:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/73555

مشاهد جديدة من العدوان والنُزوح في خان يونس

2024-07-24

شهدت محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، عدواناً برياً وجوياً واسعاً، رافقته غارات ومجازر إسرائيلية مكثفة، ومعاناة كبيرة نجمت عن إجبار المواطنين على النزوح.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان الواسع على محافظة خان يونس، منها مشهد يُوثق إعدام الاحتلال للنازحين الفارين من بيوتهم، خلال سيرهم في الطرقات، ومشهد آخر يرصد معاناة النزوح، في ظل عدم توفر وسائل نقل، وحالة الإنهاك التي يعاني منها المواطنون، ومشهد ثالث تحت عنوان "تدمير ما تبقى من خان يونس".

إعدام النازحين
صُدم سكان محافظة خان يونس، والنازحون في مناطق وسط وشرق المحافظة، بأوامر إخلاء جديدة، طالت نحو نصف مساحة المحافظة، بالتزامن مع غارات جوية عنيفة، وقصف مدفعي متواصل.
سارع المواطنون والنازحون بإخلاء منازلهم، خاصة في بلدات بني سهيلا، وخزاعة، وعبسان الجديدة، وعبسان الصغيرة، وقيزان النجار، ومعن، وجورة اللوت، والسطر الغربي، والكتيبة، والقرارة، والمحطة، وغيرها من المناطق.
وبمجرد خروج المواطنين إلى الشوارع، بدأ الاحتلال بتنفيذ أوسع عمليات إعدام ميدانية تشهدها المحافظة منذ أكثر من خمسة أشهر، إذ أطلقت طائرة مُسيّرة من طراز "كواد كابتر"، النار بشكل مباشر باتجاه المواطنين، بينما قصفت الطائرات الحربية والمُسيّرة تجمعات المواطنين، موقعة عدداً كبيراً من الشهداء.
كما أطلقت مدفعية الاحتلال عشرات القذائف، التي جرى توجيهها إلى الشوارع المكتظة، وتساقط الشهداء والجرحى في كل مكان، معظمهم كانوا من النازحين، وأغلبهم نساء وأطفال.
وقال المواطن عبد الله النجار، إنه استيقظ على قرع الباب من أحد جيرانه، يخبره بأوامر النزوح، فسارع بتجهيز أغراضه، وخرج وعائلته مُسرعاً من المنزل، وخلال سيره في الشارع بدأت عمليات قتل وإعدام النازحين، فقد شاهد تعرض النازحين لإطلاق نار من الطائرات، وإطلاق قذائف باتجاههم.
وأكد النجار أنه شاهد عشرات الشهداء والجرحى في الشوارع، فهذا يحمل ابنه الشهيد، وذلك يحاول إخلاء قريبه الجريح، وبعضهم كانوا ينقلون الجرحى والشهداء على متن عربات "كارو"، ومركبات مدنية، وآخرون ظلوا في الشوارع لم يتسن انتشالهم.
بينما قال المواطن محمد بركة، إن ما حدث شرق خان يونس كان مروعاً، فالاحتلال أوقع الناس في فخ الإعدام المتعمد، إذ طلب منهم النزوح عن بيوتهم، ثم قتلهم بدم بارد في الشوارع.
وأشار بركة إلى أنه وعائلته نجوا من الموت مرتين خلال نزوحهم من شرق خان يونس، وقد أصيب ابنه برصاصة في ذراعه.
وبيّن أن المرة الأولى كانت داخل بلدة بني سهيلا، بعد سقوط قذيفة مدفعية على بعد 50 متراً من وجودهم، وشاهد الشهداء والجرحى يسقطون بفعلها، والمرة الثانية عند "دوار بني سهيلا"، حيث أطلقت طائرة إسرائيلية مُسيّرة النار عليهم، ما تسبب باستشهاد عدد من المواطنين، وإصابة آخرين، بينهم ابنه.
ولفت إلى أن مشهد الناس وهي تجري في الشوارع محاولة النجاة من القصف والاستهدافات كان محزناً، فلم ينجُ من بقي في بيته، إذ جرى قصف عشرات البيوت على رؤوس ساكنيها، ولم ينجُ كذلك من نزح، بعدما استُهدف النازحون في الشوارع.

