مشاهد جديدة من العدوان على القطاع
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لليوم الـ335 على التوالي، وتتصاعد حدة المجازر والجرائم الإسرائيلية، بينما مازالت العمليات العسكرية في محافظة رفح متواصلة، وسط محاولات إسرائيلية لتعزيز السيطرة الأمنية على محور صلاح الدين الحدودي "فيلادلفيا".
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان وتبعاته، منها مشهد يوثق التحليق المُستمر للطائرات المُسيّرة فوق أجواء "المناطق الإنسانية"، وما يسببه ذلك من خوف وإزعاج للنازحين القاطنين في الخيام، ومشهد آخر ينقل تزايد التحذيرات لأهالي محافظة رفح، وحثهم على عدم الوصول إلى مناطق الموت في المدينة المُحاصرة، ومشهد ثالث تحت عنوان: "محور فيلادلفيا.. رافعات ومواقع وأبراج مراقبة".
طائرات الاستطلاع.. إزعاج وخوف
باتت طائرات الاستطلاع التي تُحلّق فوق المناطق التي زعم جيش الاحتلال أنها إنسانية لا يتوقف، خاصة خلال ساعات الليل، ما يتسبب بحالة خوف كبيرة، لاسيما أن كل تحليق يتبعه قصف خيمة، أو منطقة ما في مخيمات النزوح في تلك المناطق.
واللافت أن جيش الاحتلال يستخدم طائرات تصدر ضجيجاً مرتفعاً خلال تحليقها في الأجواء، ما يحدث حالة إزعاج كبيرة، تتسبب بإرهاق المواطنين، وحرمانهم من النوم والراحة، خاصة أنها تحلّق خلال ساعات الليل، وهي الأوقات المخصصة للنوم والراحة.
وقال المواطن أمجد سرحان، وهو نازح من رفح، ويقيم في خيمة بمواصي خان يونس، إنه بات يكره قدوم الليل من شدة الإزعاج الذي تسببه طائرات الاستطلاع خلال تحليقها في الأجواء، موضحاً أن هناك نوعاً من الطائرات بات المواطنون يطلقون عليها مصطلح "ضجيج"، وهي بالتأكيد جرى تعديلها ميكانيكياً، حتى تُصدر كل هذا الكم من الضجيج، الذي يستحيل أن يتمكن أي شخص من النوم بسببه.
وأشار إلى أن تحليق الطائرات المُسيّرة فوق المناطق الإنسانية في مواصي خان يونس، عادة ما يترافق مع تحليق مكثف للطائرات المسيّرة من نوع "كواد كابتر"، ويكون تحليقها على ارتفاع منخفض، بحيث توشك على الاصطدام في الخيام في بعض الأحيان.
من جهته، قال المواطن يوسف الشاعر، إنه يلاحظ تركيز تحليق طائرات الاستطلاع فوق المناطق الإنسانية منذ أكثر من أسبوعين، وأن هناك قصفاً شبه يومي لخيام النازحين في تلك المناطق، وهناك مخاوف من توسيع العدوان باتجاه أحياء غرب خان يونس المكتظة بالنازحين.
وبيّن أن جيش الاحتلال بات يستخدم طائرات الاستطلاع لتحقيق أكثر من هدف، مثل المراقبة، والقتل، والإزعاج، وغيرها، وأن المواطنين باتوا يكرهون قدومها، ويربطون بينها وبين حدوث الكوارث في المخيمات.
ولفت الشاعر إلى أنه يلاحظ تحليق أنواع أخرى من الطائرات الصامتة في الأجواء، يستدل على وجودها من خلال نور أحمر صغير يظهر في السماء خلال الليل، مشيراً إلى أن جميع الطائرات المُسيّرة لا تبشر بالخير، ووجودها في الأجواء له دلالات سيئة، وينبئ بشر قادم.
تحذيرات من الوصول إلى رفح
تصاعدت الدعوات والمناشدات من قبل جهاز الدفاع المدني، ونشطاء، لعموم المواطنين من سكان محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، من أجل تجنب الوصول إلى أحياء المحافظة التي تخضع للاحتلال الكامل، ويتعرض معظم من يحاول العودة إليها للقصف من الطائرات، أو إطلاق النار من القناصة.
وحدد النشطاء الأماكن الأكثر خطورة في رفح، والتي شهدت على مدار الأشهر الماضية، سقوط عشرات الشهداء، جرى استهدافهم بمجرد دخول تلك المناطق وهي: ثلاجة زغلول، وشمال رفح، ومفترق بدر، وشارع الفضيلة القريب من بئر كندا بحي تل السلطان، و"البركسات" و"الشاكوش"، وكلاهما تقعان شمال غربي رفح، ودوار العلم على الشريط الساحلي، وشارع جورج في حي التنور شرق رفح.
