النازحون في الخيام.. كفاح ومعاناة من أجل البقاء
2024-06-14
قبل بزوغ الشمس تصحو أسرة النازح فريد محمود موسى (43 عاماً) لتبدأ رحلة الكفاح اليومية في جلب الغذاء والماء والاحتياجات، من أجل البقاء والصمود.
يوزع هؤلاء المقيمون في خيمة قماشية بمواصي بلدة "القرارة" مهام عملهم منذ ساعات المساء في اليوم السابق؛ فالأب يتجه إلى فتح بسطته الخشبية المتواضعة وسط الخيام المجاورة، ويبيع من خلالها أصنافاً متعددة من المعلبات واحتياجات غذائية أساسية وبعض الخبز.
وتتجه الأم "غالية" لتسخين فرن مصنوع من الطين أقامته ليوفر بعض الشواكل في إعالة الأسرة المكونة من سبعة أفراد، وتعمل به منذ الفجر وحتى العصر وسط أجواء الحر الشديد.
وفيما يخصص الابن الأكبر (محمود) في العشرينيات من عمره، يقضي يومه كاملاً في جلب المياه اللازمة للأسرة، عبر ملء "جالونات" وتخزينها للاستخدام طوال اليوم، ويقوم الأصغر أحمد (12 عاماً) بجلب أكياس النايلون البالية وبعض الحطب والقش والبلاستيك لتستخدمه والدته في الفرن، وللاستخدام المنزلي في التعامل مع موقد الحطب وأعمال الطبخ.
أما الفتاة "سجى" التي لم تتعدّ السابعة عشرة من عمرها، فتخصص غالبية وقتها لغسل ملابس أفراد العائلة، وتنشغل بهذه الأعمال طوال النهار، إلا أنها تقوم بين وقت وآخر بترتيب الخيمة والملابس والأغراض المنزلية، عدا الاعتناء بشقيقيها الصغيرين اللذين لم يتعديا ثلاثة وأربعة أعوام.
وقال الأب في حديث لـ"الأيام": "هذه حياتنا وهذه تفاصيل يومنا بالكامل ومن دون ذلك لا نستطيع توفير ما يلزم استمرار الحياة والعيش ومواجهة مصاعب النزوح والحرب".
وأشار إلى أنه بلا أي دخل مادي من أي جهة، ويعتمد على استلام معونات غذائية والتي شحت كثيراً خلال الأسابيع والأشهر الماضية، وبعض عوائد البسطة التي لا تتعدى 15 شيكلاً يومياً.
أما الأم التي بدت متعبة من جلوسها نحو ثلاثة أرباع النهار قبالة موقد الفرن وهي تنجز أعمال الخبز للزبائن، فعبّرت عن سخطها من هذه التفاصيل، مشيرة إلى أنها لم تكن لتقوم بهذه الأعمال لولا أن زوجها فقد عمله كعامل في ورشة للبناء.
وبعد وقت طويل استمر نحو ساعتين عاد الابن "محمود" حاملاً "جالونين" من المياه غير المخصصة للشرب، لكنها مخصصة للاستخدام المنزلي وأعمال التنظيف، مشيراً إلى أنه حملهما لمسافة لا تقل عن كيلو متر وهو يسير في الحر الشديد والرمال وحافي القدمين.
وقال: "الجالونان لا يكفيان، سأفرغهما في برميل صغير وأعود لملئهما من جديد وهكذا أواصل طالما سنحت الفرصة".
وعن مياه الشرب أشار إلى أنه يخصص "جالونين" لملئهما بمياه شرب تكون ملوثة نسبياً في بعض الأحيان مقابل مادي يتراوح بين أربعة وستة شواكل يومياً.
اما الطفل "أحمد" فهو يجتهد كثيراً في جمع قطع النايلون البالية والقش والكرتون والبلاستيك من الشوارع وأمام البسطات لاستخدامها في أعمال موقد الحطب سواء للفرن او للاستخدام المنزلي، لافتاً إلى أن هذا الأمر يتعبه جسدياً ونفسياً بسبب حر الشمس، حتى باتت مثل هذه الأشياء نادرة وغير متوفرة في الشوارع نظراً لتوجه غالبية الناس لجمعها.
وبدت الفتاة سجى أقل أفراد العائلة تعرضاً للشمس والحر نتيجة إشغال وقتها في أعمال التنظيف والغسيل والاعتناء بأشقائها الأطفال، لكنها متعبة جداً من الروتين اليومي والعيش في خيمة تفتقر لأدنى مقومات الحياة التي تحتاجها فتاة في عمرها، حسب قولها.
ومع انتهاء النهار يتوجه الجميع للنوم وأخذ قسط من الراحة من أجل تكرار العمل نفسه في اليوم التالي، في حال لم تطلهم شظايا قذيفة مدفعية أو صاروخ أو حتى نيران طائرة "كواد كابتر" تحلّق فوق خيام النازحين.