مشاهد جديدة من العدوان المُستمر منذ 287 يوماً
ما زال العدوان الإسرائيلي متواصلاً على قطاع غزة بصورة واسعة لليوم الـ287 على التوالي، مترافقاً مع تصعيد الهجمات الجوية، وتوسيع تدمير أحياء ومخيمات محافظة رفح.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة ومتنوعة من قلب الحرب والقصف والدمار، منها مشهد يرصد استخدام الاحتلال "روبوتات" مفخخة للقتل والتدمير في رفح، ومشهد آخر يُوثق حالة القلق جراء ظهور وباء "شلل الأطفال" في قطاع غزة، ومشهد ثالث تحت عنوان "مواطنون يمارسون رياضة قسرية يومياً".
"الروبوت المفخّخ"
لم يترك جيش الاحتلال وسيلة للقتل والتدمير إلا واستخدمها في قطاع غزة، بدءاً بالمُسيّرات القاتلة، مروراً بالقذائف والصواريخ الفتاكة، وعمليات زرع المتفجرات، حتى بات يستخدم مؤخراً أنواعاً من أدوات القتل التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة.
وأدخل جيش الاحتلال إلى الخدمة أنواعاً جديدة من "الروبوتات"، وهي مركبات صغيرة تسير بسرعات عالية، ويتم التحكم فيها عن بُعد، بعضها مخصص للمراقبة والتصوير، وأخرى لإطلاق النار، ونوع ثالث عبارة عن "ربوت مفخّخ"، يتم تحميله كميات كبيرة من المتفجرات، وإرساله إلى بيوت وعمارات يشك الاحتلال بوجود مقاومين داخلها، فيقوم "الروبوت" باقتحام البيوت، إما من خلال الأبواب أو عبر كسر الجدران، ثم يصل إلى مركز البيت وينفجر.
وأكد مواطنون أن "الروبوتات" المذكورة، التي كثر استخدامها في أحياء غرب محافظة رفح جنوب قطاع غزة، خاصة حيّي تل السلطان والسعودي في الأسبوعين الماضيين، تسببت بموجة دمار كبيرة وغير مسبوقة، كونها تنفجر داخل المنازل.
وقال المواطن يوسف عاشور: إنه توجه إلى المنطقة التي يقطن فيها في حي تل السلطان برفح، لكنه فوجئ بحجم دمار كبير لم يكن موجوداً قبل نحو عشرة أيام، مشيراً إلى أن البيوت جميعها بلا جدران، وأثاث المواطنين وحاجياتهم متناثرة في الشارع، وقد شاهد قطعاً معدنية وجنازير صغيرة، وحين سأل أخبره مواطنون بأنها "روبوتات مفخخة" دخلت إلى البيوت وانفجرت.
وذكر عاشور أنه شاهد العديد منها تنطلق من محور صلاح الدين الحدودي "فيلادلفيا"، حيث تتواجد قوات الاحتلال، وتنفذ عملياتها ثم تعود أو تنفجر، مبيناً أنها شكل جديد من القتل والتدمير لم يعهده المواطنون من بعد.
بينما قال المواطن طارق عمر: إن "استخدام العربات المفخخة أو الانتحارية محاولة إسرائيلية لتجنب الاشتباك المباشر مع المقاومين، ومحاولة لتطهير وتمشيط المناطق التي تدخلها قوات الاحتلال، فهي تقوم بتمشيط الشوارع وتصويرها بحثاً عن ألغام أو عبوات ناسفة قد تكون مزروعة، بينما تقوم روبوتات أخرى بالانفجار داخل منازل يخشى جنود الاحتلال وجود مقاومين فيها".
وأوضح أن "الروبوت الذي يدمر كافة الجدران يجعل المنازل والشقق مكشوفة، ويسهّل على الجنود رؤية ما بداخلها، وهي محاولات لتوفير أقصى حماية ممكنة للجنود والآليات، التي تعرضت لهجمات وعمليات تدمير واسعة من قبل مقاومين مؤخراً".
وتعتبر "الروبوتات" المذكورة، جزءاً من أسلحة الذكاء الاصطناعي، التي كثفت قوات الاحتلال الاعتماد عليها مؤخراً.
قلق من "شلل الأطفال"
أثارت الأخبار التي نشرتها وزارة الصحة باكتشاف فيروس شلل الأطفال، في عينات من مياه الصرف الصحي، بعد إجراء تحاليل بالتعاون مع منظمات صحية عالمية، مخاوف لدى المواطنين، خاصة النازحين الذين يعيشون وسط برك الصرف الصحي.
وبدا النازحون قلقين خشية انتشار هذا الوباء الخطير، الذي جرت محاصرته عالمياً منذ عقود طويلة، بفضل اللقاحات التي جرى تطويرها.
وقال المواطن أحمد الزاملي: إنه يكره هذا المرض، الذي كان لعائلته تجربة سيئة معه في ستينيات القرن الماضي، حيث انتشر وأصاب عشرات الأطفال، من بينهم شقيقه الأكبر الذي ظل قعيداً طوال حياته، حتى توفي قبل عامين.
