:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/73673

مشاهد جديدة من مجزرة الفجر بمدرسة التابعين

2024-08-12

تسببت مجزرة الفجر، في مدرسة التابعين، بمدينة غزة بمآسٍ كبيرة، ومازال سكان القطاع، خاصة من كانوا شهوداً على الجريمة، يتناقلون قصصاً وروايات مفزعة حول المجزرة، وكيفية حدوثها، وما حل بالضحايا.
"الأيام" خصصت مشاهد اليوم لتسليط الضوء على تبعات المجزرة، ورصد روايات وشهادات من ناجين وذوي ضحايا، وكذلك أطباء، ونقلت مشهداً يوثق كيف حول الاحتلال مُصلى المدرسة إلى مقتلة كبيرة للمصلين، ومشهداً آخر تحت عنوان: "احتساب كل 70 كغم من الأشلاء شهيداً"، إضافة إلى مشهد يوثق كيف حولت المجازر الإسرائيلية مراكز الإيواء في قطاع غزة، إلى أماكن للرعب والخوف.

اصطياد المصلين
يبدو أن توقيت قصف المُصلى داخل مدرسة التابعين في حي الدرج بمدينة غزة، لم يكن عبثياً، ولم يأتِ من قبيل الصدفة، إذ كان المُصلى على موعد مع حدث ديني، عبارة عن سرد قرآني، حيث روّج نشطاء رسالة نصية أرسلها الشهيد محمد أبو سعدة، مدير أوقاف محافظة غزة، يدعو المواطنين والنازحين من خلالها إلى المشاركة في جلسة "السرد القرآني"، داخل المصلى.
ووفق العديد من المصادر، فإن المُصلى كان مكتظاً بالمواطنين أكثر من أي وقت مضى، من بينهم البروفيسور يوسف الكحلوت، أستاذ اللغة العربية في الجامعة الإسلامية، أحد المشرفين على الفعالية القرآنية.
وبمجرد اكتظاظ المصلى بالمصلين، جرى قصفه بثلاثة صواريخ كبيرة، أدت إلى استشهاد جميع المصلين، إضافة إلى تدمير الطابق العلوي الذي يوجد المصلى أسفله، وهذا تسبب بمجزرة كبيرة وغير مسبوقة.
وتُعد مجزرة مُصلى التابعين ثالث أكبر مجزرة ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة منذ بداية العدوان في السابع من تشرين الأول الماضي، حيث كانت مجزرة المستشفى العربي المعمداني أكبر مجزرة.
وقالت المواطنة أم "محمود"، إحدى النازحات المقيمات في المدرسة، إن الاحتلال تعمّد قتل أكبر عدد ممكن من النازحين، وانتظر حتى تجمعوا في المصلى لأداء صلاة الفجر، ثم المشاركة في الحدث القرآني، وقام بقصف المصلى بعدد من الصواريخ والقنابل الثقيلة، متسبباً بوقوع المجزرة المروّعة.
وبينت "أم محمود" أنها كانت تقيم في مبنى آخر بالمدرسة، لكن قوة الانفجار قذفتها على بعد خمسة أمتار عن الفراش، وأدت إلى تطاير حاجياتهم في الغرفة، وحين نزلت لاستطلاع ما يحدث كانت سحابة من الدخان الكثيف تخيّم على المركز بأكمله.
وأوضحت أن كل غرفة في المدرسة فقدت شهداء، فأغلب الرجال والفتية وحتى الأطفال كانوا في المُصلى لحظة ارتكاب الجريمة، لذلك لم تخلُ عائلة من فقد.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مُصلين خلال تأديتهم صلاة الفجر، إذ سبق واستهدفت طائرات الاحتلال مصلى في مخيم الشاطئ بمدينة غزة، بينما كان مكتظاً بالمصلين الذين كانوا يؤدون صلاة الفجر، ما تسبب بسقوط عشرات الشهداء والجرحى.

