مشاهد جديدة من العدوان المتواصل على غزة
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بوتيرة أكثر عنفاً، لليوم الـ298 على التوالي، مع اشتداد الهجوم البري على مختلف مناطق القطاع، وتصاعد عمليات القتل، واستهداف المناطق "الإنسانية الآمنة"، وتدمير مرافق البنية التحتية، خاصة مصادر المياه.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة ومتنوعة من العدوان والمعاناة، منها مشهد يوثق تعمّد قوات الاحتلال استهداف مصادر المياه في رفح، ومشهد آخر ينقل معاناة سكان الخيام وشكواهم جراء انتشار الحشرات والأمراض الجلدية، ومشهد ثالث تحت عنوان: "مصدات للأمواج لمنع غرق خيام النازحين".
استهداف مصادر المياه
لم تكن حادثة تفجير خزان المياه في الحي السعودي، غرب محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، الأولى التي يتم خلالها استهداف مصادر وشبكات مياه الشرب في المحافظة، إذ سبقها تدمير مُتعمّد ومُمنهج للبنية التحتية الخاصة باستخراج وتوزيع المياه على أحياء المحافظة.
ورغم خطورة الحادثة المذكورة، التي تؤثر على ما يزيد على 100 ألف مواطن، وتحرمهم مستقبلاً من الحصول على مياه الشرب في مدينة رفح، إلا أنه سبق ذلك حوادث مماثلة، شملت تدمير آبار مياه، وتخريب مولدات كبيرة تستعمل في تشغيل المضخات، وتجريف ونسف خزانات مياه في مناطق شرق ووسط وشمال المحافظة.
وأكدت مصادر محلية وشهود عيان، أن جرافات الاحتلال تعمّدت إخراج الأنابيب من باطن الأرض وتحطيمها، وبالتالي سيتعذر نقل المياه من مصادر استخراجها للأحياء السكنية، كما جرى تدمير خزانات رئيسة وسط محافظة رفح.
ووفق تحقيق أجرته قنوات عبرية، فإن تفجير خزان المياه في رفح، نفذه جنود وضباط في الميدان، دون الرجوع إلى قيادتهم.
من جهته، اعتبر رئيس بلدية رفح أحمد الصوفي، أن إقدام قوات الاحتلال على تفخيخ وتفجير خزان المياه الرئيس وبئر كندا في حي تل السلطان غرب المدينة، يعد جريمة ضد الإنسانية، وتمادياً في سياسة العقاب الجماعي والإبادة الجماعية.
وقال الصوفي: "المشاهد الموثقة لقيام جنود الاحتلال بتفجير خزان مياه كندا الذي كان يغذي شبكة مياه رفح 3000 متر مربع يومياً، وبئر كندا الذي يعمل بقدرة تشغيلية 180 م3/ساعة، وتفاخر الجنود أثناء تنفيذ مهمتهم، يكشف حقيقة أهدافهم، بتخريب كل ما هو قائم، وتدمير مقومات الحياة واستخفافهم بالقوانين الدولية".
وأوضح أن التكلفة الإجمالية لإنشاء خزان وبئر كندا بلغت 700 ألف دولار أميركي بتمويل من عدة مؤسسات دولية.
وأشار الصوفي إلى أن تدمير الخزان الرئيس سيفاقم أزمة المياه في مدينة رفح، وستنعكس على المواطنين وكميات المياه بشكل مباشر، في ظل عدم توفر إمكانيات لإنشاء خزانات بديلة أو وجود قطع غيار لاستبدال ما تم تدميره.
وناشد الجهات الدولية التدخل لوقف جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وفتح المعابر لإدخال قطع الغيار والآليات لإصلاح شبكتي المياه والصرف الصحي.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية المحدثة يومياً، تغيّراً كبيراً في الشكل العمراني لمدينة رفح كل يوم، ما يدلل على استمرار عمليات التدمير واتساعها باستمرار.
حشرات وطفح جلدي
تزايدت معاناة سكان الخيام بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، خاصة مع الارتفاع الكبير على درجات الحرارة. ورغم أن مشاكل ومعاناة سكان الخيام كانت كبيرة، إلا أن الشكوى الأكبر كانت من الحشرات الغريبة التي باتت تغزو الخيام، إضافة إلى إصابتهم بطفح جلدي، لاسيما الأطفال.
وقال الشاب محمود الزاملي، إنه شاهد في خيمته أنواعاً غريبة من الحشرات، لم يسبق أن شاهدها من قبل، وجميعها تغزو الخيام، وتستقر تحت الفراش.
وأضاف: من بين الحشرات أنواع مؤذية، وأخرى أقل ضرراً، فهناك على سبيل المثال حشرة زاحفة صغيرة تُسمى محلياً "أبو مقص"، وهي حشرة، تقتات على بقايا الطعام، ورغم أنها لا تشكّل خطراً على الأشخاص إلا أنها مؤذية جداً، فبمجرد لمسها أو الاقتراب منها، أو حتى محاولة إبعادها، تُصدر رائحة نفاثة كريهة، تنتشر في أرجاء الخيمة بشكل سريع، وهذا جعل سكان الخيام يتلاشون لمسها، ويحاولون الابتعاد عنها.