وبيّن أنه يخشى على أحفاده من هذا الوباء، وبات يتخذ إجراءات احترازية، كتجنب سيرهم بالقرب من مياه الصرف الصحي، أو لعبهم في الرمال المُلوثة، ويقوم بغلي المياه قبل شربها، لكن هذا غير كافٍ، فهم يعيشون في بيئة ملوثة.
بينما حمّل مواطنون الاحتلال أسباب ظهور هذا الوباء وغيره من الأوبئة، عبر تعمّد تخريب شبكات المياه والصرف الصحي، وزج الناس في مناطق ملوثة، والأخطر من ذلك تناقل شهادات حول قيام جنود الاحتلال بإلقاء جثامين شهداء في آبار مياه، وبرك صرف صحي لتسريع ظهور وانتشار الأوبئة.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة أنه تم إجراء فحوص لعينات من الصرف الصحي بالتنسيق مع هيئة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، وأظهرت النتائج وجود الفيروس المسبب لشلل الأطفال.
وأكدت الوزارة أن وجود الفيروس المسبب لشلل الأطفال في مياه الصرف الصحي التي تتجمع وتجري بين خيام النازحين، وفي أماكن تواجد السكان نتيجة تدمير البنية التحتية، يُمثل كارثة صحية جديدة، حيث وجود الزحام الشديد، مع شح المياه المتوفرة وتلوثها بمياه الصرف الصحي، وتراكم أطنان القمامة ومنع الاحتلال إدخال مواد النظافة بما يشكله ذلك من بيئة مناسبة لانتشار الأوبئة المختلفة.
ولفتت وزارة الصحة في غزة إلى أن رصد الفيروس المسبب لشلل الأطفال في مياه الصرف الصحي ينذر بكارثة صحية حقيقية، ويعرّض آلاف السكان لخطر الإصابة بشلل الأطفال، مطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي فوراً، وتوفير المياه الصالحة للاستخدام، وإصلاح خطوط الصرف الصحي، وإنهاء تكدس السكان في أماكن النزوح.
رياضة قسرية
لم يعد المواطنون بحاجة إلى نوادٍ رياضية، أو صالات "جيم" لممارسة الأنشطة الرياضية، إذ باتوا يمارسون الرياضة القاسية بشكل يومي وبصورة قسرية.
وتتنوع الأنشطة الرياضية الإجبارية ما بين المشي مسافات طويلة، وحمل "جالونات" المياه، وحفر الحفر الامتصاصية لتصريف مياه الصرف الصحي، والسباحة في البحر، كبديل للاستجمام.
وذكر المواطن يحيى جابر أنه قبل العدوان كان يتوجه ثلاث مرات أسبوعياً لصالة رياضية "جيم"، ويمشي نصف ساعة يومياً، ويتبع نظاماً غذائياً معيناً بهدف حرق الدهون كي يخسر بعضاً من وزنه، لكن منذ بداية العدوان بات يمارس رياضة أقسى وأصعب، ويعيش نظاماً غذائياً قاسياً قائماً على الحرمان من قائمة طويلة من السلع.
وأشار إلى أنه بالكاد كان في السابق يخسر بضع كيلوغرامات من وزنه شهرياً، لكنه منذ بداية العدوان حتى الآن خسر أكثر من 30 كيلو غراماً.
وأوضح أنه يمارس كل أنواع الرياضة بشكل يومي، ويمشي مسافات طويلة، ويأكل أنواعاً عديمة القيمة من المواد الغذائية.
من جهته، قال المواطن إبراهيم لطفي: إن أكبر الأندية الرياضية في العالم لا يخضع المنتسبون إليها للرياضة التي يمارسها النازحون كل يوم، فهم مجبرون على المشي وحمل الأثقال والسباحة وتكسير الحطب، وغيرها من الرياضات القاسية.
ونوّه إلى أن المواطنين في قطاع غزة اعتادوا على التعب والشقاء كل يوم، وباتوا يتوقون للراحة والنوم الطويل، فحياة النزوح مليئة بالمشقة.
وذكر لطفي أنه ومن محاسن الرياضة المذكورة أنها قوّت عضلاته، وجعلته يعتاد على المشي، وخفضت وزنه، والأهم أنه تخلص من دهون كانت متراكمة على الكبد، معتقداً أنه حتى لو انتهى العدوان سيواصل ممارسة بعض الرياضات مثل المشي، وحمل أشياء ثقيلة، فقد شعرَ رغم التعب والكد بأهمية مثل هذه الرياضات للجسم.
لكن المواطن أسامة جبريل أكد أن ما يمارسه النازحون ليس رياضة، بقدر ما هي أشغال شاقة، فالكثير منهم أصيبوا بمشاكل صحية، مثل الانزلاقات الغضروفية، و"عرق النسا"، وغيرها من الأمراض التي تنجم عن حمل أشياء ثقيلة، وعن العمل الشاق.
وأوضح جبريل أنه يعاني من آلام ومتاعب صحية جراء حمل "جالونات" المياه مسافة طويلة كل يوم، وحين توجه إلى المستشفى من أجل الفحص، أخبره الطبيب بأنه يعاني من "عرق النسا"، وطلب منه الراحة، لكن هذا صعب الحدوث، في ظل حاجة عائلته للماء، وضرورة تعبئة "الجالونات" يومياً، في ظل عدم وجود أحد يساعده.