:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/74228

العائدون إلى الشمال لا يجدون سوى الركام

2025-01-29

بعد رحلة مضنية اجتازوا خلالها عدة كيلومترات سيرا على الأقدام، وصل النازحون الذين شردتهم الحرب إلى شمال قطاع غزة يغمرهم شعور بالفرح المجبول بالفزع أمام حجم الدمار الذي لحق بأحيائهم.
وبين الطوابير الطويلة للفلسطينيين العائدين، جثا رجل على الأرض وجمع في كفه حفنة من التراب وشمها.
ومن حوله، وفي كل اتجاه، علت الوجوه المبتسمة نظرات الدهشة والترقب، وفيما رفع البعض إشارة النصر، وقف آخرون متجمدين في مكانهم لا يقوون على الحركة من هول الدمار الذي طال أكثر من 60% من المباني وفقا للأمم المتحدة.
يلتقط البعض صورا لعودتهم في محيط من الركام وسط الوحول وبرك مياه الصرف الصحي الآسنة.
وعلى الرغم من أنه لم يُسمح للناس بالعودة إلا، الإثنين، بعد مفاوضات جديدة بين "حماس" وإسرائيل، إلا أن أهالي غزة بدؤوا مسيرتهم نحو مدينتهم منذ اليوم الأول لوقف إطلاق النار، قبل أكثر من أسبوع.
وقال من نزحوا إلى أقصى الجنوب: إنهم ساروا لأكثر من ثلاثة أيام للوصول إلى المدينة.
منى أبو عاذرة وهي من سكان بلدة بيت لاهيا في شمال القطاع، اجتمعت للمرة الأولى منذ بداية الحرب قبل خمسة عشر شهرا ونزوحها مع والديها إلى مدرسة في دير البلح، وسط القطاع، مع إخوتها الثلاثة الذين لم يغادروا مدينة غزة.
وقالت الشابة البالغة من العمر 20 عاما: "المنزل مدمَّر. إخوتي أقاموا خيمة بجانب نصف غرفة هي كل ما بقي من البيت".
وأضافت: "الأمور صعبة جدا، لا يوجد عندنا فرش ولا أغطية، رجعنا إلى غزة ولا يوجد معنا شيء".
وتابعت: "لا يوجد حتى مياه للشرب، ومعظم الشوارع والطرقات مغلقة بفعل أكوام الركام".
جميع العائدين الذين التقتهم وكالة فرانس برس عند وصولهم قالوا: إنه لا توجد لديهم أي من الضروريات الأساسية للعيش، لا سيما أن مناطق شمال قطاع غزة عانت من نقص خطير في الماء والأغذية على مدى شهور الحرب الطويلة.
قال سيف الدين قزعاط (41 عاما) الذي أمضى الليلة في خيمة بجانب منزله المدمر في منطقة تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة: "أشعلت النار لتدفئة أطفالي الذين ناموا من دون أغطية".
وعبر الرجل عن أمله في أن يتم توفير خيمة له ولعائلته وللعائلات العائدة الأخرى. وقال: "طلبي الوحيد أن يستمر وقف الحرب، وأن يعيدوا بناء البيت".
أما محمود كشكو (52 عاما) الذي عاد مع عائلته، أمس، فقال: إنه تردد كثيرا في ذلك. وأضاف بعد وصوله إلى موقع منزله في حي الزيتون في جنوب شرقي المدينة: "منزلي مدمر مثل منازل غالبية الناس. ترددت في العودة إلى غزة لكنني رأيت مئات آلاف الناس يرجعون... كلنا مسرورون لعودتنا لكن وضعنا مأساوي وكارثي، لا يوجد أي شيء يساعدنا لنعيش حياة طبيعية هنا".

يوم جميل
حمودة العمصي، وهو من سكان حي الدرج بمدينة غزة، عاد مع زوجته وأطفاله إلى منزله، فجر امس.
وقال الرجل البالغ من العمر 33 عاما وهو يقف أمام بيته المدمر: "هذا يوم جميل يوم عودتنا لديارنا. أشعر وكأنني خرجت من السجن. لن ننزح ولن نهاجر مرة أخرى حتى لو رجع الاحتلال للحرب".
وعبر عن أمله بإعادة إعمار منزله وقال: "سوف تعود الحياة كما كانت قبل 7 (تشرين الأول) أكتوبر".
وأشار العمصي إلى أن شقيقه الأصغر عامر فضل البقاء مع زوجته وأولاده في الخيمة التي يقيمون فيها في منطقة المواصي غرب خان يونس. وقال: "لا يريدون العودة حاليا إلى غزة، لأنه لا توجد بيوت ولا خيام ولا مياه ولا طعام في غزة، لا توجد أي مقومات للحياة".
وفي اليوم الثاني من وصول العائدين من الجنوب إلى شمال القطاع، بدت الأمور أفضل تنظيما على معبر نتساريم على طول شارع الرشيد الساحلي، وفق مراسلي فرانس برس.
كما بدت حركة مرور السيارات أكثر انسيابية وبوتيرة أسرع عبر مفترق نتساريم على طريق صلاح الدين، حيث يشرف عشرات من عناصر الأمن المصري وعناصر شركة أميركية خاصة على عملية التفتيش الإلكتروني للمركبات المحملة بالأمتعة والفرش والأغطية وقماش الخيام.
بدورها، بدأت طواقم بلدية غزة العمل على إزالة الركام لفتح الطرق، لكن الطريق ما زال مضنيا للسائرين الذين يصطحبون أطفالهم ويحملون بعض أمتعتهم.
وعلى الرغم من الدمار، انهمك بعض العمال في إعادة توصيل شبكات المياه لبعض التجمعات السكانية، لكن البلدية أكدت أن 90% من شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء باتت مدمرة في محافظتي غزة وشمال القطاع.
وفيما تكثف المنظمات غير الحكومية جهودها لإيصال المساعدات الطارئة، مع سماح السلطات الإسرائيلية بدخول مزيد من الشاحنات، وصف المكتب الإعلامي الحكومي التابع لـ"حماس" في غزة الوضع في القطاع بأنه "كارثي".
وحث المكتب المجتمع الدولي لإغاثة غزة عبر "إعادة تأهيل المستشفيات ومحطات المياه والمخابز، وتوفير 135 ألف خيمة وكرفان (بيت متنقل) على الأقل لسكان شمال القطاع، وتوفير الفرش والأغطية وإدخال قطع الغيار لشبكات المياه والكهرباء والاتصالات والطعام والدواء".