مشاهد جديدة من العدوان في يومه الـ426
ما زال قطاع غزة المُحاصر يرزح تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المتصاعد لليوم الـ426 على التوالي، بينما تتواصل المجازر، وتتعمق المعاناة، ويزيد الضغط على سكان شمال القطاع، بهدف تفريغه من السكان.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة من قلب العدوان، منها مشهد يُوثق ارتكاب الاحتلال مجزرة بحق مواطنين حاولوا العودة إلى بيوتهم في رفح، ومشهد آخر يرصد محاولات الاحتلال المستمرة لتفريغ بلدة بيت لاهيا من سكانها، ومشهد ثالث تحت عنوان: "الهجمات على مخيمات النزوح تُبدد الشعور بالأمن".
مجزرة في محيط مستشفى النجار
حوّل جيش الاحتلال محيط مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار شرق محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، إلى مقتلة كبيرة، بعد تعمده تنفيذ مجزرة هناك، راح ضحيتها عدد كبير من الشهداء، قدرته بعض المصادر بأكثر من 25 شهيداً.
وبدأت فصول المجزرة بعد أن تراجعت آليات الاحتلال من محيط المستشفى، عقب تنفيذ عمليات تدمير واسعة هناك، وتمكن مواطنون من الوصول إلى منازلهم القريبة من المستشفى، وقد تركهم الاحتلال يتنقلون ليوم كامل دون اعتراضهم.
وفي اليوم التالي تشجّع المزيد من المواطنين على التوجه إلى رفح، خاصة حي الجنينة، وتحديداً في محيط مستشفى النجار، وما إن بدأ الحي يعج بالحركة، حتى سيّر جيش الاحتلال سرباً من الطائرات المُسيّرة، سواء المحملة بالصواريخ، أو تلك التي جرى تثبيت رشاشات عليها، أو تحميلها بقنابل، وبدأت باستهدافات متزامنة على طول شارع المستشفى، وتحديداً بين "صالة حمدان"، و"صيدلية المنصوري"، إذ أطلقت الطائرات الصواريخ، والنار، وكذلك أسقطت القنابل صوب كل مَن تواجد في الشارع المذكور.
ووفق المصادر المُتطابقة، فإن الاحتلال واصل عدوانه، إذ استهدفت الطائرات كل من حاول الوصول إلى المنطقة لانتشال الشهداء، ما تسبب بتزايد عدد الشهداء، الذين بقوا لساعات طويلة في الشارع، وجرى انتشال بعضهم بوساطة فرق الإسعاف، فيما بقي آخرون لم يتم انتشالهم حتى الآن.
وأكد المواطن أحمد النجار، أنه نجا من المجزرة المذكورة، بعد أن اختبأ لساعات داخل محل تجاري كان مفتوحاً، حيث توارى خلف طاولة صغيرة، حجبته عن منظور الطائرات، التي كانت تستهدف كل ما هو متحرك، موضحاً أن ما حدث كان مجزرة مقصودة ومُخططاً لها، بدأت بتسهيل وصول المواطنين للمنطقة، وعدم استهدافهم، لاستدراج آخرين، حتى تكون المجزرة كبيرة.
وأشار إلى أنه شاهد عدداً كبيراً من الجثامين في الشارع، وبعض الجرحى ظلوا ينزفون حتى فارقوا الحياة، وهناك مفقودون لا يُعرف مصيرهم، ولا يستبعد أن تكون قوات إسرائيلية راجلة وصلت إلى المنطقة، واختطفت بعض الجرحى، واعتقلت مواطنين مُحاصرين.
واستطاعت فرق الإنقاذ، بعد مخاطرة كبيرة، الوصول إلى بعض المناطق في محيط المستشفى، وانتشلت جثامين 11 شهيداً، بينما هناك محاولات للوصول إلى المزيد من الجثامين، التي أُبلغ عن وجودها في المنطقة.
تفريغ بيت لاهيا
صعّد الاحتلال من هجومه ومجازره على شمال قطاع غزة عموماً، وبلدة بيت لاهيا على وجه الخصوص، وبدأ يعمل على إجبار من تبقى من مواطنين في البلدة على النزوح قسراً باتجاه الجنوب.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن الاحتلال اتبع سياسة الضغط والإزاحة في خطته لتفريغ البلدة، إذ بدأ في بداية الأمر بقصف مكثف وعنيف، استهدف منازل ومربعات سكنية، مع تواصل إشعال النيران في بعض المنازل، وهذا دفع المواطنين للتوجه إلى مراكز الإيواء في البلدة، بعدها جرت محاصرة المراكز من الدبابات، وآليات عسكرية، ثم جرى اقتحامها، وفصل الرجال عن النساء، والتدقيق في الهويات، واعتقال العشرات من الرجال، ثم أجبر الاحتلال الباقين على التوجه جنوباً، وحدد لهم طريقاً للسير، على طول شارع صلاح الدين، وصولاً إلى مدينة غزة، وهم محاطون بالدبابات، والآليات العسكرية، وجرى إطلاق نار باتجاههم ما تسبب بسقوط عدد كبير من الجرحى.
وأكد مواطنون وصلوا مؤخراً إلى مدينة غزة، أن الاحتلال يقتحم منازل ما زال سكانها فيها، ويُخرج الجميع إلى الشوارع، ويقوم بإعدام البعض، واعتقال آخرين، ويُجبر الباقين على النزوح.
