مشاهد جديدة من العدوان على غزة في يومه الـ 285
مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة في يومه الـ 285 على التوالي، وترصد أبرز القصص التي توثق المعاناة الإنسانية، وتُظهر مآسي المواطنين ومعاناتهم المتفاقمة، وتسلط الضوء على جرائم الاحتلال في القطاع.
ومن أبرز المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام"، مشهد يُوثق تعمد الاحتلال استهداف فرق الإنقاذ، خلال تأديتها واجبها الإنساني في غزة، ومشهد آخر يُركز على ما ينتجه الفقر المُستفحل في قطاع غزة من ظواهر اجتماعية خطيرة، ومشهد ثالث بعنوان "الاحتلال يُدمر المصارف في القطاع".
الاحتلال يتعمد استهداف فرق الإنقاذ
باتت فرق الإنقاذ وعناصر الدفاع المدني، ضمن دائرة الاستهدافات الإسرائيلية المباشرة والمتعمدة، حيث جرى خلال الفترات الماضية قصف مركبات إسعاف وإنقاذ تابعة للدفاع المدني، واستهداف سيارات إسعاف كانت تُحاول الوصول لبعض المناطق المُستهدفة، لإخلاء شهداء وجرحى.
وما حدث غرب محافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة، بالتزامن مع المجزرة الكبيرة في منطقة المواصي، قبل عدة أيام، يدلل على تعمد الاستهداف بشكل مباشر، إذ اندفعت مركبة إنقاذ على متنها عدد من عناصر الدفاع المدني، فور قصف معسكر النازحين، وعلى الفور قامت طائرات إسرائيلية مُسيرة باستهدافها بصورة مُتعمدة ومُباشرة، ما تسبب باستشهاد 3 عناصر من فرق الإنقاذ، وإصابة الباقين بجروح متفاوتة.
كما سبق ذلك حصار لطاقم إنقاذ في منطقة "الشاكوش"، شمال غربي محافظة رفح، بعد وصولهم من أجل إخلاء شهداء وجرحى بعد مجزرة إسرائيلية ارتكبت في تلك المنطقة، وجراء إطلاق النار بشكل مباشر تجاههم، وقد نجوا من الموت بأعجوبة، وتضررت سيارة إسعاف، ومركبة إنقاذ كانوا يستقلونها.
وسبق هذا كله استهداف أكثر من سيارة إسعاف في رفح، ومدينة غزة، واستشهاد طواقم تلك المركبات، دون أن تستجيب إسرائيل لأي مناشدات أو دعوات لتجنب استهداف المنقذين، وعناصر الدفاع المدني.
وأكدت مديرية الدفاع المدني في قطاع غزة، أن وتيرة استهداف المنقذين من عناصر المديرية تزايدت بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، حيث ارتفع عدد شهداء الجهاز منذ بداية العدوان إلى 79 شهيداً، وعشرات الجرحى، عدا تدمير معظم المقار، وعدد كبير من المركبات ومُعدات الإنقاذ.
وأكدت المديرية أن الاحتلال يتعمد استهداف الطواقم خلال تأدية واجبها، وهي تُقدم خدمات إنسانية بحتة، وتسعى لإنقاذ الأرواح، مشددة على أن ذلك يُعد انتهاكاً صارخاً وصريحاً للقانون الدولي الإنساني، ولاتفاقيات جنيف التي كفلت حرية العمل لمقدمي الخدمة الإنسانية، كما يسهم في عرقلة جهود إنقاذ الضحايا.
وأكد الناطق باسم الدفاع المدني محمود بصل، أنه وبالإضافة للاستهدافات، فإن الاحتلال يمنع طواقم الدفاع المدني وفرق الإنقاذ من الوصول للكثير من المناطق، خاصة التي تقع فيها اجتياحات برية، فهناك العشرات من المناشدات تصل الدفاع المدني من مناطق مُحاصرة، في كل مرة يحدث فيها اجتياح، لكن للأسف لا تستطيع الفرق الوصول لموقع المناشدة، وتكتشف لاحقاً أن غالبية أصحاب هذه المناشدات استشهدوا.
الفقر يُنتج ظواهر اجتماعية خطيرة
أنتجت حالة الفقر المُدقع التي يعيشها المواطنون في قطاع غزة، خاصة النازحين منهم، ظواهر اجتماعية شديدة الخطورة، منها التسول، وعمالة الأطفال، ومهاجمة شاحنات البضائع، وحتى الاقتتال على المساعدات التي يتم إسقاطها من طائرات المساعدات.
ولا يكاد يخلو شارع من متسولين من كلا الجنسين، وبعضهم أطفال، يلحون على المواطنين من أجل منحهم بعض المال، لتوفير متطلبات عائلاتهم.
