مشاهد جديدة من العدوان في يومه الـ 424
لا يزال قطاع غزة المُحاصَر يرزح تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المُتصاعد لليوم الـ 424 على التوالي، بينما تتواصل المعاناة، وينتشر الجوع، ويعاني النازحون، خاصة الأطفال ويلات الحصار.
"الأيام" تواصل نقل مشاهد جديدة من قلب العدوان، منها مشهد يُسلط الضوء على العدوان المتواصل على مناطق شمال القطاع للشهر الثالث على التوالي، ومشهد آخر بعنوان "7 أشهر على احتلال رفح"، ومشهد ثالث يرصد تفشي حالة الجوع في مخيمات النزوح.
العدوان على شمال القطاع يدخل شهره الثالث
مضت 61 يوماً من العدوان والحصار الإسرائيلي الشامل على شمال قطاع غزة، وسط تصاعد المجازر والجرائم، وتكثيف الضغط على المواطنين، بهدف إجبارهم على النزوح جنوباً.
كما يُواصل الاحتلال فصل شمال القطاع عن مدينة غزة، عبر إنشاء خط فاصل جديد، أطلق عليه جيش الاحتلال اسم "ميفلاسيم"، بحيث لا يمكن لأي شخص التوجه من مدينة غزة باتجاه محافظة الشمال، والحركة المسموح بها من الشمال للجنوب، شريطة أن يمر الجميع على نقاط تفتيش تابعة لجيش الاحتلال، وقد يتعرضون للإعدام، أو الاعتقال هناك.
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أنه وبعد أكثر من شهرين على العدوان المُتواصل على القطاع، وما يتخلله من جرائم "التطهير العرقي" التي يشنها جيش الاحتلال، تجاوز عدد الشهداء والمفقودين 3700 شخص، إضافة لأكثر من 10 آلاف جريح، وما يزيد على 750 معتقلا، وتدمير القطاعات الحيوية في شمال القطاع.
وقال المكتب الإعلامي إن جيش الاحتلال منع عمل طواقم الدفاع المدني في المحافظة، إضافة إلى تدميره للقطاعات الحيوية، وعلى رأسها تدمير القطاع الصحي والمستشفيات، وتدمير شبكات المياه وشبكات الصرف الصحي، والبنية التحية، وشبكات الطرق والشوارع، ما عمل على تفاقم الأزمة الإنسانية في محافظة شمال قطاع غزة، وجرى إعلانها محافظة، منكوبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
وتطابقت شهادات شهود العيان، حصل عليها المكتب الإعلامي، تفيد بوجود من 500-650 من جثامين الشهداء ملقاة في الشوارع والطرقات، على مدار شهرين متواصلين، وذلك بسبب منع جيش الاحتلال الطواقم الطبية وفرق الإغاثة والطوارئ والدفاع المدني من الوصول لها، الأمر الذي أدى الى تحلل الجثامين بالكامل، وتحولت إلى رفات وعظام، وأن هذه الجثامين غير معروفة الأسماء.
وقال المكتب الإعلامي، إن جيش الاحتلال يتعمّد مواصلة العُدوان بشكل "همجي ووحشي"، وبشكل مخطط له على المدنيين، وعلى الأحياء السَّكنية المدنية الآمنة، وعلى مراكز النُّزوح والإيواء، والانتقام منهم، وتشريد عشرات الآلاف منهم، وإجبارهم على التهجير القسري من أحيائهم السكنية ومن منازلهم، وهذه الجريمة تُعد جريمة ضد الإنسانية كما يصنفها القانون الدولي.
7 أشهر على احتلال رفح
مضى أكثر من 210 أيام على بدء أكبر عدوان تشهده محافظة رفح في تاريخها الحديث، ولا زال جيش الاحتلال يجثم على كافة أحياء المحافظة، ويدمر كل شبر فيها، مستعيناً بعشرات الجرافات العسكرية، وبشركات مدنية متخصصة في الهدم والتدمير.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن التدمير في رفح ينتقل من حي إلى حي، وطال حتى الآن أكثر من 70% من مساحة رفح، مع تركيزه على أحياء جنوب ووسط وشرق المدينة.
وفي محاولة لمنع توثيق ما يحدث في مدينة رفح، حجب الاحتلال خدمة التصوير الجوي، عبر الأقمار الاصطناعية، عن كامل المدينة، لكن رغم ذلك تخرج بعض الصور ومقاطع الفيديو من أحياء رفح، إما من خلال شبان يصلون إلى بعض المناطق، أو من خلال جنود الاحتلال أنفسهم، الذين يصورون من داخل المحافظة، وينشرون على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكد الشاب محمود الخطيب، أن مدينة رفح تتعرض للتدمير الشامل، وثمة آلاف البيوت مُسحت ودمرت، والاحتلال ماض في تدمير ما تبقى في رفح من أحياء.
