مشاهد جديدة من العدوان في يومه الـ397
ما زال العدوان الإسرائيلي متواصلاً على قطاع غزة لليوم الـ397 على التوالي، مترافقاً مع تشديد الحصار، وتصاعد الغارات الجوية، واستمرار المجازر وقصف المنازل على رؤوس ساكنيها، خاصة في مناطق شمال القطاع.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة ومتنوعة من قلب الحرب والقصف والدمار، منها مشهد تحت عنوان: "شهر من العدوان المُتواصل على شمال قطاع غزة"، ومشهد آخر بعنوان: "أحياء تحت الأنقاض"، ومشهد ثالث يرصد تعمّق حالة الجوع في مخيمات النزوح.
شهر من العدوان على شمال القطاع
دخل العدوان الإسرائيلي المستمر والواسع على مناطق شمال قطاع غزة شهره الثاني، مع تصاعد المجازر، وعمليات التهجير، واتساع عمليات التدمير في مخيم جباليا ومناطق واسعة في بيت لاهيا.
وبعد شهر كامل على بدء العملية العسكرية التي تُعد الأوسع التي يشهدها شمال قطاع غزة، ما زال الاحتلال مصراً على تنفيذ خطة التهجير التي تسمى "خطة الجنرالات"، التي تهدف إلى إفراغ شمال القطاع من سكانه بالكامل، وتدميره، خاصة مخيم جباليا، الذي يُعد من أكثر مناطق القطاع اكتظاظاً، وأكثرها تلاصقاً للمنازل.
بينما تتواصل الهجمات على المستشفيات، التي أدت إلى إخراجها عن الخدمة، إلى جانب إخراج جهاز الدفاع المدني وفرق الإنقاذ عن الخدمة أيضاً.
وما زال عدد كبير من جثامين الشهداء في شوارع شمال قطاع غزة، وتحت ركام المنازل المُدمرة، لا يستطيع أحد انتشالها، كما أنه وبعد شهر من العدوان، فقد شمال غزة جميع قطاعاته الحيوية، وتوقفت خدمات المياه، والصرف الصحي، وجرى تدمير مرافق البنية التحتية.
ورغم كل الضغوط والمجازر، ما زال نحو 100 ألف مواطن صامدين في مناطق شمال القطاع، يرفضون النزوح عن بيوتهم، أغلبهم يتواجدون في منطقتي بيت لاهيا، وبيت حانون.
وقال المواطن وليد مسعود، إن جزءاً كبيراً من أقربائه نزحوا باتجاه مدينة غزة، بعد أن صمدوا لنحو 25 يوماً، لكنهم في النهاية أيقنوا أن الوضع أصبح خطيراً، وأن الاحتلال مصمم على تفريغ شمال القطاع من السكان، لذلك لم يجدوا بداً سوى النزوح باتجاه مدينة غزة.
وأكد مسعود أن هناك الكثير من المواطنين ما زالوا صامدين شمال قطاع غزة، يراهنون على إفشال خطة الاحتلال، لأنهم يُدركون أن نزوحهم باتجاه الجنوب يعني عدم عودتهم إلى بيوتهم وأحيائهم مرة أخرى.
وأشار مسعود إلى أن المعطيات تؤكد أن "الاحتلال ينفذ خططه بمباركة أميركا ودول الغرب، وكأنها خطة مُشتركة للتهجير، جرى التوافق عليها بين إسرائيل والدول التي تدعمها".
وبيّن أن أهالي قطاع غزة "وفي ظل حالة التخاذل، والتآمر، لا يمتلكون خيارا سوى الصمود في الميدان، فهو الطريقة الوحيدة لمواجهة مخططات التهجير التي ستتعدى شمال القطاع، لتشمل جميع المناطق".
من جهته، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أنه وبعد أكثر من شهر على استمرار جريمة "التطهير العرقي"، و"الإبادة الجماعية"، التي يشنها جيش الاحتلال على مناطق شمال القطاع، استشهد خلالها أكثر من 1800 مواطن، ونحو 4000 جريح، كما جرى تدمير المستشفيات، والبنية التحتية، واستهداف قطاعات خدماتية مهمة.
أحياء تحت الأنقاض
يواصل الاحتلال منع فرق الدفاع المدني من العمل في مناطق شمال قطاع غزة لليوم الخامس عشر على التوالي، بعد قصف مركبة الإنقاذ الوحيدة، واستهداف عناصر الإنقاذ، وتهجير بعضهم عن شمال القطاع، ومنع وصول أي فرق جديدة لمناطق العدوان المستمر.
وتسبب هذه التغييب في حرمان مئات المواطنين من فرص النجاة، إذ بقي بعضهم حياً تحت الأنقاض لساعات وربما أيام، ولم يتمكن أحد من الوصول إليهم لانتشالهم، فارتقوا شهداء.