وتحدث الزاملي عن معاناتهم من حشرات الذباب، البعوض، وأم 44، إضافة إلى حشرات وزواحف سامة، مثل الأفاعي والعقارب، وغيرها من الحشرات التي تزايد انتشارها مع ارتفاع درجات الحرارة.
بينما اشتكى نازحون من ظهور طفح جلدي حراري على أجسادهم، خاصة الوجه والذراعين والرقبة، ومنطقة الظهر، إذ أكد النازحون أن الأطفال يعانون من هذه المشكلة بشكل كبير.
وبيّن النازح أشرف صالح، أن درجة الحرارة داخل الخيمة تصل إلى 44 في ساعات الظهيرة، وفي ظل عدم وجود أي وسيلة تبريد، باتت تظهر حبوب صغيرة وطفح جلدي حراري.
ولفت صالح إلى أن أبناءه أصيبوا بتلك المشاكل، ونقلهم إلى نقطة طبية، وحصل على مراهم، لكن الطبيب أخبره بأنها أدوية تخفف الأعراض، لكنها لا تعالج المشكلة، نظراً لأن المسبب "درجة الحرارة المرتفعة"، والتراب الملوث بالبكتيريا، مازال مستمراً.
وأشار إلى أنه يطلب من أبنائه وأفراد عائلته مسح وجوههم وأيديهم بالمياه في النهار، وتجنب الظهور تحت أشعة الشمس، ويأخذهم للبحر يومياً للاستحمام، في محاولة للسيطرة على المشكلة، التي تفشت في خيمته وباقي خيام النازحين.
وكان أطباء ومختصون أكدوا أن الأمراض الجلدية المنتشرة بين الأطفال بكثرة في مناطق الخيام بقطاع غزة، تشخيصها الطبي اسمه "القوباء" وهي بكتيريا معدية، علاجها مضادات حيوية وهي غير متوفرة.
مصدات للأمواج
دفع الزحام الشديد في منطقة مواصي محافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة، وعدم وجود أماكن لوضع الخيام فيها، آلاف النازحين للتوجه إلى شاطئ البحر لوضع خيامهم.
لكن النازحين الذين قصدوا شاطئ البحر في اليومين الماضيين، فوجئوا بآلاف الخيام قد جرى وضعها على الرمال في وقت سابق، ما أجبرهم على تقديم خيامهم الجديدة غرباً، حتى باتت على حافة الأمواج، تصلها بسهولة في حال ارتفعت.
ولجأ النازحون إلى إقامة سواتر رملية، وملء أكياس كبيرة بالرمال، ووضعها أمام خيامهم، لمنع وصول مياه البحر إليها، بينما أحاط آخرون خيامهم بما يشبه التلال الرملية المرتفعة، ووضعوا وسطها الصدف، لتقويتها بهدف صد الأمواج.
وقال المواطن يوسف النجار، إنه اضطر إلى النزوح من مناطق جنوب خان يونس، وجال كل مناطق المواصي، ولم يجد مكاناً يقيم فيه خيمة، ما اضطره للتوجه إلى شاطئ البحر، فوجد الخيام منتشرة على طوله، حتى اضطر أخيراً لوضع خيمته على حافة الشاطئ.
وأوضح أنه يدرك خطورة إقامة الخيمة في هذا المكان، فأي ارتفاع للأمواج، وحدوث مد بحري سيغرق خيمته، وقد يؤدي ذلك إلى إغراق عائلته في منتصف الليل، لذلك يعمل منذ يومين على وضع سواتر ترابية، ويدعمها بأكياس ممتلئة بالرمال.
وذكر النجار أنه يُدرك أن ما يفعله مجرد حلول مؤقتة، وأنه في حال بقي في مكانه شهرين فقط، سيكون وعائلته في مضرب الأمواج، لذلك يتخذ من مقر إقامته الحالي مكاناً مؤقتاً، ويبحث في كل يوم عن مكان جديد ينقل خيمته إليه.
من جهته، قال المواطن ياسر داوود، إنه كان في السابق يضع خيمة على شاطئ البحر للاستجمام عدة ساعات في فصل الصيف، ولم يتخيل في حياته أن تتحول هذه الخيمة إلى مكان للإقامة، فقد اضطر لوضع خيمته في أقرب مكان من الأمواج، ولولا التلة الرملية التي أقامها لغرقت خيمته عدة مرات، وفي كل صباح يستيقظ ويبدأ بمعاونة أبنائه في تدعيم تلك التلة، وزيادة ارتفاعها، حتى تكون سداً منيعاً أمام الأمواج.
ولفت داوود إلى أن شاطئ البحر بات مكتظاً عن آخره بخيام النازحين، ولا يوجد حتى مكان للسير فيه، والناس في وضع بائس، والجميع يخشون حدوث ارتفاع على الأمواج، لأن هذا قد يتسبب بغرق مئات الخيام.
وأصدر جيش الاحتلال خلال أقل من أسبوع أوامر إخلاء ثلاث مرات، شملت أكثر من نصف مساحة محافظة خان يونس، وأجزاء واسعة من وسط قطاع غزة، وأجبرت أكثر من ثلث مليون مقيم ونازح على التوجه غرباً إلى منطقة المواصي.