:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/73499

مشاهد وروايات من مجزرة الخيام في مواصي خان يونس

2024-07-15

بات واضحاً أن المخيمات المكتظة بالخيام، والتي تؤوي عدداً كبيراً جداً من النازحين، أضحت هدفاً مفضلاً للاحتلال، يرتكب فيها مجازر بشعة ومتتالية.
"الأيام" خصصت مشاهد اليوم لنقل بعض من تفاصيل المجزرة المروّعة التي ارتكبها الاحتلال في مواصي خان يونس، جنوب قطاع غزة، وتبعاتها على النازحين، وعلى النظام الصحي، ومن بين المشاهد التي جرى نقلها مشهد ينقل روايات وشهادات صادمة حول المجزرة، ومشهد آخر تحت عنوان: "مستشفيات خان يونس على وشك الانهيار"، ومشهد ثالث يرصد حالة القلق والخوف التي تُساور سكان الخيام.

شهادات صادمة حول المجزرة
مع انتهاء نقل ضحايا مجزرة الخيام في مواصي محافظة خان يونس، بدأ مواطنون ممن كانوا شهوداً على الحدث، يتناقلون روايات صادمة حول تفاصيل الجريمة، التي تعدّ من أكبر الجرائم وأفظع المجازر التي ارتكبها الاحتلال في تلك المنطقة.
فقد نقل شهود عيان روايات حول احتراق خيام، وتفحّم جثامين، وتناثر أشلاء الضحايا على مسافات كبيرة من موقع الهجوم.
وتحدث الشاب أدهم يوسف عن اللحظات الأولى من المجزرة، مؤكداً أنه عاش أصعب دقائق في حياته، إذ كان يجلس بجانب خيمته التي تبعد مئات الأمتار عن موقع القصف، وفي البداية سمع دوي انفجارين متتاليين، وعندما وقف وإذ بثلاثة انفجارات أخرى، ثم طائرات استطلاع تحلّق وتُطلق النار والصواريخ في كل مكان.
وقال يوسف: "غطت سحابة كثيفة من الدخان الأسود المنطقة، وساد صمت لفترة وجيزة، ثم علا الصراخ، واندفع العشرات باتجاه المنطقة، وما إن وصلوا حتى كانت المشاهد صادمة بل مروّعة، فالجثامين في كل مكان، والمصابون يصرخون، والنيران تشتعل في الخيام.
وأوضح أنه للحظة أصيب من وصلوا من أجل الإنقاذ بحالة صدمة، ولا أحد يعلم كيف يتصرف، ومن يساعد ومن يترك، حتى بدأت سيارات مدنية وعربات "كارو" بالوصول، وبدأت بنقل الضحايا إلى المستشفيات.
بينما قال الشاب الناجي عبد الله حمد، إن معجزة أنجته من موت محقق، إذ خرجت عائلته من الخيمة باتجاه البحر للسباحة والاستجمام، واستغل وجوده وحيداً في الخيمة لإحداث حفرة وسطها، بهدف وضع زجاجات المياه العذبة لتبريدها، وبينما كان منبطحاً على بطنه يُعمّق الحفرة، حدث الهجوم، وقد شعر بحرارة الانفجار، قبل أن يشعر بسقوط الخيمة فوقه، وبقي مكانه لدقيقتين، وبالكاد استطاع الخروج، ليُشاهد أصعب مشهد يراه في حياته.
ولفت حمد إلى أن عشرات الجثامين كانت متناثرة، وكان هناك جرحى يئنون وينزفون، والناس يتوافدون من بعيد، والصراخ يعلو على كل الأصوات.
وأكد أن ما حدث جريمة بل إبادة جماعية لمخيم كامل، فلا شيء يبرر هجوماً كبيراً وساحقاً بهذا الحجم، ضد مخيم يضم عشرات الخيام.