وأوضح الخطيب أن ما شاهده من صور كانت صادمة وصعبة، فبعض الشوارع واجه صعوبة في التعرف عليها، رغم أنه وُلد وعاش في رفح أكثر من عقدين ونصف، ويعرف كل أحيائها وشوارعها.
ولفت إلى أن البقاء في مواصي خان يونس أمر متعب، فهي مناطق مكتظة، وسيئة الخدمات، وفيها عاش النازحون أسوأ أيام حياتهم، لذلك الجميع يتمنى العودة لرفح في أسرع وقت ممكن.
بينما قال المواطن عبد الله النحال، إن الاحتلال ارتكب ولا يزال مجازر كبيرة ومروعة في رفح، سواء في بداية اجتياحه لأحيائها، التي لم ينذرها، وهاجمها بشكل مباغت، كما حدث في حي تل السلطان، أو عبر استهداف كل من حاول دخول المدينة.
وأشار النحال إلى أن سكان رفح النازحين عنها منذ نحو 7 أشهر اشتاقوا لمدينتهم، ويتوقون للعودة لها، حتى لو كانت بيوتهم مدمرة، سيعيشون في خيام فوق أنقاضها، لكن المشكلة أنه لا يوجد سقف لإنهاء الاحتلال عملياته المتواصلة في رفح، وكأن جيشه يسعى للبقاء فيها فترات طويلة.
وأكد أن ثمة مخاوف كبيرة من بقاء الاحتلال في بعض المناطق برفح، خاصة محور صلاح الدين الحدودي، ومعبر رفح، ما يعني حرمان نصف سكان المدينة من العودة لبيوتهم.
أطفال يبكون جوعاً في مخيمات النزوح
وصلت المجاعة في القطاع إلى حد غير مسبوق، مع استمرار شح المواد الغذائية، وفقد الطحين من الأسواق، وإذا ما توفر تكون أسعاره عالية جداً.
ووصلت المجاعة إلى حد أن أطفال باتوا يبكون من شدة الجوع داخل خيامهم، ويتوسلون لآبائهم وأمهاتهم، لجلب الخبز لهم.
وتقول المواطنة أم عمر، إنها استيقظت في الصباح على بكاء أطفالها، وهم يبحثون عن الخبز لتناول الطعام، فقد ناموا ليلتهم دون طعام، واستفاقوا في الصباح يطلبون الأكل.
وأوضحت أنها توجهت للتكية التي تحصل منها على الأكل، فوجدتها مغلقة، ولا تستطيع شراء السلع بأسعارها العالية في الوقت الحالي، فثمن كلغم الطحين حالياً تجاوز 35 شيكلا.
وأكدت أنها توجهت إلى جارتها وهي في قمة الاحراج، تسألها إن كان لديها بعض الطحين، فسارعت الأخيرة بتقسيم كمية صغيرة حصلت عليها وأعطتها نصفها.
وأشارت إلى أنها سارعت بالبدء بعجن الطحين، وتجهيز الخبز، وطوال العمل وأطفالها يحيطون بها يطالبونها بالإسراع، وفور الانتهاء من إعداد الخبز، اندفع أبناؤها للأكل، وهي تنظر إليهم وتبكي بحرقة، وتبتهل إلى الله كي يُزيل الغمة.
في حين يقول المواطن عبد الله منصور، إن ما يحدث في مخيمات النزوح كارثي، فالمجاعة تستشري، وأسعار المواد الغذائية عالية، وتكيات الطعام توقفت عن العمل، والمؤسسات الإغاثية لا تؤدي دورها، والنتيجة معاناة للصغار، وظلم وقهر للكبار.
وأكد منصور أن أقل كمية طحين لإعداد خبز يكفي عائلة متوسطة العدد ليوم واحد، يحتاج إلى مبلغ يصل إلى 100 شيكل، متسائلاً هل الآباء يمتلكون مالاً يمكنهم من شراء طحين بشكل يومي بمبالغ عالية؟.
وأشار إلى أن المواطنين يبحثون في كل مكان عن الطعام، من أجل إطعام أطفالهم، والأمور تتجه للأصعب.
ولفت منصور إلى أنه من المحزن بل الصادم، أن تُمارس عصابات اللصوص عمليات تجويع تستهدف 2 مليون شخص، بتواطؤ كامل مع الاحتلال، وهذا أدى إلى منع وصول الطحين للجوعى بعد سرقته، مطالباً بسرعة إيجاد حل لتلك المشكلة، وتسهيل وصول الطحين لمستحقيه.