والمناطق المذكورة قريبة من مواقع تواجد قوات الاحتلال، أو مناطق تعتبر بمثابة مداخل لمحافظة رفح، وتخضع هذه المناطق لعملية إطباق جوي كامل، إذ تُحلّق فوقها الطائرات على مدار الساعة، وتستهدف المواطنين بمجرد محاولتهم الوصول إليها.
وأصدر جهاز الدفاع المدني أكثر من تحذير سابق، طالب المواطنين من خلاله بتجنب دخول محافظة رفح، لما يشكله ذلك من خطر كبير على المواطنين، حين يتم استهداف أغلب مَن يحاولون الدخول إلى رفح، من خلال قصفهم عبر طائرات مُسيّرة.
وذكر المواطن محمود شلوف، الذي يقيم في منطقة المواصي بين محافظتي رفح وخان يونس، إنه يشاهد يومياً مواطنين يحاولون دخول رفح والعودة إلى بيوتهم، ويحاول ثنيهم، وإقناعهم بالعدول عن توجهاتهم والعودة، والبعض يتراجعون، وآخرون يصرون على إكمال طريقهم، وللأسف أغلب من يحاولون العودة يتم استهدافهم وقتلهم.
واستهجن شلوف إصرار المواطنين على دخول رفح، رغم معرفتهم المسبقة بالمخاطر الكبيرة من وراء ذلك، وهناك من يدخلون المحافظة للبحث عن أقربائهم المفقودين، والأمور باتت شديدة الخطورة.
وأكد مواطنون نجوا بعد دخول رفح والخروج منها، أن الوضع هناك كارثي، وعشرات الجثامين متناثرة في الشوارع، والطائرات تُحلّق فوق كل شارع وحي، وتُطلق النار والصواريخ باتجاه كل شخص يحاول الوصول إلى رفح.
ومنتصف الأسبوع الجاري، حاولت أربع سيدات من عائلة العرجا، الوصول إلى منازلهن في "شارع جورج"، بحي التنور، وهن يرفعن رايات بيضاء، بهدف جلب ملابس وأغطية لأبنائهن، إلا أن الاحتلال قام باستهدافهن، وقتلهن بصواريخ من طائرات مُسيّرة، وبقيت جثامينهن في الشارع لأكثر من 20 ساعة، إلى أن تمكنت مركبات إنقاذ من الوصول إلى المنطقة، وإخلاء الجثامين.
محور فيلادلفيا.. رافعات وأبراج مراقبة
يواصل الاحتلال أعمال الإنشاء والبناء على طول محور صلاح الدين الحدودي "فيلادلفيا"، إذ أقام مؤخراً مواقع عسكرية، ووضع أبراجاً ونقاط مراقبة، ويواصل إقامة طريق معبّد جديد، مع استمرار نصب رافعات تكشف مناطق واسعة في قلب محافظة رفح.
وأظهرت صور جديدة نشرها جيش الاحتلال على طول المحور وجود تغييرات كبيرة، خاصة على تلة زعرب، وهي تلة مرتفعة تشرف على أغلب مناطق غرب رفح، وكذلك محيط معبر رفح، ومناطق قبالة مخيم رفح، وتحديداً مخيم يبنا.
وقال المواطن محمود عبيد، إنه يقيم على بعد أقل من 150 متراً عن المحور المذكور، وكان منزله قبل قصفه مكوناً من 4 طوابق، ويكشف المنطقة بالكامل، وهو يعرف كل تفاصيلها، لكنه ومن خلال متابعة صور الأقمار الصناعية وتحديثاتها بشكل مستمر، وكذلك متابعة ما ينشره جنود الاحتلال من صور من داخل المحور، يلاحظ أن هناك تغيرات يومية في تلك المناطق، وأن جيش الاحتلال يعد لبقاء طويل في هذه المنطقة، ويبدو أنه لن ينسحب من هناك.
وأشار عبيد إلى أن أخطر ما رصده من خلال الصور استمرار الاحتلال في خلق واقع ديموغرافي جديد على طول المحور المذكور، يتمثل في تدمير كامل لجميع المنازل والمباني التي تمتد حتى 1 كيلو متر شمال المحور، ومسح المنطقة وتحويلها إلى جرداء قاحلة، لا حجر فيها ولا شجر.
بينما قال المواطن عبد الله الزاملي، إنه تمكن من العودة إلى بيته الواقع عند الأطراف الشمالية لمخيم الشابورة شمال محافظة رفح، وشاهد من بعيد رافعات جرى نصبها على المحور، وسمع أصوات جرافات وشاهد غباراً يصدر من المنطقة، ما يُشير إلى أن هناك أعمال إنشاء واسعة تحدث هناك، والأعمال المذكورة تحدث تحت حماية من الطائرات والدبابات، ولا يستطيع أي شخص الاقتراب من المنطقة، التي حولها الاحتلال إلى منطقة عسكرية مغلقة.
وبدأت العمليات البرية في محافظة رفح، في السادس من شهر أيار الماضي باحتلال معبر رفح، ثم تواصلت حتى جرى احتلال كامل محور "فيلادلفيا"، وجميع أحياء المحافظة.