تفحّم وحروق عميقة

استخدم جيش الاحتلال صواريخ كبيرة وفتاكة خلال قصف مدرسة التابعين، إذ أكد شهود عيان أن مُصلى المدرسة تعرّض للقصف بثلاث قنابل كبيرة، إحداها جرى تصنيفها على أنها من طراز "MK84"، وهي قنبلة أميركية الصنع، تزن حوالى طن من المتفجرات.
وأدت هذه القنابل الكبيرة إلى تفحم وتفتت جثامين الشهداء، وتحولها إلى أشلاء اختلطت ببعضها، لدرجة جعلت التعرف على هوياتهم أمراً مستحيلاً.
وقال الدكتور فضل نعيم الذي يعمل في المستشفى العربي المعمداني بغزة، إن الجثامين وصلت إلى المستشفى أشلاء، والجرحى كانوا يعانون جروحاً بالغة، موضحاً أن أحد الجرحى كان فتى يبلغ من العمر 16 عاماً، وصل بوضع صحي حرج، مبتور الأطراف، وكان جسده مليئاً بالجروح الغائرة، وبينما وضعه الأطباء على طاولة العمليات لاحظوا أن جمجمة أحد الشهداء مفتتة كانت بين قدميه، والأطباء حاولوا إنقاذ حياته، لكنه استشهد جراء النزيف الحاد، وشح الإمكانات الطبية.
ولجأ أطباء وفرق إنقاذ إلى محاولة تجميع الجثامين، قدر الإمكان، إذ كانوا يضعون كل جثمان في كيس بلاستيكي كبير، لدرجة أن ذوي أحد الشهداء قالوا إن المستشفى سلّمهم كيساً به أشلاء لدفنه.
وأشار جهاز الدفاع المدني إلى أن الاحتلال استخدم صواريخ كبيرة وفتاكة، نتج عن انفجارها درجات حرارة عالية تجاوزت 7000 مئوية، ما تسبب بتفحم جثامين الشهداء.
ولفت الدفاع المدني إلى أن فرق الإنقاذ لاحظت وجود تفحّم وحروق عميقة، أدت في بعض الأحيان إلى صهر الأجساد أو أجزاء منها، مشددة على وجوب التحقيق في نوعية الصواريخ التي جرى استخدامها.
ولليوم الثاني على التوالي واصلت فرق الإنقاذ، أمس، البحث بين الأنقاض عن مفقودين، ورغم العثور على بعض الجثامين، إلا أنه لم يتم انتشال أي جثمان كامل، وجميع ما جرى انتشاله كان عبارة عن أشلاء، أو بقايا جثامين متفحمة.

رعب في مراكز الإيواء
باتت حالة من الرعب والهلع تخيّم على جميع النازحين في مراكز الإيواء بقطاع غزة، جراء تحوّل هذه المراكز إلى هدف مباشر للاحتلال، الذي توسّع في قصفها واستهدافها خلال الأسابيع الماضية، خاصة بعد ارتكاب المجزرة الكبيرة في مصلى مدرسة التابعين.
وكان قطاع غزة خاصة شماله، على موعد مع جرائم مروعة، بقصف مباشر ومقصود لمراكز الإيواء، حتى تلك التي ترفع علم الأمم المتحدة، لم تسلم من القصف.
المواطن إبراهيم المصري، وهو نازح من مدينة غزة، ويقيم في محافظة خان يونس، جنوب القطاع، قال إنه اتصل بأشقائه وعائلاتهم، وطلب منهم إخلاء مراكز الإيواء التي يوجدون فيها فوراً، والبحث عن بديل آخر.
وذكر المصري أنه يتابع كل ما يحدث حالياً وقد وصل إلى نتيجة واحدة، وهي أن المرحلة الحالية تشهد تركيزاً على قصف مراكز الإيواء، بهدف سلب المواطنين أي شكل من أشكال الأمان، ويجعلهم في حالة قلق دائم، فحتى علم الأمم المتحدة لا يوفر لهم الحماية.
وبيّن أن أقرباءه الذين نزحوا من بلدة بيت حانون، شمال القطاع، ويقيمون في مراكز إيواء، غادروها وبعضهم أقاموا في بيوت أقارب، وآخرون يبحثون عن مأوى جديد، موضحاً أنهم أخبروه بأن العديد من النازحين يغادرون مراكز الإيواء، التي يعتقدون أنها باتت هدفاً للاحتلال.
بينما قال نشطاء ومواطنون إنهم يتابعون الأحداث بشكل جيد، "ولاحظوا أن كل يوم سبت يشهد مجزرة جديدة تستهدف على الأغلب مركز إيواء، وكأن قادة الاحتلال أصبحوا لا يستمتعون بإجازاتهم دون سفك دماء الأبرياء".
ووثقت مؤسسات حقوقية قصف طائرات الاحتلال المباشر 10 مدارس تُستخدم مراكز إيواء لآلاف النازحين في مدينة غزة، خلال ثمانية أيام فقط، وتدميرها على رؤوس من فيها، وهذا تسببت باستشهاد نحو 180 مواطناً وإصابة أكثر من 300 آخرين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وفقدان أعداد أخرى تحت الأنقاض، ويتعذر انتشالهم لعدم وجود معدات مناسبة لطواقم الإنقاذ.
من جهته، قال المواطن محمود الهسي، إن مراكز الإيواء كانت هدفاً واضحاً للاحتلال منذ بداية العدوان، لكن منذ مطلع شهر تموز الماضي كان هناك تركيز كبير على تلك المراكز، خاصة في شمال قطاع غزة، وهذا من وجهة نظره له عدة أهداف، من بينها زيادة الضغط على سكان تلك المناطق، بهدف النزوح نحو الجنوب، وإخلاء شمال القطاع، وهدف آخر هو إشعار سكان القطاع بعدم وجود أمان في أي مكان.
ولم تُفلح دعوات الأمم المتحدة، وبيانات الاستنكار الشديدة التي صدرت عن غالبية دول العالم، في منع الاحتلال من تكرار مجازره في مراكز الإيواء.