مشاهد جديدة من العدوان في يومه الـ215
تصاعد العدوان الإسرائيلي على محافظة رفح أمس، في اليوم الـ215 من الحرب الإسرائيلية المُستعرة على قطاع غزة، مع اتساع عمليات النزوح، وتصاعد القصف الجوي والمدفعي على مناطق شرق وجنوب ووسط المحافظة.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع عامة، ومحافظة رفح على وجه الخصوص، منها مشهد يوثق تصاعد القصف المدفعي على مركز المدينة، ومشهد آخر يرصد وجود عشرات آلاف النازحين في العراء لليوم الثالث، ومشهد ثالث تحت عنوان: "القطاع الصحي في رفح ينهار"، ومشهد أخير يوثق تدهور الوضع النفسي للأطفال في ظل العدوان والنزوح.
تصاعد القصف المدفعي
مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، كثفت قوات الاحتلال عمليات القصف المدفعي والجوي بصورة كبيرة، في محاولة، على ما يبدو، لإجبار السكان الرافضين ترك منازلهم على النزوح.
ووصل القصف المدفعي إلى مناطق ميدان العودة، والدوار الشرقي، وميدان النجمة، وبلدية رفح، وحي البرازيل، ومحيط برج عوض، ومحيط مسجد الاستقالة، وغيرها من المناطق.
وقال شهود عيان من سكان مركز مدينة رفح، إن قوات الاحتلال أطلقت قذائف مدفعية وأخرى حارقة، بينما قصفت طائرات الاستطلاع أهدافاً عديدة في المحافظة.
وذكر المواطن أحمد عيسى، من سكان وسط رفح، أن القصف تصاعد بشكل غير مسبوق خلال الساعات الـ24 الماضية، والقذائف باتت تصيب كل البنايات التي يزيد ارتفاعها على 3 طوابق، والشهداء والجرحى يتساقطون على مدار الساعة.
وأكد عيسى أن القصف طال مناطق لم تشملها أوامر الإخلاء، وهذا يشير إلى أن الاحتلال ينوي توسيع العملية البرية دون الإعلان عن ذلك، ويستعيض عن المنشورات بالقذائف لتهجير السكان.
من جهته، قال المواطن علي عبد الحميد، من سكان حي الجنينة، إنهم عاشوا ليلة من الرعب، مع سقوط مئات القذائف على الحي والمناطق المجاورة، وأن الحرائق اندلعت في عدد كبير من المنازل.
وأشار إلى أنه يعيش في العقد الخامس من عمره، ولم يسبق أن شاهد أو سمع قصفاً بهذه الكثافة، فمعدل كل 30 ثانية تسقط قذيفة هنا أو صاروخ هناك، ورغم أنه كان يرفض فكرة النزوح، إلا أنه اضطر لذلك، فالأمر أصبح إما الفرار من المنزل أو الموت فيه.
ولفت إلى أن الكثير من النازحين سقطوا وهم يحاولون الخروج من منازلهم، إذ جرى استهداف دراجات وعربات "كارو"، والمحظوظ مَن يتمكن من الخروج من منزله دون أن يصاب وعائلته بأذى.
نازحون في العراء
صُدم مئات الآلاف من النازحين الذين وصلوا إلى مناطق غرب محافظة خان يونس، ومنطقة المواصي، بعدم وجود خيام يقيمون فيها، أو خدمات في أغلب المناطق التي نزحوا إليها، وافترشت آلاف العائلات الأرض، ونام مواطنون في العراء، وسط مناشدات بتوفير خيام تؤويهم.
وقال المواطن يحيى نصر، إنه نزح وعائلته من منطقة الشوكة شرق محافظة رفح، وتوجه إلى غرب محافظة خان يونس، حسب أوامر النزوح الإسرائيلية، وظن أنه سيجد مناطق مجهزة لاستقبال النازحين، لكنه صُدم بتحول جميع مناطق غرب خان يونس إلى أكوام من الركام، وعدم وجود خيام، وغياب كامل لجميع الخدمات الأساسية، خاصة مياه الشرب.
وأشار نصر إلى أن وضع الناس في مناطق النزوح الجديدة مُبكٍ، والمناشدات هناك متواصلة، ولا أحد يوفر لهم شيئاً.
بينما قالت المواطنة "أم زهير" الفيراني، وهي نازحة من مدينة غزة، وكانت تقيم في مدرسة "ابن خلدون" شرق رفح، إنها اضطرت إلى النزوح مرة أخرى، وهي توجد منذ يومين في العراء دون أي مقومات للحياة.
وأكدت أن حال النساء والأطفال صعب، ولا يوجد مأكل ولا مياه، وفي ساعات الليل تنخفض درجات الحرارة، وهذا ينذر بانتشار واسع للأمراض في صفوف النازحين.
وبينت أن كل ساعة تشهد توافد آلاف النازحين الجدد، وهذا ينذر بتفاقم الأزمة الإنسانية، وصعوبة القادم بالنسبة للنازحين.
