:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/73239

الغزيون في مصر.. بين الترقب والقلق وبيوت العزاء

2024-06-03

لا نملك سوى الانتظار ومتابعة الأحداث التي يمرّ بها قطاع غزة، والتطورات ذات العلاقة بالجهود والتحركات المبذولة لوقف الحرب لعلنا نستمع لما يحيي آمالنا في وضع حد ونهاية لمعاناة أهلنا في القطاع، وبما يمكننا من العودة لبيوتنا حتى وإن كانت مدمرة أو شبه مدمرة".
"نحاول يومياً التواصل مع من تبقى من أهلنا وأقاربنا وأصدقائنا في قطاع غزة، وفي أغلب الأحيان لا تفلح محاولاتنا للتواصل معهم، لعدم توفر الإنترنت لديهم لذا نترقب منهم دوماً الاتصال بنا كي نطمئن عليهم، وما دون ذلك فحياتنا هنا تسير بوتيرة مملة خالية من أي فعالية أو نشاط حيوي اعتدنا عليه سابقاً، حيث تمضي الأيام والشهور على تواجدنا هنا دون أن نشعر بأي جديد طرأ على حياتنا، فما نصبح عليه نمسي عليه".
بهذه العبارات وصف نازحون من قطاع غزة في مصر طبيعة حياتهم اليومية، فلسان حالهم يقول إن الغالبية العظمى من عشرات آلاف النازحين من القطاع الذين وصلوا إلى مصر على مدار أكثر من سبعة أشهر مضت، يعيشون حياة متشابهة في كافة تفاصيلها، وأن الرتابة كانت السمة الأساسية لهذه الحياة والقاسم المشترك بين كافة النازحين.
وفي سياق أحاديث منفصلة أجرتها "الأيام" مع عدد من مواطني غزة المقيمين في مصر، حول طبيعية أوضاعهم ونمط الحياة اليومية التي يعيشونها في ظل النزوح خارج القطاع، قال نادر الشرفا (54 عاماً) الذي وصل وأسرته إلى مصر قبل أربعة أشهر: "ببساطة ليس هناك ما يشغل أوقاتنا فنحن هنا نعيش وكأننا وسط مشهد يتكرر يومياً، وكالعادة استيقظ صباح كل يوم فلا أجد أمامي سوى أن اختلق لنفسي مهمة أو سبباً لتمضية الوقت، فأتوجه إلى السوق لشراء بعض الاحتياجات المنزلية ومكونات وجبة الطعام اليومية التي أحرص على أن تكون فقط لتلبية ما يلزم أسرتي من طعام ليوم واحد كي أضمن مهمة الخروج من المنزل والتسوق ليوم غدٍ، فهذا الأمر يستغرق مني تمضية نحو ساعتين يومياً".
وأضاف: "أما الفترة المسائية وحتى ساعات منتصف الليل فتتم تمضيتها بشكل تقليدي ما بين متابعة الأخبار المتعلقة بتطورات الحرب على غزة، وأحياناً ألتقي بعض الأصدقاء والأقارب الموجودين هنا، نتبادل أطراف الحديث وهمومنا المشتركة، ونختتم لقاءنا بلعب الورق لتمضية الوقت، فليس هناك أمور مهمة نقوم بها، وهكذا يمضي اليوم تلو اليوم".
واعتبر الشرفا أن هموم النازحين في مصر تختلف من شخص لآخر، وإن كانت مشكلة اضطرارهم لتمضية معظم أوقاتهم داخل منازلهم هي القاسم المشترك بينهم جميعهم، إلا أن مشكلة استنزاف المال المتوفر بحوزتهم خاصة أن نسبة كبيرة منهم ليس لديهم مصدر دخل ثابت، تشكل أبرز هموم غالبية النازحين، حيث اضطر الكثير منهم، بعد مضي عدة أشهر على نزوحهم، إلى اقتراض المال كي يتمكنوا من تسيير أمورهم المعيشية.
أما المواطن إسماعيل النخالة (65 عاماً) فأشار إلى أن غالبية النازحين في مصر "يحرصون هنا على متابعة مواقع التواصل الاجتماعي للاطلاع على أخبار معارفهم، بما في ذلك الأخبار المتعلقة ببيوت العزاء التي يقيمها هنا غزيون نازحون لأقارب لهم توفوا في القطاع، أو في مصر، فيجد النازحون في تلك المناسبات التي تقام داخل صالات المساجد، فرصة لالتقاء أكبر عدد من معارفهم".
من جهته، اعتبر المواطن"ع أ ش" (60 عاماً) الذي وصل برفقة أسرته وأحفاده إلى مصر، في شباط الماضي، أن حاجته للعلاج شكلت الدافع الأساس وراء نزوحه إلى مصر، مبيناً أنه عندما كان في منطقة الزوايدة وسط القطاع، تعرض لوعكة صحية خطيرة نقل إثرها إلى المستشفى في حالة فقدان للوعي، بسبب عدم توفر العلاج اللازم لمرض السكر الذي يعاني منه، إضافة إلى معاناته من مرض ضغط الدم، وبالتالي اضطر للنزوح فور تعافيه ليستكمل علاجه في مصر.
ولفت إلى أن هناك نسبة كبيرة من الغزيين الذين نزحوا إلى مصر خاصة من كبار السن الذين كانوا يخشون من تدهور أوضاعهم الصحية نتيجة عدم توفر الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض المزمنة التي يعانون منها، مشيراً إلى أن المستشفيات والصيدليات المتبقية في قطاع غزة، والتي لم تخرج عن الخدمة، كانت تعاني نقصاً كبيراً في مختلف الأدوية والمستلزمات الطبية، خاصة اللازمة لعلاج الأمراض المزمنة.
وقال: "قضية عدم توفر العلاج داخل قطاع غزة ستدفع بالكثير ممن نزحوا إلى مصر إلى البقاء هنا، حتى بعد انتهاء الحرب، وستكون عودتهم مرتبطة بإعادة بناء القطاع الصحي بكافة مقوماته، من مستشفيات ومراكز للرعاية الأولية، وإدخال مختلف أصناف الأدوية والعلاجات والمستلزمات الطبية، وما دون ذلك سيكون من الصعب على مَن يعانون من أمراض مزمنة العودة للقطاع".
يذكر أن عدد مواطني قطاع غزة الذين نزحوا إلى مصر منذ بداية الحرب، يتجاوز المئة ألف نازح، وحسب إحصاءات سفارة فلسطين لدى القاهرة، فإن قرابة 85 ألف نازح من القطاع وصلوا إلى مصر منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، وحتى نهاية آذار الماضي.