كما أكدت بعض المصادر أن الاحتلال يقوم بإحراق المنازل وهدمها، وتجريف مربعات سكنية، وهذا كله لا يترك للمواطنين مجالاً للبقاء.
في حين تُواصل طائرات مُسيّرة "كواد كابتر"، استهداف مقومات الحياة في مناطق شمال القطاع، خاصة بلدة بيت لاهيا ومخيم جباليا، إذ يجري إطلاق النار على خزانات المياه الموجودة على أسطح البيوت، ما يتسبب بثقبها، كما يجري تدمير مرافق بنية تحتية قد تُمكن المواطنين من الصمود.
ووفق المصادر المحلية فإن آلاف المواطنين وأمام الضغط والمجازر، اضطروا للنزوح من شمال قطاع غزة في الأيام القليلة الماضية، ووصلوا إلى مدينة غزة، وأن بعضهم يعانون بشكل كبير، في ظل وجود مجاعة في مدينة غزة، وعدم امتلاكهم أغطية أو ملابس.
وأشار المواطن ياسر عبيد، إلى أن أقاربه نزحوا من منطقة بيت لاهيا، التي لجؤوا إليها قبل عدة أسابيع فراراً من مخيم جباليا، وأخبروه بأن الاحتلال اقتحم مركز الإيواء الذي كانوا يقيمون فيه، واعتقل العشرات، بينهم شابان من أقاربه، وأجبر الباقين على النزوح، وطوال الطريق تُحلق فوقهم طائرات مسيّرة، وتطلق النار حولهم، بينما توجد الدبابات والقناصة في كل مكان، لضمان عدم عودة النازحين إلى البلدة، واستمرار سيرهم باتجاه الجنوب.
ويعمل الاحتلال منذ بداية تشرين الأول الماضي، على تفريغ شمال قطاع غزة من سكانه، ومن أجل ذلك ارتكب مجازر، واستخدم سلاح التجويع، ودمّر آلاف المنازل، ودمّر مرافق البنية التحتية، بما في ذلك مصادر المياه.
هجمات على مخيمات النزوح
لا يخلو يوم أو ليلة من هجمات إسرائيلية جديدة على مخيمات النزوح في مناطق وسط وجنوب قطاع غزة، خاصة ما تسمى "المناطق الآمنة".
فمنذ أوائل تشرين الثاني الماضي، باتت الهجمات على هذه المناطق تتكرر بصورة مستمرة، إلى حد وصل لتنفيذ بين 3 و5 هجمات خلال يوم واحد، معظمها تستهدف خياماً مأهولة، ما يؤدي إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى.
وتسببت هذه الهجمات، التي استهدفت غالبية المخيمات، في فقد الشعور بالأمان، بحيث يشعر النازحون بأنهم في دائرة الاستهداف، حتى وهم في قلب المناطق التي طلب الاحتلال منهم التوجه إليها، وادعى أنها "إنسانية آمنة".
وبيّن المواطن النازح إبراهيم عودة، أنه يقيم وعائلته في مخيم للنازحين غرب محافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة، ويومياً تتعرض المنطقة المحيطة به لغارات من المروحيات والمُسيّرات، ويقع شهداء وجرحى، وإحدى الغارات تسببت بوقوع أضرار في خيمته.
وأوضح عودة أنه بات يفقد الشعور بالأمان، ويخشى أن تكون الغارة القادمة لخيمته أو خيمة مجاورة، والوضع يزيد خطورة مع مرور الوقت.
ولفت إلى أن الاحتلال يريد أن يُوصل رسالة للنازحين والمواطنين في القطاع، أنهم ليسوا بأمان حتى وإن كانوا في قلب المناطق التي ادعى سابقاً بأنها آمنة، وأن الهجمات ستطالهم أينما كانوا.
بينما قال المواطن حسن مصطفى، إنه يقيم في مناطق شرق خان يونس، ونزح منذ عدة أشهر إلى منطقة المواصي بحثاً عن الأمان، لكنه اكتشف مؤخراً أن المواصي ربما تكون أكثر خطراً، فهي تتعرض للغارات بشكل مسُتمر، ويومياً يسقط شهداء وجرحى فيها، وأحياناً تحدث مجازر مروعة، كتلك التي وقعت أول من أمس، وأسفر عنها سقوط أكثر من 20 شهيداً، تفحمت جثث بعضهم.
وذكر مصطفى أن الخطر الأكبر بأن المواطنين يعيشون في خيام، وربما غارة تُشن على بعد 100 متر من الخيمة، تتسبب بسقوط ضحايا فيها، فلا يوجد جدران أو أي موانع تعمل على صد الشظايا، فقماش الخيام لا يحمي، بل يصبح خطراً مضاعفاً، نظراً لسهولة اشتعال النيران فيه بفعل القصف، وقد سقط شهداء وجرحى حرقاً داخل الخيام، التي اشتعلت بسبب القصف.
وأكد أنه قرر العودة إلى بيته الواقع على خط النار، فالإقامة هناك ربما تكون أقل خطراً من الوجود في مخيمات النزوح، التي باتت هدفاً لغارات الاحتلال اليومية.