واضطرت مئات العائلات لإقامة خيام من قطع القماش والنايلون، في حين لجأت أخرى إلى الإقامة في خيام عائلات مقيمة في المنطقة منذ مدة.
وحدد الاحتلال مناطق نزوح المواطنين في رفح إلى منطقة المواصي، وهي مكتظة بالنازحين قبل الهجوم على رفح، والمنطقة الأخرى غرب محافظة خان يونس، وهي مدمرة بالكامل جراء العدوان الإسرائيلي، ولا تصلح للحياة مطلقاً.
القطاع الصحي ينهار
يواجه القطاع الصحي في مناطق جنوب قطاع غزة كارثة محققة، جراء إخراج مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار عن الخدمة، وإغلاق المعابر، وتصاعد العدوان، وما خلّفه ذلك من تزايد في أعداد المصابين.
وبات مستشفيا الكويتي التخصصي والأوروبي يعانيان من مستوى عالٍ من الاكتظاظ، ولا يستطيعان استيعاب المزيد من المصابين، وسط رفض أغلب المستشفيات الميدانية العربية استقبال الجرحى.
ويضطر المستشفيان إلى صرف بعض الجرحى والمرضى قبل اكتمال شفائهم، من أجل إفساح المجال للمزيد من الجرحى بالوصول للمستشفيات.
وناشد أطباء يعملون في المستشفيين، سرعة دعمهم بالمستلزمات الطبية والأطباء، وسرعة إقامة مستشفيات ميدانية قادرة على استيعاب الجرحى، في محاولة لاحتواء الوضع الكارثي في المحافظة.
وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، عن توقف سفر الجرحى ممن هم بحاجة ماسة للعلاج في الخارج، بسبب إغلاق معبر رفح، بعد سيطرة الاحتلال عليه، ما يعرّض حياتهم للخطر.
وأكدت الوزارة أن وضع المرضى والجرحى صعب جداً داخل مستشفيات القطاع، وهناك فقدان لأدنى مقومات العلاج والأجهزة، والمستلزمات الطبية، مبينة أن هناك قوائم سفر للجرحى والمرضى بآلاف الحالات والآن تم منعهم من السفر.
كما منع إغلاق المعبر دخول الأدوية والمعدات الطبية والوفود الطبية المساندة، إضافة إلى منع وصول الوقود الضروري لاستمرار عمل المستشفيات.
ازدياد القلق لدى الأطفال
خلّفت الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، والنزوح القسري من رفح، وضعاً نفسياً بالغ السوء على الأطفال، تخطى حدود الصدمات والمشاكل النفسية، ووصل إلى حد الشعور بقلق دائم وتوتر مستمر.
ووفق إفادات مواطنين لـ"الأيام"، فإن أبناءهم الأطفال باتوا في وضع نفسي سيئ ومتفاقم، بسبب الخوف، وصعوبة حياة النزوح، وانعدام الأمان على نحو كبير، إضافة إلى مشاهد القتل والدمار التي يرونها باستمرار.
وأكد أخصائيون نفسيون أن أغلب الأطفال في غزة، خاصة النازحين منهم، يعانون علامات خطيرة من أعراض الصدمة، مثل التشنجات والتبول اللاإرادي والخوف، والسلوك العدواني، والعصبية، وعدم الرغبة في الابتعاد عن والديهم.
وقال المواطن محمود رمضان، الذي نزح قبل يومين من رفح، ويوجد في منطقة المواصي في وضع سيئ، إن أبناءه باتوا في حالة نفسية سيئة، خاصة بعد أن عاشوا أكثر من تجربة سيئة خلال الأشهر الماضية، شاهدوا خلالها أهوال الحرب، وكان الموت قريباً منهم، لافتاً إلى أنه يبذل جهوداً كبيرة من أجل تخفيف تبعات ذلك عليهم، لكن مع كل موجة قصف جديدة تعود أعراض الخوف والقلق مرة ثانية.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من تفاقم الأوضاع جراء الحرب واستمرار العدوان على غزة، وقالت إن الوضع يستعصي على الوصف، وأشارت إلى الآثار والعواقب النفسية طويلة الأمد على الناجين والأسر.
كما حذرت وكالة الغوث "الأونروا"، من الأضرار النفسية التي يتعرض لها أطفال غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة المحاصر، بما في ذلك "مستويات مدمرة" من التوتر.
وذكرت "الأونروا" أن "الأطفال في غزة يعانون مستويات مدمرة من التوتر"، لافتة إلى أن فريقها يعمل مع أطفال ومراهقي غزة للتخفيف من تأثير أهوال الحرب عليهم، مشددة على ضرورة "الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة".
كما أدركت جمعيات ونشطاء مخاطر الآثار النفسية على الأطفال، وباتت تتوجه بفرق شبابية إلى مراكز ومخيمات النزوح، لعقد جلسات تفريغ نفسي للأطفال.