع، تحاول أن تستمد شرعيتها من كونها الأغلبية البرلمانية في المجلس التشريعي، وسيطرة حركة فتح على الضفة الفلسطينية من موقعها التاريخي على رأس م.ت.ف، وكونها المؤسس للسلطة الفلسطينية، والأغلبية البرلمانية في م.ت.ف، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
الدعوة الآن إلى إنهاء الانقسام، عبر انتخابات جديدة وشاملة تطال المجلسين معاً، التشريعي والوطني، من شأنه أن ينقل الحالة الفلسطينية إلى مرحلة جديدة، لن تتكرر فيها حالة التجاذب الثنائي السابقة، لأن الفصائل، وخاصة فتح، أدركت ضرورة تعديل قانون الانتخابات، الأقصائي في مضمونه الديمقراطي والقائم على الأغلبية والأقلية.
هذا القانون كان يخدم مصالح فتح، حين لم تكن حماس في ميدان المنافسة، وكان يوفر لفتح على الدوام موقع الأغلبية المقررة.
الآن، باتت الاغلبية موضع تنازع بين الجانبين، لذلك رضيت فتح بنظام التمثيل النسبي، بديلاً للنظام السابق، لأنه يغلق الطريق (أولاً) على حماس لتستفرد بموقع الأغلبية (فلا أغلبية في نظام التمثيل النسبي) ولأنه (ثانياً) يفتح الباب أمام حركة فتح لنسج تحالفات برلمانية مع فصائل معينة في م.ت.ف (بما فيها القوى اليسارية) لمحاصرة حماس، وبحيث تبقى قيادة المنظمة بيد فتح وحلفائها السابقين واللاحقين.
عكس ذلك سيكون أمراً عسيراً. إذ لنتصور أن انتخابات المجلس الوطني انتجت فوزاً لحماس، بغالبية مطلقة ما يمكنها من تشكيل اللجنة التنفيذية وفقاً لمقاييسها، وترؤس اللجنة إلى جانب ترؤس المجلس الوطني نفسه. ماذا سيكون عليه وضع المنظمة عندها، وكيف ستكون عندها علاقاتها الإقليمية والدولية، وما هو البرنامج السياسي (الجديد) الذي قد تتبناه هذه المنظمة في ظل التوازنات البرلمانية الجديدة.
ولنتصور، مثلاً، لو أن المجلس الجديد (المنتخب ديمقراطياً) قد انقسم على نفسه، كما انقسم من قبل المجلس التشريعي، ماذا سيكون عليه حال م.ت.ف، وكيف سيعكس هذا الأمر نفسه على مجمل الحالة الفلسطينية وبناها المؤسساتية.
لذلك نعتقد أن الدعوة لإنهاء الانقسام يجب أن تشكل في حقيقة الأمر دعوة لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بحيث لا يتاح فيه لطرف دون غيره أن يمسك بزمام الهيمنة المنفردة وبحيث تقوم العلاقات فيه على قاعدة الشراكة الوطنية، انطلاقاً من قواعد العلاقات الضرورية في مرحلة التحرر الوطني من الاحتلال.
يجب أن تشكل الدعوة لإنهاء الانقسام، دعوة لنظام جديد يوحد الفلسطينيين، ولا تؤسس بالمقابل لانقسام جديد يمتد إلى م.ت.ف.
لذلك نفترض أن تقوم الانتخابات على مبدأ التمثيل النسبي الكامل، حيث لا مكان لأقلية وأغلبية، بل ما يفتح الباب لتحالفات سياسية تنتج آليات نضالية، تتجاوز الأزمة السياسية الحالية، في ظل برنامج الشراكة الوطنية الذي تم التوافق عليه في وثيقة الوفاق الوطني (26/6/2006).
فإذا كانت م.ت.ف. الأولى قد ولدت بقرار عربي في العام 1964، فإن دخول فصائل المقاومة، في عامي 1968 و 1969 إلى المنظمة، أسس لمنظمة التحرير الثانية. أما دخول حماس والجهاد إلى المنظمة وعودة الصاعقة والقيادة العامة إليها، وتوفير مداخل لاستيعاب كل فصائل العمل الوطني، فإنه سيؤسس لمنظمة التحرير الثالثة. بمكوناتها من القوى الوطنية والقومية والديمقراطية واليسارية والإسلامية، وستغلق باب التداخلات الاقليمية المضرة في الحالة الفلسطينية وستؤسس لنظام سياسي جديد، أكثر تماسكاً، وأكثر قدرة على الانتقال بالحالة الفلسطينية نحو الدولة المستقلة، ونحو فتح باب حق العودة، وبما يكرس مبدأ الشراكة الوطنية.
مثل هذه الأمور تحتاج حقيقة إلى حوارات مسؤولة تستعاد على أعلى المستويات القيادية في الحالة الفلسطينية، ونعتقد أن التحضير لانعقاد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني فرصة ثمينة يجب ألا تخسرها الحالة الفلسطينية.
لقد انعقدت الاجتماعات الأولى للجنة التحضيرية بدون مشاركة الأطراف الأربعة (حماس+ الجهاد+ الصاعقة+ القيادة العامة) وبدون مشاركة قوى ما زالت أوضاعها تحتاج إلى شكل من أشكال التسوية الخاصة (فتح الانتفاضة على سبيل المثال) ما يفترض برأينا، استكمال أعمال اللجنة التحضيرية في الخارج، بما يمكن كل الأطراف المعنية من الحضور، وبما يمكن التحضير لمجلس وطني «جديد»، يشكل اللبنّة الأساس لبناء نظام سياسي فلسطيني جديد، يستوعب كل أطراف الحالة الفلسطينية على اختلاف اتجاهاتها، مما يعني أن انعقاد المجلس لم يعد هدفاً بحد ذاته بل وسيلة للعبور نحو المرحلة الفلسطينية الجديدة التي من شأنها أن تنهي الانقسام بمظاهره المختلفة.