ووفق شهادات حية نقلها مواطنون من شمال القطاع، فإنه عند استهداف منزل مأهول، يحدث واحد من أمرين، إما ألا يصل إلى المكان أحد، لوقوعه في منطقة عمليات، أو تحت مرمى نيران قناصة، وهناك يُترك الجرحى والعالقون تحت الأنقاض بلا انتشال حتى يموتون، والأمر الثاني أن يصل متطوعون من الجيران والأقارب، ويتولون مهمة الإنقاذ وانتشال الجثامين، في حال كان الموقع يمكن الوصول إليه، وفي كلتا الحالتين لا تصل بالمطلق فرق متخصصة بالإنقاذ.
وذكر جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة أن مناشدات يومية تصل إلى طواقم الإنقاذ، تؤكد وجود مواطنين أحياء تحت أنقاض بعض المنازل والمباني السكنية التي دمرها جيش الاحتلال عليهم خلال الأيام الماضية، خاصة في منطقة مشروع بيت لاهيا شمال القطاع.
وجدد الدفاع المدني مناشداته لكافة المؤسسات والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، من أجل التدخل العاجل، للسماح بوصول طواقم الإسعاف والإنقاذ إليهم، والعمل من أجل إنقاذ حياتهم.
وحذر من أن "استمرار هذا الصمت الدولي المقيت تجاه العدوان والغطرسة الإسرائيلية، سيفضي حتماً إلى إعدام هؤلاء المواطنين العزل تحت أنقاض منازلهم المدمرة، وهو انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني".
وأشار إلى أن المواطنين في مناطق شمال قطاع غزة يتعرضون للموت والإبادة الإسرائيلية بصمت؛ في الوقت الذي عطّل فيه الاحتلال عمل طواقم الإنقاذ كلياً هناك، وصادر مركباتهم، ومعداتهم، وتهجيرهم، واعتقل بعضهم.
الجوع يتعمق في مخيمات النزوح
تعمقت حالة الجوع بشكل أكبر داخل مخيمات النزوح، وبات النازحون فيما يسمى "المناطق الإنسانية"، على أبواب مجاعة كبيرة وغير مسبوقة.
فتلك المناطق تشهد توقفاً شبه كلي في توزيع المعونات الغذائية، بينما توقف مزيد من "تكايا الطعام" عن العمل، بالتزامن مع اختفاء المزيد من أصناف المواد الغذائية من الأسواق.
وقال المواطن خالد ياسين، وهو نازح في مناطق مواصي خان يونس، جنوب القطاع، ويُعيل أسرة كبيرة، إن أبناءه يتضورون جوعاً في خيمتهم، فالأمور تفاقمت بشكل كبير خلال الفترة الماضية، ولا يجدون ما يسدون به جوعهم.
وبيّن ياسين أنه كان يعتمد على المساعدات الشحيحة التي تصل، و"تكية طعام" كانت تعمل يومياً في المخيم الذي يُقيم فيه، لكن منذ نحو أسبوعين توقفت "التكية" عن العمل كلياً، وتوقفت المساعدات الشحيحة التي كانت تصل من خلال بعض المؤسسات.
وأشار ياسين إلى أنه استطاع بالكاد توفير مبلغ 100 شيكل من أحد الأصدقاء، وتوجه إلى السوق لشراء بعض الطعام لأبنائه، لكنه فوجئ بشح شديد في السلع، وارتفاع غير مسبوق على الأسعار.
ولفت إلى أن "أوقية الزعتر"، التي كانت تباع مقابل 7 شواكل، تُعرض، اليوم، مقابل 15 شيكلاً، وثمن كيلو الأرز القصير السيئ وصل إلى 10 شواكل، وكيلو الطحين يباع مقابل 10 شواكل، والأمور سيئة والأسعار مرتفعة جداً.
ونوّه إلى أن جميع النازحين في المخيم يشتكون من ارتفاع الأسعار وشح المساعدات، والجوع يتعمق يومياً في المخيمات، والناس يفتقدون أدنى متطلباتهم.
في حين قال المواطن أيمن شوقي الذي يقطن في مواصي خان يونس، إن كل المُعطيات تؤكد أن الاحتلال بدأ بفرض التجويع على أكثر من مليوني مواطن ونازح يقيمون في مناطق وسط وجنوب القطاع.
وأوضح أن سيناريو شمال قطاع غزة انتقل للجنوب، وربما بشكل أعمق، وهو يبحث منذ أسبوع عن طحين ولا يجد، وربطة الخبز الصغيرة تباع مقابل 15 شيكلاً، وكل شيء في السوق مفقود تقريباً.
وأكد أن المواطنين يئنون من الفقر والجوع، وقلة الطعام، ويومياً يتوجه عشرات الآلاف إلى "تكايا الطعام" المحدودة التي ما زالت تعمل في مواصي خان يونس، وهي مُرشحة للتوقف في غضون الأيام المقبلة.
وكانت سلطات الاحتلال قيدت وبشكل غير مسبوق دخول السلع والبضائع من خلال معبر كرم أبو سالم، منذ بداية شهر تشرين الأول الماضي، ومنعت دخول المواد الغذائية الأساسية، وقيدت دخول المساعدات.