تقول الطفلة منى عبد الرحمن (14 عاماً)، إنها نزحت من مدينة غزة بعد استشهاد والدها وشقيقها الأكبر، وتقيم وعائلتها منذ عدة أشهر في خيمة بمنطقة المواصي، ولا يجدون حتى قوت يومهم، ما اضطرها للتسول في الشوارع، وطلب المساعدة من الناس.
وأكدت عبد الرحمن، أنها تشعر بالخجل دائماً، وتتعرض لمضايقات من المواطنين، وتتمنى أن تترك هذا العمل، وأن تتكفل مؤسسة أو جهة حكومية بهم، وتمنحهم ولو سلالاً غذائية كي لا يضطروا للتسول.
ومن الظواهر السلبية الأخرى، انتشار عمالة الأطفال على نحو غير مسبوق، فمنهم من يعمل كبائع متجول، ومنهم من يعمل كسائق لعربة كارو، وآخرون امتهنوا نقل المياه للمواطنين بواسطة عجلات صغيرة، مقابل أجور مالية زهيدة.
كما انتشرت في الآونة الأخيرة ظواهر اجتماعية أكثر خطورة، منها سلب ونهب شاحنات المساعدات، عبر مهاجمتها، إذ تتم يومياً سرقة كميات كبيرة من المساعدات.
وقال الفتى طارق سالم، إنه منذ أن نزح على محافظة خان يونس، لم تحصل عائلته على أي مساعدة، ويُشاهد الجميع يهاجمون الشاحنات للحصول على المعونات الغذائية، وقد بدأ يفعل مثلهم.
وبيّن سالم أنه نجح في الأيام الماضية وبالتعاون مع عدد من أقربائه وجيرانه، في إسقاط شوالات طحين، وسلال غذائية من شاحنات كانت تسير في شوارع خان يونس، وتقاسموها، وقد نقل بعضها لخيمة عائلته، وأخرى قام ببيعها لتوفير باقي متطلبات عائلته.
وأكد أنه لو كان ثمة عدالة في توزيع المساعدات، ومنح النازحين في الخيام حقوقهم، لما هاجم أحد الشاحنات.
بينما أوضح الطبيب والمعالج النفسي الدكتور يوسف عوض الله، أن وجود عشرات الجانحين ممن كانوا في إصلاحيات وسجون، أو في مراكز خاصة، بين الناس دون ضابط، وانتشار الفقر، ووجود مخيمات النزوح، كلها عوامل تؤثر في سرعة وتفشي الجرائم، وهذا له انعكاسات اجتماعية ونفسية خطيرة.
الاحتلال يُدمر المصارف في القطاع
أضحت المصارف الرسمية في قطاع غزة هدفاً لآلة الحرب الإسرائيلية، إذ جرى تدمير ومصادرة معدات وأموال من بعضها.
وخلال العملية العسكرية التي تعرضت لها محافظة خان يونس، واستمرت قرابة 4 أشهر، دمر الاحتلال جميع المصارف التابعة لسلطة النقد، إما عبر القصف، أو من خلال التجريف، كما دمر أجهزة الصراف الآلي، ما تسبب بتوقف عمل تلك المصارف، خاصة مع استمرار منع إدخال السيولة النقدية.
وانتقلت عملية التدمير التي تبدو أنها ممنهجة ومقصودة إلى مصارف محافظة رفح، إذ أفاد شهود عيان بتعرض المباني التي تتواجد فيها المصارف لقصف مدفعي وجوي، وعمليات تجريف.
ولم يتبقَ في قطاع غزة، سوى عدد محدود جداً من المصارف، وأجهزة الصرافات الآلية قادرة على العمل في مدينة دير البلح، ومناطق أخرى وسط القطاع، وستكون تلك الأجهزة عرضة للتدمير، حال امتدت العمليات العسكرية لتلك المناطق.
وأكد المواطن ياسر يوسف، وهو موظف متقاعد لدى السلطة الفلسطينية، أن ما يحدث للمصارف أمر مقصود ومتعمد، وهو ضمن سياسة الاحتلال لجعل القطاع مكانا غير قابل للحياة، ويهدف إلى تعطيل العمليات المصرفية، وإيقاف صرف الرواتب، ومنه تدفق السيولة النقدية للقطاع، وهذا سيؤدي إلى كارثة اقتصادية كبرى.
وأكد يوسف أنه وعشرات الآلاف من الموظفين والمودعين وأصحاب الأموال غير قادرين على سحب أموالهم وأرصدتهم من البنوك، بسبب خروجها عن الخدمة، وعدم توفر السيولة النقدية، ويبدو أن هذا الأمر سيستمر في الفترات المقبلة، حتى لو انتهت الحرب، موضحاً أن ظروفا أكثر صعوبة بانتظار الناس في غزة.