مستشفيات على وشك الانهيار
كشفت المجزرة الأخيرة في منطقة مواصي خان يونس، مدى هشاشة وضعف النظام الصحي في قطاع غزة عموماً، وجنوبه على وجه التحديد، مع الاعتماد على مستشفيات ميدانية صغيرة، ومستشفى ناصر الذي أعيد تأهيله جزئياً، وإدخاله للخدمة، بعد ما تعرض له من تدمير كبير خلال العدوان على المحافظة.
فقد فوجئ الأطباء بعدد كبير من المصابين يصلون إلى المستشفى الكويتي، ومستشفى ناصر، ومستشفى الأمل، وتعاني المستشفيات الثلاثة من اكتظاظ كبير بالجرحى حتى قبل وقوع المجزرة.
وبذل الأطباء والممرضون جهوداً كبيرة من أجل علاج الجرحى، رغم قلة الإمكانات، وانعدام الأدوية والمعدات الطبية، وامتلاء الأسرّة عن آخرها.
وأكد أطباء لـ"الأيام"، أن عدداً كبيراً من الجرحى وصلوا في وقت قصير، ومعظم الجرحى كانوا يعانون من وضع صحي حرج، وبعضهم كانوا مبتوري الأطراف، وآخرون يعانون من حروق شديدة، والبعض ينزفون، وهذا خلق حالة إرباك غير مسبوقة في المستشفيات.
وشوهد ممرضون وأطباء يتعاملون مع الجرحى في أقسام الاستقبال، وعلى الأرض، وفي ممرات المستشفى، وقد اضطروا في بعض الأحيان للمفاضلة بين الجرحى، وتأجيل متابعة من يعانون جروحاً أقل خطورة.
كما تعرضت عمليات نقل الضحايا للمستشفيات لعراقيل وتشويشات، جراء النقص الحاد في مركبات الإسعاف، وازدحام الطرق، ما اضطر المواطنين إلى الاعتماد على مركبات خصوصية، وعربات "كارو" في نقل الجرحى.
وبينت وزارة الصحة في قطاع غزة، أن الطواقم الطبية ما زالت تتعامل مع عدد كبير من الإصابات الحرجة، وسط محاولات مكثفة من أجل إنقاذ حياتهم.
وأشار مستشفى ناصر إلى أن الضغط الكبير الذي واجهه المستشفى في وقت قصير، أوشك على انهياره، والطاقم العامل فيه بذل جهوداً كبيرة من أجل إبقائه يُقدم الخدمات.
وشكّل خروج مستشفى غزة الأوروبي، الذي يقع ضمن دائرة الإخلاء الإسرائيلية معضلة كبيرة، خاصة مع خروج جميع مستشفيات وعيادات رفح عن الخدمة، ما تسبب بفقدان جنوب قطاع غزة عدداً كبيراً من الأسرّة والإمكانات الطبية.
وكررت وزارة الصحة مناشدات أطلقتها عدة مرات في السابق، مطالبة بإقامة مستشفيات ميدانية في قطاع غزة، لمنع انهيار ما تبقى من نظام صحي.

قلق وخوف يساور سكان الخيام
بات الخوف والقلق يلاحق القاطنين في الخيام، خاصة في مناطق غرب محافظة خان يونس، جراء تكرار تعرضها للقصف والغارات، وارتكاب قوات الاحتلال عدداً من المجازر بحق النازحين المقيمين فيها.
وبُعيد مجزرة مواصي خان يونس، التي راح ضحيتها عشرات الشهداء، وأكثر من 200 مصاب، تصاعدت حالة الخوف والقلق لدى سكان الخيام، لدرجة دفعت بعضهم لإخلاء محيط المنطقة التي وقعت فيها المجزرة، والبحث عن مناطق أخرى، رُغم قناعة الجميع، بأنه لا توجد منطقة آمنة في جميع أنحاء قطاع غزة.
ويعتقد نازحون أن الخيام باتت هدفاً إسرائيلياً مفضلاً في المرحلة الحالية، بدليل وقوع مجازر متلاحقة استهدفت مخيمات النازحين، خاصة في محافظة خان يونس، وتحديداً في المناطق التي صنفها الاحتلال في السابق على أنها آمنة.
وقال النازح إبراهيم ماضي، الذي كان يقيم في خيمة تبعد بضع مئات من الأمتار عن موقع المجزرة الأخيرة في مواصي خان يونس، إنه قرر تفكيك خيمته والرحيل، ولا يعلم أين يذهب، لكن رائحة الموت، ومشاهد الجثامين المتفحمة التي شاهدها وأفراد عائلته تدفعه إلى ترك المنطقة.
وأكد ماضي أن الاحتلال تعمد ارتكاب مجزرة كبيرة ومروعة، بدليل أنه استهدف أكثر مخيمات النازحين اكتظاظاً، واستهدفها بخمس قنابل كبيرة، وفي وقت ذروة الحركة والنشاط.
ذات المخاوف التي يشعر بها ماضي، شاركه فيها العديد من النازحين، ومنهم الشاب مصطفى جمعة، الذي بات يعتقد أن الخيام في هذه المرحلة من أخطر المساكن، فيبدو أن الإجرام الإسرائيلي وصل إلى ذروته، وشهية القتل لدى قادة الاحتلال ارتفعت لتبلغ ذروتها، ومخيمات النازحين أصبحت أهدافاً سهلة، تحقق أرقام ضحايا عالية، لذلك هناك توقعات بقصف المزيد من الخيام في الفترات المقبلة.
وأوضح جمعة أن أفراد العائلة وهم كثر، اجتمعوا في الصباح، واتفقوا على أن يتفرقوا، وأن لا يبقوا في مكان واحد، خاصة أنهم يقيمون في مخيم مكتظ عن آخره.
وبيّن أن أغلب المواطنين من سكان مخيمات النزوح يعيشون في الوقت الحالي حالة من القلق الشديد، والكل يخشى أن يكون الدور القادم عليهم، فالجميع بات يدرك أن الاحتلال كدّس النازحين في مناطق واحدة، ليسهل عليه ارتكاب المجازر.
وخلال الفترة الماضية، ارتكب الاحتلال سلسلة مجازر بحق قاطني الخيام، خاصة في مواصي محافظة خان يونس، وشرقها، إضافة إلى مجازر أخرى استهدفت مدارس ومراكز إيواء.