معاناة النازحين تتكرر
بدا مشهد النازحين وهم يملؤون شوارع محافظة خان يونس مُحزناً، فالجميع خرجوا من بيوتهم يبحثون عن مأوى، في ظل عدم توفر وسائل نقل تقلهم إلى حيث يريدون.
واضطرت العائلات النازحة، التي نجت من القصف وإطلاق النار، للسير مسافات طويلة، وصلت إلى أكثر من 10 كيلو مترات، في ظل أجواء شديدة الحرارة، وهم يحملون ما استطاعوا نقله من أمتعتهم.
وذكر المواطن أشرف جهاد، من سكان شرق خان يونس، أن تكرار النزوح أنهكه نفسياً ومادياً، فقد نزح حتى الآن 4 مرات، وكل مرة يحتاج إلى مركبة نصف نقل لنقل أغراضه، يدفع مقابلها مبلغاً يصل إلى 600 شيكل، وهذه المرة جاء النزوح الجديد، وهو لا يمتلك أي مبلغ مالي.
وأكد جهاد أنه لم يجد بداً من التحرك وعائلته مشياً على الأقدام، وقد قطع مسافة زادت على 6 كيلو مترات حتى وصل إلى مشارف غرب خان يونس، ولا يعرف أين يتوجه، ولا يمتلك خيمة، أو حتى ثمنها.
وأشار إلى أنه وعائلته تعبوا من النزوح، فكلما عادوا إلى بيتهم الذي نجا من التدمير، وبدؤوا بالاستقرار أجبرهم الاحتلال على النزوح من جديد.
المواطنة أم يوسف عطا الله، تعبت من كثرة المشي، وجلست بجانب جدار مبنى تابع لوكالة الغوث "الأونروا" لتستريح مع أبنائها الصغار، موضحة أنها غادرت بيتها وسارت مسافة طويلة، في طريق الوصول إلى منطقة المواصي التي قال الاحتلال عنها إنها آمنة.
ونوهت إلى أن زوجها استشهد وترك لها خمسة أبناء، تتنقل فيهم من مكان إلى آخر، فكلما جاءت أوامر نزوح جديدة هربت بهم خشية أن يصيبهم مكروه، وهذه المرة تنزح دون معرفة وجهتها، وتمشي مسافات طويلة وهي مُثقلة بالهموم، مُتعبة من المسؤولية، ولا تعرف إن كان هذا النزوح الأخير أم سيتبعه نزوح آخر في المستقبل.
وبينت أن حال المواطنين لا يختلف عن حالها، فالهم والحزن مرسوم على وجوه الجميع، والجميع يسيرون في الشوارع باتجاه الغرب لعلهم يجدون مأوى جديداً.

تدمير ما تبقى من خان يونس
لم يكتفِ الاحتلال بما أحدثه من دمار كبير في محافظة خان يونس، التي مكث جيشه فيها ما يزيد على 5 أشهر، بل عاد لتنفيذ عمليات عسكرية جديدة فيها، قد تتسبب بتدمير ما بقي من منازل، وبنية تحتية.
وأشار مواطنون إلى أن ادعاءات الاحتلال بأن عمليته في خان يونس لملاحقة مقاومين، كذب وتضليل، والهدف الحقيقي هو إكمال مهمة التدمير، ومسح ما بقي في المحافظة من مبانٍ.
وأكد المواطن يوسف حمدان، أن المواطنين عادوا إلى بيوتهم وأحيائهم في المحافظة، وبعضهم أعادوا استصلاحها، والشوارع فُتحت، وشبكات المياه أعيد تأهيلها، وبدأت الحياة تعود تدريجياً إلى المحافظة، وهذا الأمر لم يرق للاحتلال، فتحجج بملاحقة المقاومين، ليعود ويدمّر ما تم إصلاحه، ويكمل مهمات التدمير.
من جهته، قال المواطن أحمد موسى، إنه عاد إلى منزله في منطقة السطر الغربي بمحافظة خان يونس، بعد إعلان الاحتلال المنطقة بأنها "إنسانية"، واعتقد أنه لن يحدث اجتياح جديد لها، وبناءً على ذلك أعاد مع أشقائه تأهيل المنزل، ونظفوا محيطه من الركام، واشتروا أنابيب لتوصيل المياه، وأقاموا في منزلهم لشهرين ونصف الشهر، قبل أن يُفاجؤوا بأوامر الإخلاء الجديدة، وبتقليص المنطقة الإنسانية، ليعودوا للنزوح من جديد.
وأعرب موسى عن خشيته من أن يتعرض منزلهم للتدمير هذه المرة، بعد أن نجا في المرات السابقة، رغم إصابته بأضرار، موضحاً أن أسوأ ما سمعه أن الفرقة الإسرائيلية 98، هي التي اجتاحت خان يونس، وهي فرقة سيئة السمعة، مشهورة بالحرق والتدمير، وهي ذاتها التي عملت في خان يونس في وقت سابق.
بدوره، قال المواطن شريف حسونة، إن المقصود من هذه العملية تدمير ما بقي من خان يونس، وحرمان السكان من أي نوع من الاستقرار والأمان، فحتى المناطق التي حددها الاحتلال "إنسانية"، تتم إعادة اجتياحها وتدميرها.
وأكد حسونة أن قدرة المواطنين في خان يونس على التعايش، وتأهيل بيوتهم، وإعادة افتتاح الأسواق، يبدو أنها أغاظت الاحتلال الذي استغرق أشهراً طويلة حتى يحدث كل هذا الدمار، لذلك قرر توسعة الدمار هذه المرة، متوقعاً أن يخلّف هذا الاجتياح مستويات تدمير عالية جداً.
يذكر أن المناطق التي طالب الاحتلال بإخلائها كبيرة، وتعد مركز خان يونس، وعصب الحياة فيها، وربما تصل مساحتها إلى نصف مساحة المحافظة، وأن عدد من أُجبروا على النزوح يزيد على ربع مليون شخص، جميعهم جرى زجهم في مناطق مزدحمة لا يوجد فيها موطئ قدم.